غافين ماغواير*
من المرجح أن تتحول سرعة الرياح في المملكة المتحدة إلى عامل حاسم في تحديد مسار سوق الغاز البريطاني في الخريف والشتاء القادمين، بما ينعكس بدوره على أسواق الطاقة في أوروبا بأسرها.
المعادلة بسيطة لكنها خطرة، إذا استمر أداء مزارع الرياح في التراجع كما حدث منذ بداية العام، سيقفز استهلاك محطات الكهرباء البريطانية من الغاز بشكل كبير، ما يعني ضغوطاً إضافية على الإمدادات وارتفاعاً في الأسعار. أما إذا شهدنا انتعاشاً في إنتاج طاقة الرياح، فقد يتراجع الطلب المحلي على الغاز، وتتمكن بريطانيا حتى من تصدير الطاقة الفائضة إلى أوروبا في ذروة موسم الاستهلاك الشتوي.
وأظهرت بيانات «إمبر» أن توليد الكهرباء من الرياح في بريطانيا انخفض شهرياً إلى ما دون إجمالي الإنتاج قبل عام، وذلك خلال ستة من أصل ثمانية شهور الأولى من عام 2025. وبلغ إجمالي الإنتاج نحو 48 تيراواط/ساعة، أي أقل بنسبة 8.3% مقارنة بالفترة نفسها من 2024، وهو الأدنى منذ 2022. ونتيجة لذلك، تراجعت حصة الرياح من مزيج الكهرباء البريطاني إلى 31.9% مقابل نحو 35% في العام السابق. ولتعويض هذا النقص، رفعت محطات الطاقة البريطانية إنتاجها من الكهرباء المولَّدة بالغاز بنسبة 17.5%، وهو أعلى مستوى في عامين.
وساهم إغلاق آخر محطة فحم في سبتمبر/أيلول الماضي في زيادة الاعتماد على الغاز، كما أدى إلى أعلى إجمالي توليد طاقة مسجل من محطات الطاقة التي تعمل بالديزل في المملكة المتحدة. وهكذا ارتفعت حصة الغاز من مزيج الكهرباء إلى 33% مقابل 29% العام الماضي.
وهذا التحوّل يجعل الغاز المصدر الرئيسي للطاقة «القابلة للتوزيع» في المملكة المتحدة، خاصة خلال الفترات التي يقل فيها الإنتاج المتقطع من مزارع الرياح عن التوقعات. وهو أيضاً وقود التدفئة الأساسي خلال فترات البرد، حيث من المتوقع أن تميل درجات الحرارة للانخفاض في الأشهر المقبلة، وإن بقيت فوق معدلاتها الطبيعية.
تاريخياً، يقفز إنتاج الرياح في بريطانيا في الربع الأخير من العام، حيث تزداد سرعتها مع تبدل الفصول. وبين عامي 2019 و2024، ارتفع إنتاج الكهرباء من الرياح في الأشهر الثلاثة الأخيرة بنسبة 65% مقارنة بالربع الثالث من كل عام. كما ارتفعت مساهمتها من نحو 30% في الصيف إلى قرابة 40% في الشتاء.
لكن الزيادة لا تقتصر على الرياح وحدها، إذ تشهد محطات الوقود الأحفوري بدورها ارتفاعاً في الإنتاج بنحو 18% في الربع الأخير، تلبيةً لزيادة الطلب على التدفئة. ومع غياب الفحم تماماً عن المشهد، سيتحمل الغاز وحده العبء الأكبر هذا الشتاء.
العنصر الأكثر إرباكاً يتمثل في حجم المخزون المتاح من الغاز، فبريطانيا تقليدياً لا تعتمد على مخازن ضخمة، بل على شبكة الأنابيب القادمة من حقولها المحلية أو من دول التصدير. ومع ذلك، فإن غياب الفحم منذ العام الماضي يعني أن نظام الكهرباء سيحتاج إلى كميات أكبر من الغاز في فترات الذروة، ما قد يضغط على الشبكات القائمة ويفرض سحباً متكرراً من المخزونات.
وتوضح البيانات أن المخزونات المتوسطة بين الأول من يناير و15 سبتمبر 2025 كانت أقل ب41% عن الفترة نفسها في 2024، وهي الأدنى منذ 2021. عادةً يستغل المتعاملون شهري سبتمبر وأكتوبر لإعادة بناء المخزون قبل الشتاء، لكن ضعف إنتاج الرياح المستمر هذا العام يثير القلق من أن الحاجة للغاز قد تكون أكبر من المتوقع.
ورغم كل هذه الضغوط، يبقى الأمل معقوداً على طاقة الرياح. ففي الأيام الباردة والعاصفة، يمكن لمزارع الرياح أن توفر إمدادات إضافية تخفف العبء عن الغاز. لكن استمرار الأداء الضعيف كما نراه منذ بداية 2025 قد يغيّر المشهد، ويجبر محطات الكهرباء على الاعتماد المكثف على الغاز طوال الأشهر المقبلة.
وبالنسبة للمتعاملين في سوق الغاز، فإن أي تأخر في انتعاش طاقة الرياح سيعني طلباً أعلى من المعتاد حتى نهاية العام، مع قفزات حادة كلما زاد الطلب على التدفئة. بعبارة أخرى، مستقبل أسعار الغاز في بريطانيا وأوروبا هذا الشتاء لن تحدده فقط درجات الحرارة أو قرارات الحكومات، بل أيضاً سرعة الرياح فوق مزارع التوربينات.
تدخل بريطانيا الشتاء أمام مفترق طرق يخص الطاقة، فإذا أنقذتها الرياح، قد تخف وطأة أزمة الغاز وتستفيد أوروبا من فائض الإمدادات. أما إذا خذلتها، فسيكون الغاز سيد الموقف، ومعه الأسعار المرتفعة والمخاطر على المستهلكين. إنها لعبة طاقة لا تحددها السياسات وحدها، بل أيضاً تقلبات الطبيعة.
* كاتب متخصص في أسواق السلع والطاقة (رويترز)
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.