اقتصاد / صحيفة الخليج

العمل الهجين مستمر.. يخضع لأكبر تحسين بتاريخ الموارد البشرية

لم يعد نموذج العمل الهجين مجرد استجابة مؤقتة لظروف جائحة «كوفيد-19»، بل أصبح جزءاً أصيلاً من بنية العمل الحديث. فرغم المحاولات المتكررة من بعض الشركات لإعادة الموظفين إلى المكاتب بشكل كامل، فإن الواقع العملي يكشف أن العمل الهجين لم يمت، بل يتم تحسينه وتطويره ليصبح أكثر ملاءمة للإنتاجية والثقافة المؤسسية والاستدامة المهنية. واليوم، لم يعد السؤال: هل سيستمر العمل الهجين؟ بل أصبح: كيف يمكن تحسينه لتحقيق أفضل النتائج؟

في عام 2025، ومع تضاؤل تأثير شعارات العودة القسرية إلى المكاتب، بدأ القادة التنفيذيون ينظرون إلى العمل الهجين ليس كخطر على الثقافة المؤسسية، بل كأداة استراتيجية لرفع الكفاءة وتعزيز الولاء الوظيفي. إن التحول من نموذج العمل من «9 صباحاً إلى 5 مساءً» التقليدي إلى بيئة مرنة ومدعومة بالتكنولوجيا بات شبه مكتمل، ولم يعد قابلاً للعودة إلى الوراء.

أولاً: من الهامش إلى التيار الرئيسي

قبل الجائحة، كان العمل عن بُعد أو الهجين امتيازاً نادراً يقتصر على شركات التكنولوجيا الكبرى. أما اليوم، فهو معيار شائع في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، بل وحتى لدى الشركات العالمية التقليدية.

تشير بيانات مؤشر ثقة رؤساء الشركات ب«فيستيج» إلى أن 43% من الشركات المتوسطة والصغيرة تعمل بنظام هجين حتى الربع الثالث من عام 2025، مقابل 38% فقط في عام 2022. كما ارتفعت نسبة الشركات التي تعتمد العمل الحضوري الكامل إلى 45%، لكنها لم تحقق الغلبة كما توقع بعضهم.

ما تغيّر فعلياً هو النظرة إلى العمل الهجين:

* لم يعد حلاً مؤقتاً، بل نموذج مستدام.

* لم يعد يُنظر إليه على أنه تنازل للموظفين، بل استثمار تنظيمي.

لقد فقدت حملات «العودة الكاملة إلى المكتب» قوتها منذ أوائل عام 2025، إذ انشغل القادة بقضايا أكبر: التضخم، أسعار الفائدة، التشريعات، والقلق الجيوسياسي.

ثانياً: لماذا لم يختفِ رغم تباطؤ السوق؟

خلال 2022، كان سوق الوظائف مزدهراً، يشهد ما سُمي ب«الاستقالات الكبرى»، حيث غادر ملايين الموظفين أعمالهم بحثاً عن مرونة أكبر. أما في عام 2025، فإن السوق أضعف، ويعيش ما يُعرف ب«مرحلة البقاء في الوظيفة»، لكن رغم ذلك لم تتخلَّ الشركات عن العمل الهجين. لماذا؟

1. الخوف من فقدان المواهب: حتى في سوق ضعيف، لا تستطيع الشركات تحمل خسارة الكفاءات.

2. الظهور المتزايد لظاهرة «الاستقالة الصامتة»: موظفون يبقون في العمل جسدياً، لكنهم يغادرونه معنوياً، بسبب القيود المبالغ فيها.

3. مخاطر زعزعة المشاركة الوظيفية: حتى لو عاد الموظفون للمكتب قسراً، فالسؤال: ما التكلفة النفسية والتنظيمية؟

الحقيقة أن المرونة لم تعد «ميزة»، بل وسيلة للحفاظ على الروح الإنتاجية في عالم يزداد توتراً وتغيراً.

ثالثاً: كيف يستخدم لتحسين الأداء؟

بدلاً من محاربته، بدأ القادة الأذكياء باستثمار العمل الهجين عبر أربع استراتيجيات رئيسية:

* تعزيز الثقافة والتعاون

في بداية الجائحة، كان القلق الأكبر هو فقدان الثقافة المؤسسية. لكن مع مرور الوقت، تبيّن أن الحضور لا يصنع الثقافة بل النية والوضوح في التواصل.

تعمد بعض الشركات اليوم إلى تخصيص أيام الحضور للمشاريع المشتركة والاجتماعات الإبداعية، لا لإنجاز المهام الفردية.

* تحسين المادية للمكاتب

المكاتب لم تعد مجرد «مقاعد وطاولات». بل أصبحت مراكز تعاون.

* إعادة تصميم المساحات المفتوحة

* توفير غرف اجتماعات تفاعلية

* دمج أدوات الواقع الافتراضي وتقنيات الاجتماعات الذكية

الهدف هو خلق بيئة تُكمل العمل من المنزل، لا أن تعيده إلى ما قبل 2020.

* منح مرونة مدروسة كعامل أساسي للولاء

وفق أحدث استطلاعات «فيستيج»، جاءت المرونة كثالث أهم عامل يؤثر في الرضا الوظيفي بعد التعويض المالي وفرص التقدم.

والموظفون اليوم لا يبحثون عن «وظيفة»، بل عن نمط حياة متوازن يسمح لهم بالعمل دون التضحية بالعائلة أو الصحة.

* بناء قادة قادرين على إدارة فرق هجينة

«الموظفون لا يتركون وظائفهم، بل يتركون مديريهم».

في النظام الهجين، المدير ليس مجرد مشرف، بل مدرب وميسر.

يحتاج القادة إلى مهارات جديدة:

* قيادة الاجتماعات الافتراضية

* تقييم الأداء عن بُعد

* الحفاظ على الروابط الإنسانية في بيئة رقمية

رابعاً: التكنولوجيا شريان رئيسي للعمل الهجين

إن بروز الذكاء الاصطناعي وأدوات التعاون الرقمي، مثل «زووم» و«سلاك» و«تيمز» جعل من العمل الهجين نظاماً عالي الكفاءة لا مجرد خيار مرن.

* أنظمة تتبع الأداء والتحليلات اللحظية

* دمج الذكاء الاصطناعي في تنظيم المهام وجدولة الاجتماعات

* المكاتب الافتراضية ثلاثية الأبعاد

لم يعد الموظف بحاجة إلى الوجود المادي ليكون «موجوداً مهنياً».

خامساً: ما الذي ينتظرنا بعد عام 2025؟

إن العالم يدخل حقبة جديدة من العمل، يمكن وصفها بأنها ما بعد المكتب، ولكن ليس بلا مكتب. لن يختفي المكتب، لكنه سيتحوّل من «مكان عمل» إلى «مركز تفاعل»، كما سيظهر نوع جديد من الوظائف، يُعرف ب«العمل المرن العميق»، حيث لا مكان للقياس التقليدي (ساعات الحضور)، بل لقياس القيمة (النتائج والأثر).

توقعات المرحلة المقبلة:

* عقود توظيف تعتمد على النتائج لا الموقع

* مكاتب تقل مساحتها وتزداد ذكاءً

* تحوّل أيام الحضور إلى أحداث استراتيجية بدلاً من روتين يومي

الهجين ليس مؤقتاً.. بل المستقبل المنظم

في عالم يتغير بسرعة، والمنافسة فيه أصبحت عالمية، يصبح التمسك بنموذج جامد مخاطرة. إن العمل الهجين ليس تنازلاً أمام رغبات الموظفين، بل تطوّر عضوي في فلسفة العمل ذاته.

ومن كان يظن أن المستقبل هو العودة إلى الماضي، فقد أخطأ الحساب.

المستقبل ليس في المكاتب الكاملة، ولا في العمل الكامل من المنزل، بل في أكثر نقطة مرونة بينهما.

إن العمل الهجين لم يمت، بل يُعاد تصميمه.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا