في عالمٍ يتسارع فيه إيقاع التحوّل الرقمي، لم يعد مفهوم السيادة الوطنية على البيانات حبيس الحدود الجغرافية أو النصوص القانونية، فبينما تتسابق الدول لتحقيق استقلالها الرقمي، تظهر مبادرات تؤكد تنامي هذا المسار بوضوح. ففي أوروبا، أُطلقت مبادرة GAIA-X لتعزيز سيادة الدول الأعضاء على بياناتها وضمان انسجامها السلس بين أنظمة التشغيل المختلفة. وفي آسيا، سنت الهند تشريعات تقضي بحفظ البيانات الحساسة داخل حدودها الوطنية. أما الولايات المتحدة، فوجدت نفسها وسط جدل محتدم حول الحاجة إلى سحابة سيادية مخصّصة للحكومة وقطاعاتها الحيوية، بعد أن أصبح الاعتماد على شركات الحوسبة السحابية العالمية العملاقة مثار قلق يرتبط بالأمن القومي.
هذه الأمثلة تؤكد أن السيادة الرقمية باتت أولوية مشتركة للحكومات، بوصفها ركيزة لأي مسار تنموي معاصر، حيث أضحت مفهوماً متعدّد الأبعاد يشمل إدارة البيانات وحمايتها، وضمان استمرارية البنى التحتية الحيوية، والتحكّم في تقنيات الذكاء الاصطناعي وتوجيه استخدامها. ومن خلال السيطرة على تدفقات المعلومات والمنصات والخوارزميات، تتمكّن الحكومات من تعزيز استقلاليتها التشغيلية وترسيخ ثقة مجتمعاتها بالخدمات الحديثة التي تزداد ترابطاً واعتماداً على الذكاء الاصطناعي يوماً بعد يوم.
تحويل الرؤية إلى واقع فعلي
جعفر الهاشمي، نائب الرئيس التنفيذي للقطاع الحكومي في شركة كور42، يؤكد أن السيادة الرقمية ليست شعارات سياسية أو أفكارًا نظرية، بل ضرورة لتعزيز قدرة الدول على خوض تحوّل آمن في عصر سريع التغيّر. فامتلاك الحكومات للسلطة الكاملة على بياناتها وبُناها التحتية يمكّنها من تطوير خدماتها الحيوية بثقة، سواء في الصحة أو التعليم أو عبر المنصات الرقمية. ويضيف: "هذا النهج يعزز الثقة بين الدولة والمجتمع، ويضمن استقلالية القرار الوطني. ومن هنا برزت الإمارات كمثال لهذا التوجّه عبر تبنّيها السحابة السيادية التي حوّلت الرؤية إلى واقع ملموس".
رؤية الهاشمي تتجلى بوضوح في التجربة الإماراتية، التي نجحت في دمج السيادة الرقمية ضمن أجندتها للتحوّل الرقمي، في خطوة لم تحققها سوى قلة من الدول. بينما يجسّد الانتشار الواسع للسحابة العامة السيادية، التي طوّرتها كور42 بالشراكة مع مايكروسوفت، كيف أصبحت البنية التحتية السيادية ركيزة لمسيرة التحديث الوطني، خاصة مع انتقال أكثر من خمسين جهة حكومية إلى هذا الحل المتقدّم، الذي بات بمثابة العمود الفقري للقطاعات الخاضعة للرقابة والقوانين التنظيمية.
السيادة الرقمية كبُعد استراتيجي في عمل الحكومات
لم يكن تساؤل الحكومات يومًا حول قدرة "السحابة" على رفع الكفاءة أو استيعاب المزيد من المستخدمين، بل ضمان تحقيق ذلك من دون تقويض السيطرة الوطنية على البيانات والأنظمة. فالمعلومات الحساسة، والعمليات التي لا تحتمل توقفًا، وأنظمة الذكاء الاصطناعي، لا يمكن إدارتها عبر بُنى تحتية وُضعت لخدمة الأسواق العالمية، بل تتطلب منصات تلتزم بالقوانين المحلية، وتصون المصالح الوطنية، وتوفّر الأداء والمرونة التي تتطلبها الخدمات الحديثة.
هذه الفجوة دفعت "كور42" و"مايكروسوفت" إلى إطلاق خطة متعددة المحاور عام 2023، لتوفير حلول السحابة السيادية، والتعاون في ابتكار قدرات متقدمة للذكاء الاصطناعي، وتوسيع البنية التحتية لمراكز البيانات في الإمارات. ما أسفر عن إطلاق "السحابة العامة السيادية"، التي تجمع بين قدرات منصة "مايكروسوفت أزور" في معالجة وتخزين كميات ضخمة من البيانات، وتقديم خدمات موثوقة لملايين المستخدمين، وبين الحوكمة المحلية الصارمة التي تفرضها منصة "انسايت" من كور42، لضمان بقاء المعلومات والعمليات الحيوية داخل حدود الدولة وتحت سلطتها، مع الاستفادة من أداء وانتشار "أزور" كمنصة عالمية.
وفي هذا الإطار، تؤكد إيفون شبيب، المديرة التجارية لقطاع الصحة والقطاع الحكومي في مايكروسوفت، أن الشراكة مع كور42 تجسّد قدرة التكنولوجيا العالمية على خدمة الأولويات الوطنية، موضحة أن السيادة الرقمية لا تعني مجرد إبقاء البيانات داخل الحدود، بل تمكين الدول من صياغة مستقبلها الرقمي بإرادتها. وأضافت: "من خلال شراكتنا مع كور42، أنشأنا إطارًا يضمن بقاء البيانات والعمليات الحساسة تحت إشراف دولة الإمارات، مع الاستفادة من ابتكارات مايكروسوفت "أزور" المتقدمة، وهو ما يمنح الاستراتيجيات الرقمية الوطنية القدرة على التقدّم بسرعة وبأعلى مستويات الأمان والثقة."
من الفكرة إلى خدمة الملايين يومياً
منذ تدشينها، نجحت كور42 في تحويل "السحابة العامة السيادية" من مجرد فكرة إلى بنية تحتية حيوية تدعم الخدمات الأساسية في الدولة. وتعد أبوظبي أبرز نموذج لهذا التحوّل، إذ تسعى عبر هذه المنصة إلى أن تصبح أول حكومة في العالم تقوم على الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2027. وحتى الآن، تم تفعيل المنصة في أكثر من أربعين جهة حكومية، تدير ما يزيد على 11 مليون تفاعل رقمي يومياً، سواء داخل المؤسسات الحكومية المباشرة أو عبر مجالات استراتيجية أخرى كالصحة والمالية والطاقة، حيث أصبحت ركيزة يُعتمد عليها لتشغيل العمليات الحساسة.
وفي هذا الإطار، يوضح جعفر الهاشمي أن نقل الجهات الحكومية والقطاعات الاستراتيجية عملياتها الحيوية إلى "السحابة العامة السيادية" لا يهدف فقط إلى تحقيق الامتثال للتشريعات المحلية، بل يفتح المجال لابتكار أسرع، وتوظيف الذكاء الاصطناعي على نطاق أوسع، وتقديم خدمات أكثر مرونة واستدامة للمواطنين، مؤكدًا أن القيمة الحقيقية للسيادة تكمن في تسريع التحوّل الرقمي مع جعل الثقة عنصرًا ثابتًا في كل خطوة.
إن التبني السريع الذي حققته الإمارات لـ"السحابة العامة السيادية" يؤكد أن عنصري السيادة والابتكار ليسا قوتين متعارضتين، بل ركيزتين متكاملتين لمسيرة التقدّم، حيث قالت إيفون شبيب: "ما بنيناه معًا ليس مجرد منصة وطنية، وإنما نموذجاً عالمياً للحكومات التي تطوّر خدمات مدعومة بالذكاء الاصطناعي، وفي الوقت ذاته تحافظ على بنيتها التحتية المعلوماتية وتسيطر عليها بشكل كامل، مؤكدة أن السيادة لا تعيق الابتكار، بل تضمن توسعه بشكل مسؤول ومستدام.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.