اقتصاد / صحيفة الخليج

روسيا وأوكرانيا ومستقبل سوق الفوسفات

د. رامي كمال النسور *

لا شك أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا والعقوبات التي تبعتها على روسيا قد رفعت «علاوة المخاطر» على سلاسل الإمداد والطاقة والشحن لكل السلع والمواد الخام، فدفعت الأسعار إلى مستويات مرتفعة في 2022 قبل أن تهدأ تدريجياً. وتاريخياً، تعتمد أسعار الفوسفات ومشتقاته على مزيجٍ من عوامل العرض العالمي، وتكاليف المُدخلات (الكبريت، الأمونيا، )، وكلفة الشحن والتأمين، إضافةً إلى الطلب الزراعي الموسمي من المستهلكين الرئيسيين وهم (الهند، البرازيل، الولايات المتحدة، أوروبا). وهنا السؤال ما هو الأثر المتوقع على أسعار الفوسفات إذا انتهت الحرب ورُفعت العقوبات على روسيا؟
أول هذه الآثار المباشرة هو إزالة علاوة المخاطر اللوجستية انحسار المخاطر في البحر الأسود وانخفاض أقساط التأمين وهما يعيدان جزءاً من القدرة التصديرية الروسية إلى طبيعتها ويُسهلان المدفوعات، ما يزيد المعروض الفعلي ويضغط الأسعار نزولاً. ثم يأتي بعدها الأثر المباشر الثاني وهو تراجع تكاليف الطاقة والشحن حيث إن تهدئة الجغرافيا السياسية عادةً ما تُخفّض أسعار الغاز والنفط وفرص «اختناقات» الشحن، ما يهبط بتكاليف الأمونيا والنقل البحري، وهما مدخلان رئيسيان في تصنيع أسمدة الفوسفات، فتنخفض الأسعار على مستوى سلاسل التزويد لها.
بعد ذلك سنشهد عودة التدفقات المالية والتجارية الروسية، وبالتالي فإن شركة روسية كبرى مثل PhosAgro (منتِج أسمدة فوسفاتية) ستستعيد سهولة النفاذ للأسواق والتمويل والتحويلات، ما سيزيد من الإمدادات العالمية ويقوّي المنافسة السعرية.
وآخر هذه التأثيرات المباشرة هو تحسّن سيولة السوق والشفافية، وبالتالي رفع القيود والمدفوعات المعقّدة، ما يقلّل تذبذب العروض من الفوسفات، فينعكس على عقود الشراء طويلة الأجل بأسعار أكثر استقراراً وأقل حدّة.
رغم عودة روسيا بكامل طاقتها حسب الافتراض، فإن التوازن مع اللاعبين الكبار سيظل صعباً نوعاً ما، حيث تبقى الحصة الكبرى من إنتاج الفوسفات ومشتقاته لدى والصين والسعودية والأردن. وهذه مناطق الإنتاج منخفضة التكلفة تُشكل «الحد الأدنى للتكلفة» عالمياً، لذا يُرجّح أن نشهد انخفاضاً معتدلاً بدل انهيارٍ حاد، لأن المنتجين أصحاب التكلفة المنخفضة سيضبطون الإمداد للحفاظ على هوامش ربح معقولة.
وإذا أردنا أن نبني سيناريوهات متوقعة لأسعار الفوسفات بمعنى بناء أسعار تقديرية إرشادية، فستعكس هذه التقديرات آليات السوق التاريخية إذا زالت علاوة المخاطر وتراجعت تكاليف الطاقة والشحن، الواقع النهائي يعتمد على سلوك التصديري، ودورات شراء الهند، ونمو الاقتصاد العالمي. وبالتالي نتوقع أن نرى في الأجل القصير 3–6 أشهر هبوط إضافي “تفريغي” بفعل إزالة علاوة المخاطر: 5%–15% على سلة منتجات الفوسفات/الأسم دة الفوسفاتية، مقارنةً بمستوى ما قبل الاتفاق.
أما في الأجل المتوسط 6–18 شهراً، فنتوقع استقرار الأسعار للفوسفات ضمن نطاق أضيق مع تعافٍ تدريجي للطلب وهو ما قد يعني حدوث خصمٍ صافٍ بنحو 5%–10% عن مستويات ما قبل رفع العقوبات، ما لم تعكس أسعار الطاقة أو الشحن اتجاههما.علماً أن تشدد صادرات الصين وفرض أي إجراءات إضافية من قبلها أو ارتفاع مفاجئ في أسعار الطاقة، أو اضطرابات مناخية تؤثر في المحاصيل كلها قد تقلّص الهبوط في سعر الفوسفات أو تعكسه جزئياً.
وعن تلخيص ما جاء أعلاه في محاولة الإجابة عمن سيكون الرابح ومن سيكون المتضرر، فسنجد أن الرابحين، هم: الدول المستوردة (الهند، البرازيل، دول إفريقيا): انخفاض تكلفة الأسمدة..
الموزعون والمزارعون عالمياً: هوامش ربح أفضل وقدرة أعلى على التخطيط الموسمي.
منتجو الفوسفات منخفضو التكلفة (المغرب، ، الأردن): وهم سيحتفظون بالتنافسية ويستفيدون من تحسن الطلب الكمي رغم تراجع السعر.
أما الخاسرون أو ربما المتضررون، فهم المنتجون مرتفعو التكلفة، حيث تتقلص الهوامش، وقد يخفضون الإنتاج لديهم.
الأسواق البديلة عالية الشحن: حيث إن زوال التهديدات والمخاطر اللوجستية يعيد تدفقات التجارة إلى مسارات أقصر وأرخص.
في الختام إن توقف الحرب ورفع العقوبات عن روسيا سيرجّح كفّة هبوطٍ معتدل في أسعار الفوسفات ومشتقاته عبر ثلاث قنوات، إزالة علاوة المخاطر، انخفاض تكاليف الطاقة/الشحن، وعودة الإمدادات الروسية بكفاءة أعلى. لكن الحد الأدنى للتكلفة الذي يحدّده كبار المنتجين، وتعافي الطلب لدى المستوردين الحسّاسين للسعر، سيحول دون هبوطٍ حاد، ما يعني أنه من المتوقع أن تكون أسعار أقلّ تقلباً للفوسفات وأقرب إلى التوازن مع دعمٍ لحجم التجارة العالمي، لاسيما في المواسم الزراعية الرئيسية.

* المستشار في الأسواق المالية والحوكمة والاستدامة

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا