اقتصاد / صحيفة الخليج

رسالة من سوق السندات: الاقتصاد يفقد الزَّخم


المستثمرون يعيدون حساباتهم في ضوء مؤشرات ضعف النمو

البيانات الضعيفة والإغلاق تحول الأنظار نحو الملاذات الآمنة

مخاوف الركود تتفوّق على قلق الأسعار


في مشهدٍ ماليٍ تتقاطع فيه إشارات الحذر مع تطلعات التهدئة، تشهد سوق السندات الأمريكية تحوّلاً لافتاً يعكس نبض الاقتصاد العالمي.

بعد ثلاثة أشهر متتالية من التراجع، بات انخفاض عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات عنواناً لمخاوف جديدة تتجاوز التضخم نحو تباطؤ النمو، في إشارةٍ إلى أن المستثمرين باتوا يبحثون عن الأمان أكثر من العائد، وعن إجاباتٍ في سوقٍ تزداد ضبابية يوماً بعد يوم.

انخفضت العائدات على سندات الخزانة الأمريكية طويلة الأجل (وغيرها من السندات السيادية) «بنحو 30 نقطة أساس» وبحسب بيانات مؤشر سوق السندات الواسع: انخفض مؤشر بلومبرغ العالمي المجمع للسندات بنحو 0.3% في أكتوبر/تشرين الأول.


وعلى صعيد التضخم والسياسة النقدية، أقرت الأسواق بأن التضخم ظل «ثابتًا ولكن أقل مما كان يخشى»، وخففت التوقعات بخفض أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي بشكل أكبر.


وكانت سوق السندات تشير إلى ارتفاع أقساط الفائدة على المدى الطويل وارتفاع الحساسية للمخاطر المالية؛ مخاطر الإصدار لا مخاطر التضخم فقط.


وكانت فروق أسعار الفائدة على الائتمان للشركات في الولايات المتحدة ضيقة نسبياً وفقاً للمعايير التاريخية، وهو ما يشير إلى تعويضات ائتمانية محدودة في أسواق الدرجة الاستثمارية.

التداعيات والتفسير

ويشير الانخفاض في العائدات طويلة الأجل إلى أن المستثمرين أصبحوا أكثر حذراً بشأن التضخم والنمو، مفضلين أدوات الدخل الثابت (على الأقل بالنسبة لجزء من السوق) في أكتوبر/تشرين الأول.


بيد أن انخفاض العائدات لا يعني أن المخاطر قد زالت؛ إذ تظل الإصدارات، والضغوط المالية، وعدم اليقين السياسي تشكل تحذيرات كبيرة.


وعلى مدار الأشهر الثلاثة الماضية، انخفضت عوائد سندات الخزانة الأمريكية، ما يعكس تحولاً في توجهات المستثمرين من مخاوف التضخم إلى مخاوف النمو وعدم اليقين السياسي. ويشير انخفاض العوائد إلى احتمالات تضخم إيجابية (نسبياً) وتزايد المخاوف من تفاقم ضعف الاقتصاد الأمريكي.


من ناحية أخرى بلغ العائد على سندات الخزانة لأجل ثلاثة أشهر ذات الاستحقاق الثابت نحو 3.95% في أواخر أكتوبر/تشرين الأول.


وعلى المدى الأطول، انخفض العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات إلى نحو 4.10% في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني. وتُعد هذه المستويات من بين أدنى مستويات العائد لعام 2025 حتى الآن على فئة سندات 10 سنوات.


إن منحنى العائد، كما يقاس على سبيل المثال بالفارق بين عائد السندات لأجل عشر سنوات وعائد السندات لأجل ثلاثة أشهر، يظل ضيقا للغاية (حوالي 22 نقطة أساس في نهاية أكتوبر/تشرين الأول)، وهي علامة على أن أسعار الفائدة طويلة الأجل أعلى قليلاً من أسعار الفائدة قصيرة الأجل.


في جوهر الأمر تقول سوق السندات إن أفق التضخم يبدو أقل تهديداً مما كان عليه في وقت سابق من العام، ولكن مخاطر النمو ترتفع أيضاً، وربما يميل مسار السياسة النقدية لمجلس الاحتياطي الفيدرالي نحو المزيد من الاعتدال.

لماذا تتراجع العائدات؟


هناك عدة عوامل مترابطة تُفسر انخفاض العائدات.

مؤشرات ضعف النمو:

كان الدافع الرئيسي هو الشعور المتزايد بفقدان الاقتصاد الأمريكي زخمه. على سبيل المثال، يبدو أن التوظيف قد تباطأ بشكل ملحوظ: فقد أشار استطلاع أجراه معهد أبحاث «إيه دي بي» إلى أن أصحاب العمل في القطاع الخاص قد خفضوا 32 ألف وظيفة في سبتمبر/أيلول، وتم تعديل أرقام أغسطس/آب إلى النقص بدلاً من الزيادة.


ومع تأخر صدور بيانات سوق العمل الرسمية بسبب إغلاق الحكومة الأمريكية، تعتمد الأسواق بشكل متزايد على المؤشرات الضعيفة. ووفقاً لتقرير حديث بدأ المستثمرون في ملء الفجوات من خلال سيناريوهاتهم القاتمة الخاصة بهم.


يُخفِّف هذا التوقع الضعيف للنمو مخاطر التضخم (أو على الأقل خطر تسارعه)، ويزيد من احتمالية قيام الاحتياطي الفيدرالي بخفض أسعار الفائدة. وتميل هذه الديناميكية إلى دفع العائدات نحو الانخفاض.

تراجع التضخم/ضغوط السلع:

شهدت أسواق السلع والطاقة تراجعاً، ما يُسهم في تعزيز توقعات التضخم. وأشار تقرير حديث لرويترز إلى أن النفط يقترب من أدنى مستوياته في خمسة أشهر (حيث بلغ سعر برنت حوالي 60 دولاراً للبرميل)، وهذا يُفسر سبب كون انخفاض العائدات مدفوعاً جزئياً بالتضخم.


وبما أن التضخم لم يعد يشكل خطراً كبيراً، أصبح المستثمرون أكثر استعداداً للاحتفاظ بسندات الخزانة الأميركية طويلة الأجل، وهو ما يؤدي إلى تقليص عائداتها.

توقعات تحول سياسة الاحتياطي الفيدرالي:

أشار الاحتياطي الفيدرالي إلى تزايد المخاطر السلبية على التوظيف، وأن نسبة المخاطرة إلى العائد من زيادات أسعار الفائدة لا تزال أقل وضوحاً.


ولفت تقرير صادر عن وزارة الخزانة الأمريكية إلى أنه تم تسليط الضوء في أكتوبر/تشرين الأول، على ضعف سوق العمل، وأن متوسط «النقطة» للاحتياطي الفيدرالي يُشير إلى قدرها 75 نقطة أساس في عام 2025.


في كثير من الأحيان تشتري الأسواق السندات الطويلة الأجل عندما يبدو البنك المركزي مستعداً لتخفيف السياسة النقدية، ما يؤدي إلى انخفاض العائدات.


في فترات عدم اليقين (مثل إغلاق الحكومة، وضعف البيانات، والمخاوف المالية)، يميل المستثمرون إلى البحث عن ملاذ آمن في ديون الحكومة الأمريكية.


ومع أن انخفاض العائدات في ظل هذا الوضع يعد أمراً شائعاً، إلا أن المفاجأة الآن هي أن الطلب يرتفع حتى في ظل الضغوط المالية.


ويبدو أن المستثمرين ينظرون إلى سندات الخزانة طويلة الأجل كوسيلة للتحوط من مخاطر الأسهم، ما يدفع العائدات إلى الانخفاض أكثر.

-اعتبارات مالية/عرضية:

على صعيد العرض، لا يزال الحساب النقدي لوزارة الخزانة الأمريكية كبيراً، ويتزايد إصدار السندات، ما قد يشير إلى مزيد من الضغط على العرض على المدى القريب.


مع ذلك، يبدو أن إصدار قسائم طويلة الأجل يتعرض لضغط أقل، ولا يزال الطلب قوياً. ووفقاً لتقرير وزارة الخزانة نفسه فإنه على الرغم من العجز الكبير المتوقع، لا يزال الطلب في المزادات قوياً.


وبالتالي، لم يتغلب جانب العرض على الطلب، وهو ما ساعد على إبقاء العائدات منخفضة.

-ماذا يعني انخفاض العائدات؟

إن انخفاض العائدات له عدد من الآثار - سواء على الأسواق أو على تحليلك لديناميكيات الاقتصاد الكلي العالمي:

*انخفاض تكاليف الاقتراض: يُخفِّض انخفاض العائدات طويلة الأجل تكلفة التمويل للحكومة الأمريكية والشركات والمستهلكين (عبر الرهن العقاري، إلخ). وهذا يُخفِّف من وطأة التحديات على قطاعات مثل الإسكان والبنية التحتية.

*تسود مخاوف النمو: عندما تنخفض العائدات بسبب توقع المستثمرين تباطؤ النمو لا انخفاض التضخم فحسب، تكون الإشارة أكثر دقة، إذ تشير إلى أن الاقتصاد قد يدخل مرحلة من الركود. ووصف محللو مورنينج ستار انخفاض عائد السندات لأجل عشر سنوات بأنه «مؤشر محتمل على ركود».

*تغيرات في آفاق السياسة النقدية: تشير أسواق السندات إلى أن «سعر الفائدة النهائي» قد يكون أقل، وأن التخفيضات قد تُجرى. قد يؤثر هذا على قرارات الاحتياطي الفيدرالي نفسه، أو على الأقل على تسعير السوق لتوقعاته.

*التأثيرات العالمية المتتالية:


تؤثر عوائد السندات الأمريكية على تدفقات رؤوس الأموال العالمية، وتقييمات العملات، وعلاوات المخاطر. قد يدفع انخفاض عوائد السندات الأمريكية المستثمرين إلى البحث عن عوائد في الخارج، ما يُغير ديناميكيات الأسواق الناشئة.

*خطر تسطيح/انعكاس منحنى العائد: يُعدّ الفارق الضيق بين العائدات على مدى عشر سنوات وثلاثة أشهر (حوالي ٢٢ نقطة أساس) إشارة تحذير؛ فقد سبق تسطيح أو انعكاس منحنى العائد تاريخياً فترات الركود. ورغم أنه ليس ضماناً، فإنه يُمثّل علامة تحذير.

ما لا يعنيه (بالضرورة):


انخفاض العائدات ليس ضماناً للركود، بل يُشير إلى توقعات السوق بضعف النمو أو انخفاض أسعار الفائدة.


إذا ارتفع التضخم بشكل غير متوقع أو تفاقمت المخاطر المالية، فقد تنعكس العوائد. ولا يعني التراجع الحالي زوال خطر التضخم نهائياً، بل يعني فقط تراجع حدته في أذهان المستثمرين.


عائدات السندات لا تكمل الصورة فاتساع فروق أسعار الفائدة في أسواق الائتمان، وظروف السيولة، والتدفقات العالمية، كلها عوامل مهمة لتكوين صورة كاملة.

المخاطر وما يجب مراقبته

في ظل الانخفاض الحالي في العائدات، هناك العديد من المخاطر والطوارئ التي تستحق المراقبة:

-عودة التضخم:


في حال تسارعت أسعار السلع الأساسية أو الأجور أو الإيجارات، فقد يعود التضخم ليفرض نفسه، ما يدفع العوائد إلى الارتفاع. ربما يُقيّم السوق هذا الخطر بأقل من قيمته الحقيقية.

-الصدمة المالية أو ارتفاع العرض: إن الإصدار غير المتوقع لكميات كبيرة من سندات الخزانة طويلة الأجل، أو الصدمة المفاجئة لثقة المستثمرين (على سبيل المثال، خفض التصنيف الائتماني) قد يؤدي إلى عكس اتجاه انخفاض العائد.

-مفاجأة السياسة:


إذا أشار بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى نيته في إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول (على عكس آمال السوق)، فقد ينعكس انخفاض العائد بسرعة.

-عوامل الخطر العالمية:


قد تؤدي التوترات الجيوسياسية، أو الضغوط في الأسواق الناشئة، أو انعكاس تدفقات الملاذ الآمن إلى تغيير الطلب على سندات الخزانة الأميركية وعوائدها.

-المشاكل الفنية ومشاكل السيولة:


لا يزال هيكل سوق سندات الخزانة معقدًا، ويمكن أن تؤدي نوبات التوتر أو مشاكل وساطة المتداولين إلى تضخيم التحركات.

ومن ثم فإنه في الأشهر الثلاثة الماضية، أرسلت سوق سندات الخزانة الأمريكية رسالة واضحة: انخفضت العائدات بسبب تنامي المخاوف بشأن النمو وتسعير تخفيف السياسات. ويشكل هذا التحول أهمية كبيرة بالنسبة للروابط المالية العالمية، وتكاليف الاقتراض، والسرد الكلي الأوسع.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا