اقتصاد / صحيفة الخليج

حوار شانغريلا بين أمريكا والصين

د. عبدالعظيم حنفي*

كل عالم ببواطن الأمور يعرف أن مفتاح القوة في واشنطن هو ان تكون حاضرا الاجتماع، انها قاعدة سياسية أمريكية عتيقة، اذا لم تكن في الاجتماع، فلن يحمى أحد مصالحك أو أجندتك. وهكذا يتم التعامل في واشنطن مع الاجتماعات التي تعقد في اسيا باعتبار ان القرن 21 تتم صياغته في آسيا. وتمثل الهند والصين 40% من سكان العالم الذين هم في سنّ العمل وهناك ثلاثة من بين الاقتصادات العالمية الأربع الكبرى توجد في آسيا وهي والهند. ومن ثم فإن منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ترتبط بازدهار وأمن الشعب المرتبط بازدهار وأمن المنطقة. من هنا حرصت الولايات المتحدة على التواجد الكثيف في قمة الأمن الآسيوي والتي تعرف أيضا باسم حوار شانغريلا في سنغافورة. وقد ظلت قمة الأمن الآسيوي تعقد سنويا منذ عام 2002، برعاية المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية. في فندق شانغريلا في سنغافورة، ما يفسر تسمية المنتدى.(ويشارك في هذا المنتدى مسؤولون من آسيا، وأمريكا الشمالية، وأستراليا، وأوروبا).
يعتبر حوار شانغريلا، الذي يُعرَف على نطاق واسع بأنه قمة الدفاع الأبرز في آسيا، اجتماعاً فريداً من نوعه، حيث يناقش الوزراء التحديات الأمنية الأكثر إلحاحاً في المنطقة، وينخرطون في محادثات ثنائية مهمة، ويتوصلون معاً إلى مناهج جديدة.
وقد حضر المنتدى بيت هيجسيث الدفاع الأمريكي ومعه، قائدان عسكريان كبيران من هيئة الأركان المشتركة، ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ. وألقى وزير الدفاع الأمريكي كلمة طغى عليها محاولة طمأنة الحلفاء في المنطقة الذين ينتابهم القلق من التراجع الأمريكي في المنطقة مع الصعود الصيني المبهر، فقبل عشر سنوات، لم يعتقد الكثيرون أن الصين يمكن أن تتطور من منتج لسلع عامة منخفضة الكلفة إلى رائدة عالمية في مجال التصنيع المتقدم. ولكن في غضون عقد واحد فقط منذ إطلاق مبادرة «صنع في الصين 2025»، تحدت الصين التوقعات - وأعادت رسم خريطة القوة الصناعية العالمية. حيث تحتل الصين اليوم الصدارة في سبعة قطاعات على الأقل وهذه ليست مكاسب هامشية، بل تمثل جوهر القدرة التنافسية الصناعية المستقبلية.
ومنذ عام 2010، نمت ميزانية البحث والتطوير في الصين بمعدل سنوي متوسط قدره 12.7%، لتصل إلى(471 مليار دولار) في عام 2024 - وما يقرب من نصف باحثي الذكاء الاصطناعي في العالم هم الآن مواطنون صينيون. لم تكتفِ الصين بما حققته، بل تتقدم بالفعل نحو هدفها التالي: الريادة العالمية في مجال الذكاء الاصطناعي والتقنيات الرائدة بحلول عام 2035.
ولذا حاول بيت هيجسيث طمأنة دول المنطقة بان بلاده دولة باسيفيكية. وأنها كانت دائماً موجودة في الإقليم وما يشغل الإقليم يشغلها ولها مواقف قديمة وسياسات تجاه قضاياه ومشكلاته ونزاعاته..
ولما كانت الصين تُمثِّل قوة التغيير الأساسية في النظام الدولي الراهن على مستوياته الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية كافة. وتعتبرها الولايات المتحدة التحدي الرئيسي لمكانتها الدولية. حذر وزير الدفاع الأميركي بيت هيجسيث، من الصين قائلاً إنها «تمثل خطراً حقيقياً ووشيكاً»، وحثّ حلفاء الولايات المتحدة في منطقة المحيطين الهندي والهادي على زيادة إنفاقهم على احتياجاتهم الدفاعية. وقال وزير الدفاع الأمريكي في واحدة من أقوى تصريحاته بشأن الصين منذ توليه منصبه في يناير: «لن نجمل الأمر.. الخطر الذي تُشكله الصين حقيقي، وقد يكون وشيكاً».، مردداً تصريح الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأن بكين لن تغزو تايبيه في عهده.
ولم يترد الوزير الأمريكي في الاعتراف بأن العديد من الدول تميل إلى فكرة السعي إلى التعاون الاقتصادي مع الصين والتعاون الدفاعي مع الولايات المتحدة. فهذه ضرورة جغرافية للكثيرين.«لكنه حذر من النفوذ الذي يسعى الحزب الشيوعي الصيني إلى تحقيقه من خلال هذا التشابك». فالاعتماد الاقتصادي على الصين لا يؤدي إلا إلى تعميق نفوذها الخبيث وتعقيد مساحة اتخاذ القرارات الدفاعية لدينا في أوقات التوتر.
وأعلن وزير الدفاع الأمريكي تأييد شراكة المرونة الصناعية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، المعروفة أيضاً باسم PIPIR - وهي منتدى متعدد الأطراف أطلقته الولايات المتحدة ويضم 14 حليفاً وشريكاً يعملون مع الصناعة ومقدمي رأس المال والجهات المعنية غير الحكومية الرئيسية، لتعزيز المرونة الصناعية، وتوسيع القدرات، وتسريع عمليات التسليم. وأعلن عن أولى مشاريع PIPIR. الذي يهدف إلى تعزيز قدرات إصلاح أنظمة رادار P-8 في أستراليا. كما سيُمكّن هذا المشروع حلفاء وشركاء منطقة المحيطين الهندي والهادئ الذين يُشغّلون هذه الطائرات، بما في ذلك وجمهورية كوريا، من إصلاح الطائرات داخل المنطقة بدلاً من الاعتماد على مصادر إصلاح وحيدة في الولايات المتحدة القارية.
أما المشروع الثاني، فهو مشروع يهدف إلى وضع معايير لأنظمة الطائرات الصغيرة بدون طيار في جميع أنحاء منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتحديد مصادر إنتاج آمنة لمكوناتها الأساسية، وتعزيز مرونة سلسلة التوريد العالمية لهذه الأنظمة الأساسية.
وكانت إدارة ترامب في فترتها الأولي قد انسحبت من اتفاقية الشراكة العابرة للمحيط الهادئ لتحرير التجارة وكانت تعد حجر الزاوية في«التحول نحو المحيطين الهندي والهادي» ثم أعلنت تلك الإدارة استراتيجيتها بشأن منطقة المحيط الهادئ الهندي وأنها ترتكز على ثلاث ركائز أساسية أساسها الازدهار والأمن. وتبدأ بالازدهار، لاسيما أن ثلثي التجارة العالمية بأسرها تعبر البحار والسموات والطرق والسكك الحديدية في هذه المنطقة. وتقدر تجارة الولايات المتحدة في المنطقة بما يربو على 1.8 تريليون دولار سنوياً، أي ما يدعم أكثر من 3.3 مليون وظيفة أمريكية، ويقدر إجمالي استثماراتنا في المنطقة بما يناهز تريليون دولار، أي ما يزيد على استثمارات الصين واليابان وكوريا الجنوبية مجتمعة. وأن فرص النمو لا حدود لها، فبحلول عام 2020، ستصبح منطقة المحيط الهادئ الهندي موطناً لنحو 40 في المئة من الطبقة المتوسطة في العالم، وهو ما يفتح آفاقاً غير محدودة أمام العمال والمزارعين الأمريكيين وأصحاب الأعمال أمام تصدير منتجاتهم إلى هذه الأسواق الكبيرة والنامية. ووفق عدد من الآراء بشأن رؤية ترامب لمنطقة المحيطين في ولايته الأولي، تحولت الولايات المتحدة في آسيا إلى كيان من القوة المشتتة، فأصبحت لامبالية.
وفي إدارة ترامب الثانية، لم يقدم الوزير الأمريكي أي حلول أو محاولة لتخفيف المخاوف بشأن التأثير السلبي لسياسة التجارة الأمريكية على الاقتصاد العالمي، خاصة بين الولايات المتحدة والصين، الأمر الذي يلقي بظلال قاتمة على الاقتصاد العالمي.. وهي حرب اقتصادية عالمية شاملة لن يكون فيها رابح، وستشمل الخسارة الجميع بشكل مباشر وغير مباشر. ربما سيعني ذلك توجه الجميع في كل أنحاء العالم للتنسيق والتوسط من أجل وضع نهاية لتلك الحرب التي ستشمل خسائرها.
وبالنسبة إلى دول المحيطَين الهندي والهادئ، يبدو الانحياز إلى طرف دون سواه يجازف بزعزعة استقرار المنطقة وإضعاف نموها الاقتصادي. وترغب معظم دول المحيط الهادئ، في متابعة تبادلاتها التجارية مع الصين التي تبقى من أهم شركائها الاقتصاديين، لكنها تريد أن تستفيد من الحماية الأمنية والتوازن الإقليمي الذي تضمنه الولايات المتحدة. تسمح لها هذه الاستراتيجية بالحفاظ على حيادها والامتناع عن تهميش أي قوة مؤثرة. بعبارة أخرى، يبقى التعايش الهادئ واستمرار الوضع الراهن أفضل رهان لها.
وترى بعض هذه الدول، أنه «لا يمكن للتوازن السياسي الجغرافي حالياً، أن يكون لعبة يربح فيها طرف على حساب الطرف الآخر. فالصين المزدهرة تشكل أمراً مفيداً لأميركا، كما تشكل أمريكا المزدهرة أمراً مفيداً للصين، ولطالما ظلت الدولتان تزدهران بطريقة تسهم في الصالح الإقليمي والعالمي»، وأن «آسيا المسالمة والمزدهرة» تتطلب «علاقات أمريكية – صينية فاعلة».
* أكاديمي مصري

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا