- في كل مرة تومض فيها شاشة هاتفك، فأنت لا تدخل إلى عالم من المعرفة فحسب، بل تخطو إلى ساحة معركة خفيّة.
- إنها حرب لا تُرى بالعين المجردة، تدور رحاها على أغلى ما نملك: وعينا، وتستهدف ثقتنا، وتهدد بنسف إدراكنا للواقع ذاته.
- أصبحنا محاطين ببيئة معلوماتية مفخخة بالألغام، ومصممة بهندسة شيطانية لإثارة الانقسام وزرع الشكوك.
- تمتد هذه البيئة من الأخبار الزائفة التي تنتشر كانتشار النار في الهشيم، وصولًا إلى تقنيات "التزييف العميق" التي تمحو ببراعة الخط الفاصل بين الحقيقة والخيال.
- وفي خضم هذا السيل الجارف، يبرز مصطلح "محو الأمية الإعلامية والمعلوماتية" ليس كمهارة إضافية أو رفاهية فكرية، بل كدرع أساسي للبقاء، وبوصلة لا غنى عنها للإبحار في هذا المحيط الرقمي الهائج.
- لم تعد القضية مجرد تمكين فردي، بل ارتقت لتصبح حجر الزاوية لصون الديمقراطيات، وحماية النسيج الاجتماعي، وإعادة بناء الثقة المنهارة بمؤسساتنا.
نحو "مناعة مجتمعية": تجاوز الحلول الفردية
- لسنوات، تركزت جهود مكافحة التضليل على الفرد، وتحديدًا على الشباب في منظومة التعليم الرسمي. لكن هذه المقاربة، على أهميتها، أثبتت أنها مجزأة وقاصرة. فالفيروس المعلوماتي أشد تعقيدًا من أن يواجهه فرد واحد أعزل.
للاطلاع على المزيد من المواضيع والتقارير في صفحة مختارات أرقام
- وهنا، يقدم تقرير حديث صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي نموذجًا ثوريًا بعنوان "إعادة التفكير في محو الأمية الإعلامية: نموذج بيئي جديد لسلامة المعلومات"، داعيًا إلى الانتقال من الحلول الفردية إلى بناء "مناعة مجتمعية" شاملة.
- يرتكز هذا النموذج على حقيقة بديهية وعميقة في آن واحد: إن سلوكياتنا وتفاعلاتنا مع المعلومات لا تتشكل من فراغ، بل هي نتاج شبكة معقدة من التأثيرات تعمل على خمسة مستويات متداخلة:
1- المستوى الفردي: قدرتنا الذاتية على التفكير النقدي وكبح جماح انفعالاتنا.
2- المستوى الشخصي: دور العائلة والأصدقاء كخط دفاع أول في تصحيح المعلومة أو، للأسف، نشرها.
3- المستوى المجتمعي: المدارس، والإعلام المحلي، والمجتمع المدني، وهي المؤسسات التي تشكل الروايات الجمعية.
4- المستوى المؤسسي: شركات الإعلام والمنصات الرقمية التي تحدد، بخوارزمياتها الجبارة، ما نراه وما يُحجب عنا.
5- مستوى السياسات: القوانين والتشريعات التي ترسم حدود الملعب الرقمي وقواعد اللعبة.
تشريح الفيروس
- لبناء هذه المناعة، يجب أولًا أن نشخّص دورة حياة الفيروس المعلوماتي بدقة. يقسم النموذج هذه الدورة إلى خمس مراحل، كل مرحلة تتطلب ترياقًا مختلفًا:
مرحلة الحضانة (التربة الخصبة للوباء): هل يجد التضليل أرضًا خصبة من الشك ونظريات المؤامرة، أم يلفظه وعينا الجمعي قبل أن يترسخ؟
مرحلة الإنتاج (صناعة السموم): تركز على الأدوات التي تمكّن من صناعة المحتوى المضلل. اليوم، وبفضل الذكاء الاصطناعي التوليدي، أصبح إنتاج محتوى مزيف ومقنع أسهل وأسرع وأرخص من أي وقت مضى.
مرحلة العدوى (محركات الانتشار): تفحص كيف تساهم خوارزميات المنصات الرقمية في تضخيم الفيروس، محولةً إياه إلى وباء عالمي في دقائق معدودة.
مرحلة الإصابة (لحظة الاستهلاك): تدرس كيف نتفاعل نحن كمستخدمين مع المعلومة. هل نشاركها بنقرة عمياء، مدفوعين بالعاطفة، أم نتوقف لنتساءل ونتحقق؟
مرحلة ما بعد المرض (الندوب الباقية): تتعامل مع الآثار طويلة الأمد. فحتى بعد فضح الكذبة، يبقى أثرها حاضرًا في الوعي، مما يتطلب استراتيجيات لتعزيز المرونة النفسية وإصلاح الضرر الاجتماعي.
المعركة المصيرية: هل نحن على قدر التحدي؟
- إن الاعتراف بأهمية محو الأمية الإعلامية لم يعد كافيًا؛ فالجهود الحالية، رغم صدق نياتها، تبدو كمن يحاول إفراغ المحيط بملعقة أمام تسونامي التضليل المتسارع.
- يقدم نموذج المنتدى الاقتصادي العالمي خريطة طريق واضحة ومُلحة: يجب أن تكون استجابتنا شاملة، ومنسقة، ومتعددة المستويات.
- والمعركة ليست تقنية فحسب، بل هي معركة ثقافية وتربوية وسياسية وأخلاقية. إنها تتطلب جهدًا جماعيًا يمتد من غرفة الصف إلى غرف اجتماعات مجالس الإدارة، ومن محادثاتنا العائلية إلى أروقة التشريع.
- إن بناء مجتمع رقمي آمن ومستنير ليس خيارًا، بل هو شرط أساسي لمستقبل يمكننا فيه أن نثق بما نرى ونسمع ونقرأ.
- السؤال الحقيقي الآن ليس "ما الذي يجب أن نفعل؟"، بل "هل نمتلك الشجاعة والإرادة لخوض هذه المعركة المصيرية؟"
المصدر: المنتدى الاقتصادي العالمي
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة ارقام ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من ارقام ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.