اقتصاد / صحيفة الخليج

بين تفاؤل مفرط وتشاؤم مُبرر

مايك دولان*

في عصر الذكاء الاصطناعي، باتت الحكمة التقليدية التي تقول، إن سوق الأسهم ليس مرآة للاقتصاد الحقيقي، أقل واقعية من أي زمن مضى، فقد أصبحت اتجاهات الاستثمار الضخمة قادرة على رسم ملامح الرخاء في حياة ملايين الأمريكيين.
اليوم، يتصدّر الذكاء الاصطناعي المشهد بوصفه «الموجة الكبرى» للاستثمار العالمي، وتقود عمالقة التقنية في الولايات المتحدة السباق، فيما يتدافع المستثمرون لركوب قطار مكتظ قد يكون على وشك الانطلاق بسرعة قصوى للوصول إلى أهداف لا متناهية، أو من يدري، الانحراف عن السكة!
تستحوذ اليوم شركات التكنولوجيا الأمريكية السبعة الكبرى، ما تُعرف بـ «العمالقة السبعة»، على 36% من القيمة السوقية لمؤشر «ستاندرد آند بورز 500»، وهي نسبة قياسية، تضاعفت خلال عامين، وقفزت أسهمها 60%، منذ أدنى مستويات هذا العام. والسؤال الذي يفرض نفسه على سوق الأسهم والاقتصاد ككل، هل نحن أمام فقاعة مالية، قد تنفجر في أي لحظة؟
العام الماضي، شكّلت استثمارات الذكاء الاصطناعي نحو 1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي . لكن أثرها كان هائلاً، إذ تشير تقديرات إلى أن ثلث النمو الاقتصادي جاء هذا التهافت الرقمي.
وأوضحت الأرقام المعدّلة مؤخراً أن إنفاق الشركات على حقوق الملكية الفكرية قفز 15%، فيما ارتفع الاستثمار في المعدات بنسبة 8.5%، مدفوعاً ببناء مراكز بيانات وبنى تحتية تضاعف حجمها أربع مرات منذ 2020، لتنعكس هذه الطفرة أيضاً على قطاع البناء والنشاط الصناعي الأوسع.
وبخصوص الاستهلاك، المكوّن الأكبر للناتج المحلي الأمريكي، فقد تعزز بدوره بفضل «أثر الثروة» الناجم عن المكاسب الاستثنائية في أسواق الأسهم، والتي ضاعفت الحماس حول عمالقة التقنية، على حساب بقية الأعمال التجارية.
باختصار، إذا لم ينجح الذكاء الاصطناعي، فإن الاقتصاد كله مهدد بالانهيار، وسباق التسلح التكنولوجي لن يتوقف قريباً، فمارك زوكربيرغ، رئيس «ميتا»، صرّح الشهر الماضي بأنه يفضّل أن يخسر بضع مئات من المليارات في الاستثمار بالذكاء الاصطناعي، على أن يتخلف عن الركب. والمقارنة هنا تعيد للأذهان تصريح الرئيس السابق لمجموعة «سيتي غروب» تشاك برينس عام 2007، حين قال قبيل الانهيار المالي العالمي: «علينا الاستمرار في الرقص ما دامت الموسيقى تعزف».
في المقابل، ورغم تشكيك بعض الدراسات في مدى تأثير الاستخدام النهائي للذكاء الاصطناعي التوليدي على عوائد الأعمال حتى الآن، لا يمكن أن ننفي قدرة التكنولوجيا على إعادة هيكلة الوظائف والإنتاجية مستقبلاً، كما أن توسيع نطاق قدرات الحوسبة والسحابة سيضع الكثير من الشركات الكبرى أمام تغييرات أوسع نطاقاً وأكثر عمقاً، لا سيما في مجال الحوسبة الكمومية.
ولنا في التاريخ عبرة، فقد انهارت فقاعة «الدوت كوم» عام 2000، دون أن ينهار معها الاقتصاد الأمريكي كلياً، بل إن بعض الناجين أصبحوا عمالقة اليوم مثل «أمازون» و«غوغل»، حينها ساعدت عمليات خفض الفائدة وانتعاش سوق الإسكان على تجنّب الأسوأ.
ومن المُحتمل أن نشهد تكراراً لهذه الأزمة هذه المرة، في حال حدوث سقطة مفاجئة لسوق الذكاء الاصطناعي. لكن الوضع اليوم أكثر تعقيداً، فالبعض يرى أن انهيار استثمارات التكنولوجيا لن يقتصر تأثيره في البورصة، بل سيمتد مباشرة إلى الاقتصاد الحقيقي، عبر سلاسل الإنتاج والتوظيف والإنفاق الاستهلاكي.
لا شك أن الذكاء الاصطناعي يمثل فرصة تاريخية، لكن إذا تحوّل إلى فقاعة، فإن ارتدادات انفجارها ستصيب الاقتصاد الأمريكي برمته. وبين التفاؤل المفرط والتشاؤم المبرّر، نجد أنفسنا واقفين بلا حول ولا قوة أمام مفترق طرق، سيقودنا إما إلى عصر ذهبي جديد، أو إلى حافة البركان.
* محرر الأسواق المالية في «رويترز» (رويترز)

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا