اقتصاد / صحيفة الخليج

الكهربائية تحت المجهر

غافين ماغواير *

شهد قطاع السيارات الصيني خلال العقد الأخير طفرة هائلة قلبت موازين الصناعة العالمية، خاصة مع بروز شركات محلية مصنّعة للمركبات الكهربائية، دفعت بمبيعات تلك التقليدية إلى الخلف في السوق المحلي، قبل أن تُغرق الأسواق العالمية بصادرات قياسية وبأسعار منافسة.
لكن يبدو المدّ الصيني اليوم مُقبلاً على تغيير عكسي، مع بدء بكين خفض الدعم الحكومي الموجه للسيارات الكهربائية ضمن خطتها الخمسية الجديدة، الأمر الذي من شأنه كبح الإنتاج والصادرات، وربما قلب المشهد العالمي مجدداً.
ففي وثيقة التوجّه الصناعي للفترة 2026-2030، والتي تُعد المرجعية الاقتصادية العليا للصناعات الاستراتيجية في ، غاب قطاع السيارات الكهربائية عن قائمة الأولويات للمرة الأولى منذ أكثر من عشر سنوات.
ويرى محللون أن هذا الاستبعاد يحمل رسالة سياسية واقتصادية مفادها أن الحكومة الصينية باتت مستعدة لترك قوى السوق تُحدد مصير القطاع، بعد سنوات من الدعم السخي الذي أنتج تضخماً ضم أكثر من 150 شركة ذات صلة.
ووفق الرؤية الجديدة، تُعوّل بكين على أن يؤدي خفض الحوافز إلى إعادة هيكلة ضرورية تُعالج التشظي وتباطؤ الطلب الداخلي. لكن تبعات ذلك لن تقف عند حدود الصين. إذ شهدت العديد من الدول إغراقاً تجارياً لسيارات كهربائية صينية بأسعار منخفضة، كانت تُصدَّر بكميات هائلة بعد تشبّع السوق المحلي. ومع احتمال تراجع الإنتاج والصادرات مستقبلاً، سيظهر هامش أوسع لمنافسي الصين — من أوروبا إلى أمريكا واليابان وكوريا — لالتقاط الفرصة وتوسيع حصصهم.
وبحسب بيانات مركز أبحاث «إيمبر»، بلغت صادرات الصين من السيارات الكهربائية نحو 48 مليار دولار خلال الشهور التسعة الأولى من 2025، شملت أكثر من 200 دولة. وكانت بلجيكا الوجهة الأولى بأكثر من 5 مليارات دولار من الواردات، فيما جاءت البرازيل وأستراليا والإمارات ضمن قائمة العشرة الكبار، بمشتريات إجمالية تخطّت 6.5 مليار دولار، ما يعكس الامتداد الجغرافي الواسع لنفوذ المصدّرين الصينيين.
واستحوذت أوروبا على نصف إجمالي صادرات الصين منذ 2018، مع نحو 20 مليار دولار، في 2025 وحدها. وجاءت دول آسيا في المرتبة التالية مع 20% من الإجمالي لنفس الفترة الزمنية، وبنحو 12.5 مليار دولار هذا العام. وتعد أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط من أكبر الأسواق، إذ بلغت المبيعات 6 مليارات دولار و4.5 مليار على التوالي حتى الآن هذا العام.
حتى مع استيعاب الدول الأوروبية والآسيوية كميات قياسية من السيارات الكهربائية المصنعة في الصين، وسّع مصدرو السيارات الكهربائية مبيعاتهم إلى مناطق أخرى، بحيث أصبحت جميع أسواق السيارات الرئيسية عالمياً على دراية بعروض السيارات الكهربائية الصينية.
فعلى سبيل المثال، شهدت إفريقيا في عام 2025 أكبر توسع سنوي في واردات السيارات الكهربائية الصينية، مع تسجيل القارة زيادة بنسبة 184% في المشتريات خلال الفترة من يناير/كانون الثاني إلى سبتمبر/أيلول، لتبلغ حوالي مليار دولار، أي أكثر من ضعف كامل واردات 2024.
وحقق الشرق الأوسط ثاني أكبر قفزة في واردات السيارات الكهربائية الصينية حتى الآن في عام 2025، بزيادة قدرها 71% عن الأشهر نفسها من عام 2024، إلى نحو 4.5 مليار دولار.
وبصمت أوقيانوسيا، وخاصة أستراليا ونيوزيلندا، على ارتفاع 45% في المبيعات لنفس الفترة. أما أمريكا الشمالية فهي المنطقة الوحيدة التي شهدت انكماشاً بنسبة 42% بسبب الخلافات التجارية بين واشنطن وبكين.
وعلى الرغم من الحاجة إلى تقديم خصومات كبيرة على السيارات الكهربائية لتأمين المبيعات في بعض الأسواق، فإن القيمة الإجمالية لإيرادات التصدير التي حققتها الشركات الصينية من صادرات السيارات الكهربائية كبيرة. إذ أنفقت 14 دولة مختلفة مليار دولار أو أكثر على واردات السيارات الكهربائية الصينية حتى الآن في عام 2025، كما أنفقت 12 أخرى ما بين 500 مليون دولار و999 مليوناً.
بعد سنوات من الهيمنة المدعومة حكومياً، يبدو قطاع السيارات الكهربائية الصيني مقبلاً على اختبار قاسٍ، مع انتقال بكين إلى استراتيجية أكثر تشدداً وتنافسية داخلية.
فهل يشهد العالم انحساراً لهيمنة «المارد الكهربائي» الصيني؟ أم أن الصين — حتى بدون الدعم الحكومي — ستظل تمتلك القدرة الإنتاجية والزخم التجاري لتبقى في الصدارة؟ السنوات المقبلة وحدها ستكشف ما إذا كانت هذه خطوة تراجع أم إعادة تموضع قبل انطلاق جديدة.
* كاتب متخصص في أسواق السلع والطاقة الآسيوية (رويترز)

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا