في عالم الأعمال اليوم، أصبحت عبارة «السلامة النفسية» من أكثر المفاهيم تداولاً داخل المؤسسات والشركات. وكثير من القادة والمديرين يحاولون تطبيق هذا المفهوم في فرقهم بدافع تشجيع الموظفين على طرح الأفكار والمبادرات، وزيادة روح الابتكار. لكن المشكلة أن المفهوم نفسه تعرض لتشويه وسوء فهم واسعاً، مما جعل بعض الشركات تسقط في فخ تطبيقه بشكل سطحي لا يحقق النتائج المرجوة.
لنبدأ أولاً بمواقف قد تبدو مألوفة لأي قائد أو مدير:
* تستدعي فريقك لاجتماع عصف ذهني، لكن الجميع يلتزم الصمت ويخشى أن يتحدث.
•لديك فكرة تحتاج لملاحظات من الآخرين، لكن الفريق يجاملك ويقول إنها مثالية بلا أي نقد، رغم أنك تعلم أنها تحتاج تحسين.
* يقترح أحد الموظفين فكرة لا تناسب سياق العمل، وبعد أن ترفضها، يشعر بالإحباط ويعتبر أن رفض فكرته يعني أنه غير مرحب بمشاركته مستقبلاً.
هنا يظهر الخلل: فالسلامة النفسية لا تعني «الموافقة على كل شيء»، ولا تعني أن بيئة العمل يجب أن تخلو من النقد أو الخلافات. بل إن الخبراء يؤكدون أن سوء الفهم هذا يضعف الأداء ويحدّ من قدرة الفرق على التعلم والتطور.
ما هي السلامة النفسية فعلاً؟
الخبيرتان إيمي سي. إدمونسون من كلية هارفارد للأعمال وميكايلا كيريسي من جامعة هارفارد للصحة العامة، أوضحتا في مقالة بمجلة «هارفارد بزنس ريفيو» أن السلامة النفسية تقوم على أساس واضح:
* أن يشعر الموظف أنه يستطيع التعبير عن أفكاره بحرية، دون خوف من السخرية أو العقاب.
* أن يُسمح بطرح الأسئلة، والمناقشة، وحتى الاعتراض، شرط أن يكون الهدف هو خدمة المصلحة العامة وتحسين الأداء. لكن هذا لا يعني أن البيئة يجب أن تكون «مريحة» أو «لطيفة» طوال الوقت، بل إن التغيير والنمو يتطلبان مواجهة صريحة ومناقشات حقيقية قد تتضمن بعض التوتر البنّاء.
تصحيح أبرز المفاهيم الخاطئة:
1- السلامة النفسية ليست مجرد أن نكون لطفاء:
اللطافة مطلوبة بلا شك، لكنها ليست كافية. إذا كان الموظفون يتجنبون قول الحقيقة خوفاً من جرح مشاعر الآخرين، فهم في الواقع يسهمون في إنتاج «جهل جماعي» ويقودون الفريق إلى قرارات متوسطة أو ضعيفة.
2- السلامة النفسية لا تعني أن يحصل الجميع على ما يريدون دائماً: ومن الطبيعي أن تتعارض الآراء في العمل. لذلك ليس منطقياً أن يخرج كل فرد من الاجتماع راضياً عن كل قرار. الأهم أن يشعر بأن صوته سُمِع وأُخذ بجدية، حتى لو لم يتم تبنّي رأيه في النهاية.
3- السلامة النفسية لا تعني ضمان الوظيفة:
قد يخلط البعض بينها وبين الأمان الوظيفي، لكن الأمر مختلف. القائد قد يرفض فكرة، أو يقيّم أداءً ضعيفاً، أو حتى يتخذ قراراً بإنهاء عقد موظف لا يضيف قيمة حقيقية. إن السلامة النفسية تعني أن الموظف يعرف أن أفكاره أو تعليقاته لن تُستخدم ضده بطريقة غير عادلة، لكنها لا تبرر ضعف الأداء أو التخاذل.
4- السلامة النفسية ليست مبرراً للأداء السيّئ:
الهدف ليس منح غطاء للكسل أو الأخطاء المستمرة، بل على العكس: هي وسيلة لتشجيع المشاركة في تحسين الأداء الجماعي. بدونها، يخفي الأفراد معلومات مهمة أو يتجنبون التعبير عن المخاوف، فيسقط الفريق في «التفكير الجمعي» الذي يعوق الإبداع.
5- السلامة النفسية لا يمكن فرضها بقرار إداري:
لا يستطيع القائد أن يعلن ببساطة: «من اليوم، فريقنا لديه سلامة نفسية». هي ثقافة تُبنى عبر الممارسة المستمرة، ويشارك في ترسيخها جميع الموظفين بمختلف المستويات، وليس الإدارة العليا فقط.
كيف ينجح القادة في بناء السلامة النفسية؟
تقترح إدمونسون وكيريسي ثلاث خطوات عملية تساعد أي قائد على خلق بيئة عمل أكثر أماناً وفاعلية:
1- التركيز على الأهداف بدلاً من ترديد مصطلح «السلامة النفسية»:
بدلاً من الحديث المستمر عن المفهوم نفسه، يجب أن يركز القائد على مهمة الفريق ورؤيته المستقبلية. عندما يكون الهدف واضحاً وملهماً، يصبح النقد البنّاء والمشاركة جزءاً طبيعياً من الرحلة لتحقيق ذلك الهدف.
2- تحسين جودة المحادثات داخل الفريق:
المحادثات الجيدة هي التي تسمح بتبادل المعلومات بصدق، والاستماع النشط، وطرح الأسئلة التي تكشف زوايا جديدة، مع السعي إلى قرارات واضحة في النهاية. فالحوار الفعّال ليس مجرد نقاش مفتوح بلا نتائج، بل وسيلة لتطوير الأفكار وتحويلها إلى خطط قابلة للتنفيذ.
3- إنشاء هياكل واضحة للتفكير الجماعي ومتابعة التقدم من الأمثلة العملية:
* تخصيص وقت أسبوعي لمراجعة الدروس المستفادة من المشاريع.
* عقد «ساعات مكتبية افتراضية»، حيث يستطيع أي موظف طرح أفكاره مباشرة مع المدير.
* تشجيع الفرق الصغيرة على مشاركة إنجازاتهم وملاحظاتهم بشكل منتظم.
هذه الهياكل تجعل الحوار عادة يومية، لا مجرد استثناء عند الأزمات.
إن بناء ثقافة قائمة على السلامة النفسية ليس رفاهية، بل ضرورة لأي منظمة تسعى للابتكار والتطور. وهي لا تعني الراحة الدائمة أو غياب التحديات، بل تعني أن يشعر كل فرد أن رأيه له قيمة، وأنه يستطيع المساهمة دون خوف.
وعندما يحقق القائد هذا التوازن بين الانفتاح على الأفكار والتمسك بالمعايير العالية للأداء، تتحول السلامة النفسية إلى قوة دافعة للتعلم والإبداع، وتجعل الفريق أكثر استعداداً لمواجهة تحديات المستقبل بثقة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.