د. رامي كمال النسور *
شهد العالم في الآونة الأخيرة تنامياً ملحوظاً في مستوى التعاون الاستراتيجي بين ثلاث قوى كبرى هي الصين وروسيا والهند، وذلك في إطار تحالفات اقتصادية وسياسية تسعى إلى إعادة تشكيل ميزان القوى العالمي. هذا التقارب لا يقتصر على الجوانب السياسية أو الأمنية فحسب، بل يمتد ليشمل الاقتصاد والتجارة والطاقة والتكنولوجيا، ما يجعله نقطة تحول محتملة في النظام الاقتصادي الدولي، وتوجهاً لبناء نظام اقتصادي عالمي متعدد الأقطاب يقلل من هيمنة الولايات المتحدة.
أما الدوافع من هذا التحالف بالنسبة للصين فهي تبحث عن تعزيز أمنها من الطاقة وتأمين أسواق جديدة لمنتجاتها، إضافة إلى دعم مبادرة «الحزام والطريق». أما روسيا فتسعى إلى الالتفاف على العقوبات الغربية وتوسيع نطاق شراكاتها التجارية، خاصة في مجالي الطاقة والمعادن. وأخيراً الهند ورغم علاقاتها التقليدية الممتازة بالولايات المتحدة، فإنها تحاول الموازنة بين الشرق والغرب من خلال تعزيز أمنها من الطاقة وتنويع مصادر التكنولوجيا والاستثمار.
وعند تناول الأثر الاقتصادي في الدول الثلاث نجد أن أول هذه الآثار هو زيادة التبادل التجاري، هذا التحالف سيفتح أسواقاً واسعة أمام منتجات كل طرف، ويقلل الاعتماد على الدولار في التسويات التجارية. ثم يأتي من بعده تعزيز أمن الطاقة، فروسيا كمصدر رئيسي للنفط والغاز، والصين والهند كأكبر مستهلكين، يشكلون معاً دائرة مغلقة تضمن استقرار الإمدادات والأسعار. ثم التكامل الصناعي والتكنولوجي، حيث إن الصين والهند قادرتان على دعم الابتكار التكنولوجي، بينما تملك روسيا الموارد الطبيعية والخبرة في الصناعات الثقيلة. وأخيراً يأتي أثر وهدف تقليل الهيمنة الغربية إذ إن اعتماد العملات المحلية في التجارة البينية سيضعف نفوذ الدولار تدريجياً.
أما الآثار الاقتصادية المترتبة على الولايات المتحدة فيأتي أولاً تراجع النفوذ الاقتصادي، إذا نجح التحالف في بناء آلية تبادل تجاري بعيداً عن الدولار، فإن ذلك سيؤثر في مكانة العملة الأمريكية كأداة مهيمنة عالمياً. وكذلك منافسة كبيرة في أسواق الطاقة فالولايات المتحدة، باعتبارها مصدراً متزايداً للنفط والغاز، قد تواجه منافسة أكبر في الأسواق الآسيوية. وأخيراً يأتي تحدي استراتيجي وهو صعود محور اقتصادي جديد بقيادة بكين وموسكو ونيودلهي قد يضعف من قدرة واشنطن على فرض عقوبات فعالة، أو التحكم في قواعد التجارة الدولية.
إن التحالف الأخير بين الصين وروسيا والهند يمثل محاولة لإعادة رسم الخريطة الاقتصادية العالمية. ويعكس مسعى واضحاً لإعادة تشكيل التوازن الاقتصادي العالمي، ورغم التحديات التي قد تواجه هذا التعاون نتيجة اختلاف المصالح وأولويات كل طرف، إلا أنه يُنظر إليه كخطوة مهمة نحو عالم متعدد الأقطاب اقتصادياً. بالنسبة للولايات المتحدة، يشكل هذا التطور تحدياً حقيقياً لمكانتها، ويدفعها إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها الاقتصادية والتحالفية لمواجهة هذا التحول.
*مستشار في الأسواق المالية والحوكمة والاستدامة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.