د.عبدالعظيم حنفي *
توطدت العلاقات الثنائية بين الصين وروسيا، وقد تجسد ذلك في حرص الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حضور قمة رؤساء وحكومات مجموعة دول شنغهاي للتعاون في مدينة تيانجين الساحلية في شمال الصين خلال الفترة من 31 أغسطس-1 سبتمبر 2025، وسير بوتين بجوار الرئيس الصيني شي جين بينغ في الاحتفال بإحياء ذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية في 3 سبتمبر. وقبل ذلك حرص الرئيس الصيني على زيارة موسكو (في الفترة من 7 إلى 10 مايو 2025)، لحضور الاحتفال الروسي بمناسبة يوم النصر، وفي العرض العسكري الروسي سار جنود وضباط جيش التحرير الشعبي الصيني جنباً إلى جنب مع الوحدات العسكرية من روسيا ودول أخرى في موكب احتفالي في الساحة الحمراء.
ولاحظت مراكز الدراسات الغربية، حرص الزعيمين على انتهاز كل فرصة للقاء والتباحث لدفع العلاقات بين بلديهما. ومنذ عام 2013، زار شي روسيا 11 مرة، والتقى بنظيره الروسي فلاديمير بوتين في أكثر من 40 مناسبة، بمعدل ثلاث إلى أربع لقاءات سنوياً.
في هذا السياق استنتجت تحليلات مراكز الدراسات الأمريكية والغربية أنه من غير المرجح أن تنجح استراتيجية «عكس نيكسون» التي ينتهجها الغرب - أي بناء علاقات مع روسيا لفصلها عن الصين - نظراً لأهمية العلاقات الاقتصادية لكلا البلدين. على الرغم من حرص تلك المراكز على إضفاء بعض الشكوك والتردد في مجمل تلك العلاقة بين البلدين مثل ملاحظتهم، أنه عند قيام الصين بنشر ورقة بيضاء حول الأمن القومي لم تستخدم عبارة «تحالف»، بل ذكرت أن العلاقة لها «قيمة استراتيجية فريدة»: «تتمتع العلاقات الصينية الروسية بقوة دافعة داخلية قوية وقيمة استراتيجية فريدة. فهي غير صدامية وغير موجهة ضد أي طرف ثالث، ولا تتأثر بأي طرف ثالث، ولا تخضع لتدخل أو إكراه من أطراف خارجية». واقع الأمر ومن خبرة المتابعة لتلك العلاقات، فإن الشراكة الصينية الروسية تستند على حسابات استراتيجية صارمة، تتشكل من خلال مصالح متقاربة في الأمن والجيوسياسية والتعاون الاقتصادي. وتكتسب تلك العلاقة أهمية محورية لكلا الجانبين. ومع ذلك، فهي ليست تحالفاً، بل شراكة استراتيجية مرنة. هذه المرونة تمنحها مرونة كامنة. وقد تحوّلت الحدود الروسية الصينية، الممتدة على طول 4200 كيلومتر، والتي كانت مصدر صراع كبير «في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، إلى عامل استقرار في العلاقات الثنائية».
ووفقاً لبعض الدراسات، لقد شهد إجمالي التجارة بين روسيا والصين نمواً ملحوظاً منذ عام 2002. وارتفع حجم التبادل التجاري من نحو 12 مليار دولار أمريكي في عام 2002 إلى 130.1 مليار دولار أمريكي في عام 2021. وعلى وجه الخصوص، ارتفعت صادرات الصين إلى روسيا من 3.5 مليار دولار أمريكي في عام 2002 إلى ما يقرب من 59.5 مليار دولار أمريكي في عام 2021. وقد ارتفعت التجارة بصورة مضطردة بين روسيا والصين بعد عام 2022، حتى وصلت عام 2023، إلى 240 مليار دولار (221 مليار يورو) وهو ارتفاع هائل من 147 مليار دولار في عام 2021.. ثم بلغت مستوى قياسياً جديداً بلغ 244.8 مليار دولار أمريكي في عام 2024، وقد مثل هذا شريان حياة اقتصادي مكّن روسيا من الصمود في وجه العقوبات الغربية. وقد تعهد البلدان بتحقيق تقدم كبير في التجارة والاستثمار الثنائيين بحلول عام 2030.
ترى بكين أنه من الأفضل تمتين علاقتها مع شريك يمكن التعويل عليه في وقت تتصاعد فيه خلافاتها الحدودية مع جيرانها، لاسيما فيما يتعلق بروسيا الشريك الذي يضمن لها إمدادات الطاقة ولا يخل بالتزاماته، فالأمر يتعلق بالأمن القومي، ذلك أن الطرق البحرية التي يمر عبرها النفط والغاز الطبيعي غير آمنة وتظل هشة، ومن الأفضل الاعتماد على الطرق البرية التي تنقل الغاز مباشرة عبر الأنابيب، حيث لروسيا وفرة من النفط والموارد الطبيعية الأخرى في حين أن الصين هي المستورد لهذه المنتجات، من هنا يأتي قطاع الطاقة في صدارة التعاون بين الجانبين، وتجسد ذلك في خط أنابيب قوة سيبيريا 1. أما مشروع خط أنابيب الغاز «قوة سيبيريا 2» المقرر أنه سينقل الغاز من حقول غرب سيبيريا إلى الصين عبر أراضي منغوليا المرتفعة. ومن المتوقع أن يبدأ تشغيله، عام 2030. وتتحدث تقارير غربية عن أن المسار النهائي لمشروع «قوة سيبيريا-2» لا يزال قيد النقاش بين الجانبين، إذ تفضل الصين اختيار مسارين بديلين، أحدهما يدخل الصين من الشرق الأقصى الروسي، والآخر غربي متصل بمنطقة شينجيانغ شمال غربي الصين.
ومن ثم هناك بالفعل تداخل في المصالح بين موسكو وبكين يضمن وجود تحالف رسمي بينهما. ويفشل استراتيجية «نيكسون العكسية» التي ينتهجها الغرب إزاء الصين- روسيا، لقد نجحت جهود نيكسون في إبعاد الصين عن الاتحاد السوفييتي في سبعينات القرن الماضي، لأن الانقسام الصيني السوفييتي، بسبب النزاعات الحدودية والتوترات المتعلقة بقيادة العالم الشيوعي، كان قائماً بالفعل. أما في عشرينات القرن الحادي والعشرين، تمر موسكو وبكين بأقرب فترة في تاريخهما الثنائي، وهو ما لن يرغب أي من الجانبين في التخلي عنه، بغض النظر عن الحوافز أو الإجراءات العقابية التي قد تُقدمها واشنطن لهما.
* كاتب مصري وأستاذ للعلوم السياسية والاقتصادية
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
