اقتصاد / صحيفة الخليج

قصة انتهاء النفط

د. محمد الصياد*

في عام 2005 نشر ماثيو سيمونس (Mathew Simmons)، الخبير النفطي والتنفيذي السابق في عدد من مؤسسات الصناعة النفطية، كتابه «شفق في الصحراء» (Twilight in the Desert)، جادل فيه بأن الاحتياطيات النفطية في المملكة العربية تشارف على النضوب وأن حقل الغوار الذي يعتبر أكبر حقل نفطي في العالم بإنتاج يبلغ نحو 5 ملايين برميل يومياً، قد تآكل مخزونه بصورة كبيرة. وهو رأي أصر ماثيو سيمونس على تسويقه عبر محاضراته حتى من قبل نشره للكتاب المذكور.
كما أجرى خمسة علماء من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، بتعهيد من نادي روما، دراسة تحت عنوان «حدود النمو» (Limits of Growth)، ونُشرت نتائجها في سنة 1972.
وقد استخدم فريق الدراسة نموذجاً حاسوبياً عالمياً لدراسة كيفية تفاعل النمو السكاني والاقتصادي العالمي المستمر مع محدودية الموارد، متنبئاً بكارثة بيئية محتملة وتجاوز قدرة الأرض الاستيعابية في حال استمرار هذه الاتجاهات دون رادع، وبأن العالم يتجه نحو انهيار اقتصادي لنضوب الثروات الطبيعية مثل النفط والغاز والنحاس التي تشكل عصب الأنشطة الإنتاجية العالمية. وقد تنبأ التقرير حينها بنضوب النفط في عام 2022 على أبعد نطاق زمني، والذهب في عام 2001.
وعلى مدى العقود الخمسة الأخيرة، بقي «خطر» وصول النفط إلى ذروته “Peak Oil”، أي بلوغ الإنتاج النفطي العالمي حده الأقصى، حيث يبدأ حينها الانحدار التدريجي للاحتياطيات واستنزافها - حاضراً على الدوام في الإعلام المتخصص وغير المتخصص، وملازماً لمختلف أنساق القلق العالمية. ومع ذلك فقد مرت العقود الخمسة ونيف من دون أن تتحقق أي من «نبوءات» النضوب. بدلاً من ذلك تعززت الاحتياطيات العالمية من النفط بفضل الاكتشافات الجديدة، وتطور تقنيات الحفر والتنقيب التي أعادت أمريكا إلى المرتبة الأولى في إنتاج النفط على مستوى العالم.
وكالة الدولية (IEA) التي أُنشئت في عام 1974 كتكتل (لوبي) للدول المستهلكة للنفط، رداً على الحظر النفطي الذي نفذته الدول المصدرة للبترول «أوبك» ضد الدول الغربية التي دعمت إسرائيل في حرب أكتوبر 1973 – هي الأخرى لها موقفها غير الودّي من «أوبك» ولاحقاً «أوبك بلس»، وتوجهاتها المماثلة لبيوتات الخبرة الغربية التي تتحدث عن قرب نهاية النفط. فمعظم دورياتها ونشراتها وإصداراتها تدور حول مصطلحات «صافي صفر انبعاثات» (Net Zero Emissions – NZE)، و«سيناريوهات السياسات المعلنة» (Stated Policies Scenario - STEPS)، و«سيناريو التعهدات المعلنة» (Announced Pledges Scenario - APS)، والتي تشير جميعها إلى موت الوقود الأحفوري. وهو أمر تتعمد وسائط الميديا الأمريكية السائدة الإضاءة عليه لتثبيط معنويات النفط ومستثمريه والمشتغلين في قطاعاته الإنتاجية. وهو جزء من حملة علاقات عامة لدفع هذه الأجندة.
وتستخدم وكالة الطاقة الدولية هذه السيناريوهات التي أنشأتها بنفسها، «للتنبؤ» حول كيفية تطور سوق الطاقة العالمي بناءً على السياسات القائمة والمخطط لها، وليس على الأهداف الطموحة، والتنبؤ بالمستقبل المحتمل لقطاع الطاقة وتقييم فعالية السياسات الحالية في تحقيق أهداف المناخ. ولأكثر من 15 عاماً، ظلت وكالة الطاقة الدولية تواظب على التقليل من الطلب على النفط. ولو أن معدي تقاريرها بهذا الخصوص يتاجرون بتوقعاتهم الخاصة في بورصات السلع المستقبلية، لكانوا خسروا مدخراتهم منذ فترة طويلة.
موضوع تحول الطاقة؟ هو أيضاً «طفرة فكرية طاقوية» روجت لها الوكالة، وقصدها ينصرف بطبيعة الحال، إلى التحول بعيداً عن النفط لصالح مصادر الطاقة المتجددة. هي لا تقول بأن العالم بحاجة لجميع مصادر الطاقة في الفترة الانتقالية من الوقود الأحفوري إلى أنواع الوقود الجديدة الأقل نفثاً للانبعاثات، وإنما تنحو نحو «تكفير» النفط والدعوة للتخلص منه. ثم إن الدول المنتجة والمصدرة للنفط هي التي باتت تتقدم صفوف الدول المطلقة للمبادرات والمشاريع الضخمة في مجال الطاقات المتجددة، وأصبحت دولة مثل تصدر أفكارها ومشاريعها الطاقوية المتجددة ليس فقط إلى بلدان الجوار الإقليمي، وإنما إلى بقية دول العالم. مقاربة تحول الطاقة لا تكمن في التحول كليةً بعيداً عن مصدر طاقة واحد، وإنما الاستمرار في إضافة مصادر جديدة وأكثر كفاءة. المخزونات الاستراتيجية للنفط في سباق مع الوقت ومع أسعار السوق، ومع ذلك، لا الوقت ولا الاتجاه النزولي يمكن أن يسعف الدول المفرطة في استهلاكها للنفط (متوسط استهلاك 7 مليارات إنسان خارج العالم الغربي، 2 برميل مقابل 21 برميلاً في الولايات المتحدة)، على تفادي انخفاض هذه المخزونات (مع ملاحظة تراجع إنتاج حقلي باكن “Bakken”، وإيجل فورد “Eagle Ford” النفطيين الأمريكيين، وبدء العد التنازلي لإنتاج حقل برميان “Permian” نتيجة لتراجع وتيرة إنتاج آبار هذه الحقول رغم التحسينات التكنولوجية المستخدمة). في ذات الوقت الذي لا يتوقف الطلب على الطاقة في بقية بلدان العالم عن النمو، بما يقع على خلاف مع حديث وكالة الطاقة الدولية عن ذروة النفط والمآل الانخفاضي للطلب عليه.
* خبير بحريني في العلاقات الاقتصادية الدولية

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا