د. رامي كمال النسور
من المتوقع أن تستقبل دولة الإمارات العربية المتحدة 9,800 مليونير جديد، عام 2025. هؤلاء هم سكان الإمارات الجدد، سيجلبون لها ثروة تقدر بنحو 63 مليار دولار، وخلال السنوات الخمس الأخيرة شهدت الإمارات زيادة 98% في عدد أصحاب الثروات. من جهة أخرى، تذكر الإحصائيات أن 16500 مليونير يستعدون لمغادرة بريطانيا إلى جهات خارجية من أهمها الإمارات.
والحقيقة، أنه في السنوات الأخيرة، برزت دولة الإمارات كوجهة عالمية رائدة للأثرياء. بدءاً من انتقال المليارديرات إلى أبوظبي ودبي، وصولاً إلى الأفراد ذوي الثروات الكبيرة، الذين يؤسسون أعمالاً تجارية، أو يشترون عقارات فاخرة، نجحت الدولة في ترسيخ مكانتها كوجهة جذب للثروات العالمية. ويعود هذا التدفق المتزايد، إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية، وهو يُعيد بالفعل تشكيل المشهد الاقتصادي للدولة بشكل ملحوظ.
والسؤال هنا: لماذا يتدفق الأثرياء إلى الإمارات؟ في الحقيقة هناك عدة أسباب أهمها، عدم وجود ضريبة على الدخل، فمن أبرز عوامل الجذب في دولة الإمارات بيئتها المُيسّرة للضرائب، فغياب ضريبة الدخل وأرباح رأس المال والميراث، يجعلها جذابة بشكل خاص للأثرياء، الذين يتطلعون إلى حماية وتنمية أصولهم. وإلى جانب تبسيط إجراءات الحصول على التأشيرات والإقامة للمستثمرين والمهنيين، تُوفر الدولة بيئة مثالية للحفاظ على الثروات.
ثم يأتي بعد ذلك، موقعها الجغرافي، الذي يُعدّ مركزياً بين الشرق والغرب، ومثالياً للسفر والأعمال التجارية العالمية، بفضل بنيتها التحتية عالمية المستوى، بما في ذلك «طيران الإمارات» و«الاتحاد»، يُمكن للأثرياء الوصول بسهولة إلى أوروبا وآسيا وإفريقيا في غضون ساعات قليلة.
ومن أهم الأسباب الاستقرار السياسي والأمني لدولة الإمارات، ففي عالم يشهد تزايداً في حالة عدم الاستقرار السياسي، تتميز دولة الإمارات بحوكمة قوية، وسيادة قانون قوية، وانخفاض معدلات الجريمة، وتُعدّ هذه الظروف جذابة بشكل خاص للأثرياء الباحثين عن بيئة آمنة لعائلاتهم واستثماراتهم.
كما تُقدّم دولة الإمارات أسلوب حياة لا مثيل له، عبر عقارات فاخرة، وتسوّق عالمي المستوى، ورعاية صحية من الدرجة الأولى، ومدارس دولية، وبيئة ثقافية وترفيهية نابضة بالحياة. بالنسبة للأثرياء، لا يقتصر الأمر على المزايا المالية فحسب، بل يشمل أيضاً التمتع بمستوى معيشي مرتفع.
وأخيراً، جعلت المناطق الحرة في الدولة، وقوانين الملكية الأجنبية الكاملة، والخدمات الحكومية الرقمية، إنشاء وإدارة الأعمال في الإمارات أسهل من أي وقت مضى. يسعى العديد من الأفراد الأثرياء إلى الاستفادة من دولة الإمارات كقاعدة لعملياتهم الإقليمية أو العالمية.
أما عن الآثار والتبعات على اقتصاد الإمارات، فمن أهمها وهذا ما لاحظناه بقوة مؤخراً، ازدهار قطاعي العقارات والرفاهية، فقد ارتفعت أسعار العقارات الفاخرة في مناطق مثل جزيرة ياس والسعديات والريم في أبوظبي وكذلك نخلة جميرا، وتلال الإمارات، ووسط مدينة دبي بشكل ملحوظ. حفّز هذا التوجه نمو قطاعات البناء والتصميم الداخلي والخدمات المتميزة.
أيضاً، مع تدفق رؤوس أموال الأثرياء، يتزايد الطلب على الخدمات المصرفية الخاصة، وإدارة الثروات، وخدمات الاستشارات الاستثمارية. وقد استفاد مركز دبي المالي العالمي (DIFC) بشكل كبير من هذا التوجه، حيث استقطب المؤسسات المالية العالمية والشركات المتخصصة على حد سواء.
كما يتماشى استقطاب المواطنين العالميين الأثرياء، مع أهداف التنويع الاقتصادي الأوسع لدولة الإمارات، فهو يحوّل التركيز من الاعتماد على النفط إلى قطاعات مثل السياحة، والتمويل، والعقارات، والرعاية الصحية، والتعليم، ما يخلق اقتصاداً أكثر مرونة واستعداداً للمستقبل.
ومن أهم الآثار الإيجابية، زيادة التأثير العالمي والقوة الناعمة. إن استضافة مواطنين عالميين مؤثرين يعزز القوة الناعمة لدولة الإمارات وسمعتها الدولية. كما أن وجود مليارديرات ومشاهير وقادة فكر، يساعد على تعزيز صورة الدولة كدولة تقدمية وعالمية ومستقبلية.
أخيراً تُعدّ قدرة الإمارات العربية المتحدة على استقطاب أثرياء العالم، دليلاً على ذكائها في صنع السياسات، ورؤيتها الاستراتيجية، وتطلعاتها العالمية. وبينما يُحقق هذا التدفق فوائد اقتصادية هائلة، فإنه يطرح أيضاً تحديات جديدة تتطلب تنظيماً مدروساً وتخطيطاً اجتماعياً مدروساً. ومع مواصلة الإمارات مسيرتها نحو أن تصبح مركزاً عالمياً رائداً، سيعتمد نجاحها على تحقيق التوازن بين مصالح الأثرياء ومصالح عموم السكان.
*المستشار في الأسواق المالية والحوكمة والاستدامة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.