اقتصاد / صحيفة الخليج

وطنٌ يُدار كصفقة

شيرين أختر*

عاد الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025 متبنّياً أجندة اقتصادية تمزج بين السياسات النيوليبرالية والقومية الاقتصادية، وترتكز على شعارات السيادة والقوة بهدف تعزيز نفوذ الشركات وتقويض العمل والرفاهية العامة.
ورغم مزاعمه بإنعاش قطاع التصنيع الأمريكي، فإن نهجه يُفاقم عدم المساواة، ويُضعف حقوق العمال، ويُعزز الاحتكارات المالية. وهذا يُعمق في نهاية المطاف التحديات الهيكلية التي تواجه الاقتصاد الأمريكي، في تحوّل واضح لأولويات الحكم.
واسترشاداً ب«مشروع 2025» الذي وضعته مؤسسة «هيريتج»، قلّصت الإدارة الأمريكية الخدمات العامة، وقواعد حماية العمال، وأكدت مجدداً سعيها نحو الهيمنة الأمريكية. وتماشياً مع هذا التوجه، صدرت سلسلة أوامر تنفيذية لتفكيك اللوائح البيئية، وتوسيع عقود التنقيب عن الوقود الأحفوري، وإعادة تصنيف العمال الفيدراليين ضمن الجدول «F». ويواجه الكثير من هذه الإجراءات بالفعل تحديات قانونية من النقابات ومنظمات الحقوق المدنية.
لقد صاغ ترامب أجندته على أنها معركة من أجل «السيادة الاقتصادية»، لكنها في جوهرها إعادة تدوير لنهج نيوليبرالي يعزز إلى حد كبير رأس المال على حساب العمل، ويُعزز الاحتكارات من خلال إلغاء القيود وتخفيض الضرائب، كما يروج لسياسات تجارية تُفيد الشركات الكبرى، ما يفاقم عدم المساواة ويُعقد مشهد التوترات العالمي.
رغم خطابه الذي يناهض العولمة، جاءت السياسات التجارية لترامب لتعزز شبكات الإنتاج العالمية ذاتها التي وعد بتفكيكها. وقد فشلت حرب التعريفات الجمركية مع ، التي بدأت خلال ولايته الأولى واشتدت في الثانية، في إنعاش قطاع التصنيع الأمريكي. وبدلاً من توطين الوظائف، تُعيد الشركات متعددة الجنسيات توجيه إنتاجها جزئياً إلى دول أخرى منخفضة الأجور، فيما بقي جزء كبير منها في الصين.
وتحت ضغوط الواقع الجيوسياسي، اضطر ترامب إلى التراجع جزئياً عن بعض الرسوم الجمركية، فضلاً عن تخفيف ضوابط تصدير التكنولوجيا إلى الصين. وهو ما عدّه بعضهم دليلاً على ضعف استراتيجي قلّص من هيبة واشنطن في أعين بقية دول العالم.
ولحشد الدعم الشعبي، تُجادل الإدارة بأن التعريفات الجمركية ستحمي العمال الأمريكيين، إلا أن النتائج الحقيقية تُشير إلى خلاف ذلك، من ارتفاع في الأسعار، إلى ضغط على صغار المُصنّعين الذين يعتمدون على الواردات، مروراً بترسيخ نفوذ الشركات الكبرى. وبينما يتحدث ترامب عن مكافحة تصدير الوظائف، تُواصل الشركات الأمريكية نقل عملياتها إلى الخارج والاعتماد على العمالة الأجنبية الماهرة، مستفيدة من الإعفاءات الضريبية والدعم المحلي السخيّ هناك.
ويخفي هذا النزوح إلى الخارج مشكلات أعمق وطويلة الأمد من مجرد سياسة تجارية. فقد أدت سنوات من نقص الاستثمار المحلي إلى تفريغ القاعدة الصناعية للولايات المتحدة. وبدون بنية تحتية حديثة أو سياسات عمل داعمة، فإن الحمائية، مهما بلغت حدتها، لن تستطيع التغلب على نقاط الضعف الهيكلية هذه بفاعلية. في السياق الدولي، تكشف سياسة ترامب التجارية أيضاً عن تحول أوسع في استراتيجية بلاده. ففي محاولة لإثارة الخلاف بين الصين وروسيا، تتخذ إدارته موقفاً أكثر ليونة تجاه موسكو، فيما تُصعّد الضغط على بكين. ولا يقتصر هذا التعديل على صياغة التجارة فحسب، بل يشمل أيضاً السياسة الأمريكية تجاه أوكرانيا وتنظيم التكنولوجيا العالمية.
وإلى جانب أجندته التجارية، عمّق ترامب ضرائب الشركات لعام 2017، واعداً بأنها ستُطلق العنان للنمو الاقتصادي. إلا أن الواقع كان مختلفاً، فبدلاً من الاستثمار في الإنتاج أو خلق فرص العمل، حوّلت الشركات المكاسب غير المتوقعة إلى عمليات إعادة شراء الأسهم، ودفع رواتب المديرين التنفيذيين، وتوسيع هوامش الأرباح. أما العمال، فلم ينالوا سوى الفُتات من المزايا الموعودة.
وفي مواجهة ضعف خلق فرص العمل محلياً، لجأ ترامب إلى ضوابط التصدير وقيود الاستثمار تحت لواء الأمن القومي. وعمل على توسيع صلاحيات لجنة الاستثمار الأجنبي في البلاد، وتوسيع نطاق حظر صادرات أشباه الموصلات وتقنيات الذكاء الاصطناعي إلى الصين.
لكن من المفارقات، أنه رغم تخفيف بعض القيود على التصدير والذي يُقدَّم الآن كاستراتيجية لإبطاء الابتكار الصيني ومنع خسارة طويلة الأمد للأسواق، تسعى واشنطن للربح من السوق الصينية، حتى لو كان ذلك على حساب خطابها السياسي. وعوضاً عن تحفيز نهضة صناعية، توجه الإدارة الأموال العامة إلى شركات عملاقة مثل أمازون، ومايكروسوفت، وإنفيديا، ما يعزز هيمنتها السوقية.
لم تمثل ولاية ترامب الثانية قطيعة مع النهج النيوليبرالي بقدر ما كانت تأكيداً له. فمزيجه من الحمائية وتحرير الأسواق وتركيز رأس المال يدعم الشركات الكبرى، لكنه يتجاهل الثغرات العميقة في بنية الاقتصاد الأمريكي. البنية التحتية لا تزال مهترئة، والأجور الحقيقية راكدة، وحقوق العمال تتآكل.
* أستاذة الاقتصاد بكلية ذاكر حسين في جامعة دلهي  فيرأوبزيرفر

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا