اقتصاد / صحيفة الخليج

إغلاق حكومي.. أسواق لا تكترث

هيئة تحرير مؤسسة «فيشر» *

ها نحن مجدداً أمام شهر جديد وإغلاق حكومي متجدد في واشنطن. لا حاجة للخوض في تفاصيل الخلافات الحزبية التي تملأ وسائل الإعلام، ولا في التنبؤ بموعد انتهاء الأزمة أو كيفية حلّها، فقد تكون انتهت فعلاً وأنت تقرأ هذه السطور. لكن ما نود تذكيرك به ببساطة هو أنه لم يسبق في التاريخ أن تسبّب أي إغلاق حكومي في ركود اقتصادي أو سوق هابطة.
تحظى الإغلاقات الحكومية دوماً بتغطية إعلامية واسعة، لكنها تترك أثراً اقتصادياً ضئيلاً في الواقع. فجوهرها لا يتعدى تعليق عمل الموظفين الفيدراليين غير الأساسيين وإغلاق بعض المرافق والخدمات العامة، كالمنتزهات الوطنية والمعالم الأثرية والمتاحف. فضلاً عن توقف بعض الوكالات الفيدرالية أو تقليص طواقمها العاملة، وهذا ما ينعكس على المقاهي والمتاجر الصغيرة التي تعتمد على حركة الموظفين، وقد تتأثر المخيمات والمطاعم القريبة من تلك المواقع السياحية التي تديرها الحكومة.
ولعل الأمر الأكثر أهمية من منظور السوق والتمويل الشخصي هو تعطّل صدور البيانات الاقتصادية التي تُنتجها الحكومة، لأن موظفي الإحصاء الرسميين يكونون في إجازة قسرية، باستثناء مدير مكتب إحصاءات العمل بالإنابة وليام ويتروفسكي، الذي يبقى على رأس عمله. أمّا مستحقات الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية «ميديكير» فتُصرف كالمعتاد، وإن كان من الصعب الوصول إلى موظف يجيب على استفساراتك.
لكن كل ذلك مؤقت بطبيعة الحال. فالقانون الذي أنهى إغلاق عام 2019 نصّ على صرف كامل الرواتب بأثر رجعي لجميع الموظفين المتضررين، كما تُسدّد مستحقات المتعاقدين والمورّدين بعد إعادة فتح الحكومة. وبخصوص البيانات الاقتصادية المؤجلة فتُصدر لاحقاً، في حين تُغطي البدائل التي ينتجها القطاع الخاص جميع نفقاتنا في هذه الأثناء.
لا يعني ذلك أنّ الإغلاق بلا أي تأثير اقتصادي، لكن يمكن القول إنه طفيف جداً. وتشير التقديرات الأكثر تداولاً إلى تراجع لا يتجاوز 0.1% من الناتج المحلي الإجمالي أسبوعياً، يعوَّض معظمه فور عودة الأنشطة الحكومية إلى طبيعتها. صحيح أن بعض الخسائر، مثل إيرادات المقاهي والمحال الصغيرة، لا يمكن استعادتها، إلا أنّها ضئيلة في المحصلة. وأفاد مكتب الميزانية في الكونغرس، بأن أطول إغلاق في التاريخ ، الذي استمر خمسة أسابيع بين ديسمبر 2018 ويناير 2019، اقتطع 0.02% فقط من الناتج المحلي، وهو رقم هزيل بمقاييس الاقتصاد الكلي.
وهنا يجدر التذكير بأن الإنفاق الحكومي الفيدرالي لم يُشكل سوى 6.5% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2024، فيما يأتي القسم الأعظم من النشاط الاقتصادي من الشركات والأفراد، أي من القطاع الخاص. لذا فإن الضجيج السياسي حول الإغلاق أكبر بكثير من أثره الاقتصادي الفعلي.
وبالنسبة للأسهم، لندع الأرقام تتحدث. تُظهر الإحصاءات التاريخية أن الأسواق المالية عادة ما ترتفع خلال فترات الإغلاق وبعدها. صحيح أن بعض التقلّبات قد تسبق الأزمة، لكنها نادراً ما تترك أثراً سلبياً مستداماً. لقد تعلمت الأسواق منذ زمن كيف تتعامل مع هذا النوع من «الدراما السياسية».
ويبدو أن الوضع هذه المرة لا يختلف. المؤشرات الاقتصادية العامة تبدو سليمة، والأسهم الأمريكية ارتفعت فعلاً بنسبة 0.3% في أول أيام الإغلاق. ورغم القلق الذي يُثار أحياناً بشأن نقص البيانات التي يعتمد عليها الاحتياطي الفيدرالي في اجتماعاته، إلا أن ذلك مبالغ فيه. فالبنك المركزي يمتلك كماً كبيراً من التقارير الصادرة عن القطاع الخاص لتحليلها، فضلاً عن ملاحظاته المباشرة من رجال الأعمال والتجار وممثلي القطاعات في مختلف المناطق. نحن نقرأ بشغف محاضر اجتماعات الفيدرالي، وكل هذه الشائعات تشغل وقتاً أطول بكثير من متوسط تقارير البيانات الحكومية. لأن السياسة النقدية تُبنى على ما سيحدث، لا على ما حدث بالفعل.
ومن اللافت أيضاً أن المزاج العام تجاه الإغلاق الحالي أقل توتراً مما كان عليه في السابق، استناداً إلى رصد التغطيات الإعلامية الأخيرة. لكن إن طال أمده، فقد تتزايد المخاوف. ومع ذلك، ستواصل الأسواق عملها الطبيعي في تسعير التوقعات للأشهر والسنوات المقبلة، ولن تتوقف عند ما يحدث مؤقتاً في واشنطن.
في نهاية المطاف، تبقى الإغلاقات الحكومية جزءاً من المشهد السياسي الأمريكي أكثر منها أزمة اقتصادية حقيقية. ضجيجها كبير، لكن أثرها محدود. والأسواق، كما يبدو، تعرف ذلك جيداً.
*مؤسسة «فيشر» الأمريكية للاستثمارات

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا