عرب وعالم / الامارات / الامارات اليوم

أميركا بحاجة للاستفادة من النهج الصيني في التعامل مع السياسة الخارجية

  • 1/2
  • 2/2

التاريخ: 23 يونيو 2024

تبدو أميركا اليوم بحاجة إلى التنافس بشكل أكثر فاعلية مع ، وهذا التنافس هو القضية السياسية الخارجية الوحيدة التي يتفق عليها الديمقراطيون والجمهوريون تقريباً. وهذا الإجماع هو الذي يرتكز عليه تشكيل ميزانية الدفاع الأميركية، ودفع الجهود الرامية إلى دعم الشراكات في آسيا، وتشجيع حرب تجارية موسعة في مجال التكنولوجيا الفائقة. ومع ذلك، بصرف النظر عن اتهام الصين بسرقة التكنولوجيا الأميركية وانتهاك اتفاقيات التجارة السابقة، فإن الخبراء الذين يحذرون من أنشطة الصين نادراً ما يأخذون في الاعتبار التدابير الأوسع التي ساعدت بكين على تحقيق هذا التقدم. وإذا كانت الصين تختلس حقوق الملكية الفكرية لأميركا، ألا ينبغي للأميركيين أن يسألوا الأميركيين أنفسهم ما الذي تفعله بكين بشكل صحيح، وما هي الأخطاء التي ترتكبها الولايات المتحدة؟ وبناء عليه يعكس النهج الذي تتبناه الصين في التعامل مع السياسة الخارجية بعض الدروس المفيدة لواشنطن.

من المؤكد أن جزءاً كبيراً من صعود الصين يعود إلى إصلاحات داخلية بحتة، حيث كانت هذه الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في العالم تتمتع دائماً بإمكانات قوة هائلة، ولكن تم قمع هذه الإمكانات لأكثر من قرن من الزمن بسبب الانقسامات الداخلية العميقة أو السياسات الاقتصادية الماركسية المضللة. وبمجرد أن تخلى قادتها عن الماركسية (ولكن ليس اللينينية) واحتضنوا ديناميكية السوق، كان من المحتم أن تتزايد القوة النسبية للبلاد بشكل حاد. ويمكن للمرء أن يجادل بأن الجهود التي تبذلها إدارة الرئيس الأميركي، جو ، لتطوير سياسة صناعية وطنية من خلال الحد من التضخم وغيره من التدابير، تعكس محاولة متأخرة لتقليد الجهود الصينية المدعومة من الدولة، لأخذ زمام المبادرة في العديد من التقنيات الرئيسة.

لكن صعود الصين لم يكن راجعاً فقط إلى الإصلاحات الداخلية أو الرضا عن النفس في الغرب، بل إنه جاء من خلال نهجها الواسع في التعامل مع السياسة الخارجية، والذي من الأفضل لقادة الولايات المتحدة أن يفكروا فيه.

أولاً: تمكنت الصين من تجنّب المستنقعات المكلفة التي وقعت الولايات المتحدة في شراكها مراراً وتكراراً. وحتى مع نمو قوتها، كانت بكين حذرة من تحمل التزامات قد تكون مكلفة في الخارج، فهي لم تَعِد بخوض الحرب للدفاع عن حلفائها، على سبيل المثال، أو تهبّ لحماية شركائها الاقتصاديين المختلفين في إفريقيا أو أميركا اللاتينية، أو جنوب شرق آسيا. إنها تزود روسيا بتقنيات ذات استخدام مزدوج وذات قيمة عسكرية (وتحصل على أموال جيدة مقابل ذلك)، لكنها لا ترسل إلى روسيا أسلحة فتاكة، ولا تناقش ما إذا كانت سترسل مستشارين عسكريين، أو تفكر في إرسال قواتها الخاصة لمساعدة روسيا على الفوز في حربها مع أوكرانيا. ربما يتحدث الرئيس الصيني شي جينبينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين كثيراً عن شراكتهما «بلا حدود»، لكن الصين تستمر في عقد صعبة في تعاملاتها مع روسيا، وخصوصاً في مطالبتها بالحصول على النفط والغاز الروسيين بأسعار منافسة.

وعلى النقيض من ذلك، فإن الولايات المتحدة لديها غريزة في التعامل مع الرمال المتحركة في السياسة الخارجية. فعندما تشغل نفسها بإسقاط «الحكام المستبدين»، وإنفاق تريليونات الدولارات في محاولة لتصدير الديمقراطية إلى أماكن مثل أفغانستان أو أو ، فإنها لا تزال تقدم الضمانات الأمنية التي تأمل ألا تضطر إلى احترامها أبداً لدول في جميع أنحاء العالم. ومن اللافت للنظر أن قادة الولايات المتحدة ما زالوا يعتقدون أن ذلك يعد نوعاً من الإنجاز في السياسة الخارجية، كلما تولوا مهمة حماية دولة أخرى، حتى عندما تكون تلك الدولة ذات قيمة استراتيجية محدودة، أو لا تفعل الكثير في تعزيز المصالح الأميركية.

أصبحت الولايات المتحدة، الآن، ملتزمة رسمياً بالدفاع عن عدد أكبر من الدول، أكثر من أي وقت مضى في تاريخها، وتعمل جاهدة للوفاء بجميع هذه الالتزامات تحت مبرر أن ميزانية الدفاع الأميركية أكبر بكثير من ميزانية الصين، ولكم أن تتخيلوا ما يمكن للولايات المتحدة أن تفعله كل عام مع الفارق الذي يزيد على نصف تريليون دولار، بين ما تُنفقه الصين وما نُنفقه نحن. فإذا كفّت عن مراقبة العالم أجمع، فربما كان بوسع الولايات المتحدة أن تمتلك سككاً حديدية عالمية المستوى، ووسائل نقل حضري، وبنية تحتية للمطارات، كما فعلت الصين، إضافة إلى عجز الميزانية أيضاً.

ثانياً: على النقيض من الولايات المتحدة، تحتفظ الصين بعلاقات دبلوماسية عملية مع الجميع تقريباً. لديها بعثات دبلوماسية أكثر من أي دولة أخرى، ونادراً ما تكون مناصب السفراء لديها شاغرة، ودبلوماسيوها محترفون مدربون تدريباً جيداً على نحو متزايد (بدلاً من الهواة الذين تتمثل مؤهلاتهم الرئيسة في قدرتهم على جمع الأموال للمرشحين الرئاسيين الناجحين). ويدرك قادة الصين أن العلاقات الدبلوماسية ليست مكافأة للآخرين على سلوكهم الطيب، فهي أداة أساسية للحصول على المعلومات، وإيصال وجهات نظر الصين إلى الآخرين، وتعزيز مصالحها عن طريق الإقناع بدلاً من القوة الغاشمة.

وعلى النقيض من ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تميل إلى حجب الاعتراف الدبلوماسي عن الدول التي تختلف معها، ما يزيد من صعوبة فهم مصالحها ودوافعها ويجعل من الصعب للغاية توصيل مصالحها ودوافعها للعالم. وترفض واشنطن الاعتراف رسمياً بحكومات إيران أو أو كوريا الشمالية، على الرغم من أن التواصل مع هذه الحكومات بشكل منتظم، سيكون مفيداً، وتتحدث الصين مع كل هذه الدول بطبيعة الحال، ومع أقرب حلفاء أميركا أيضاً. ألا ينبغي لنا أن نفعل الشيء نفسه؟

ثالثاً: يؤكد النهج العام الذي تتبناه الصين في التعامل مع السياسة الخارجية، السيادة الوطنية: فكرة مفادها أن كل دولة لابد أن تكون حرة في حكم نفسها وفقاً لقيمها الخاصة. إذا كنت ترغب في القيام بأعمال تجارية مع الصين، فلا داعي للقلق بشأن أنها ستخبرك بكيفية إدارة بلدك، ولا داعي للقلق من تعرضك للعقوبات إذا كان نظامك السياسي يختلف عن نظام بكين.

وعلى النقيض من ذلك، ترى الولايات المتحدة نفسها باعتبارها المروّج الرئيس لمجموعة من القيم الليبرالية العالمية وتعتقد أن نشر الديمقراطية هو جزء من مهمتها العالمية. ومع بعض الاستثناءات الجديرة بالملاحظة، فإنها غالباً ما تستخدم سلطتها لحمل الآخرين على بذل مزيد من الجهد لاحترام حقوق الإنسان، والتحرك نحو الديمقراطية، وفي بعض الأحيان تجعل مساعدتها مشروطة بتعهد الدول الأخرى ببذل مزيد من الجهد لاحترام حقوق الإنسان والتحرك نحو الديمقراطية، لكن نظراً لأن أغلبية واضحة من دول العالم ليست ديمقراطيات كاملة، فمن السهل أن نفهم لماذا قد تفضل العديد من البلدان نهج الصين، خصوصاً عندما تقدم لها الصين فوائد ملموسة. وكما يقول الخزانة الأميركي السابق، لاري سامرز: «قال لي شخص من دولة نامية: ما نحصل عليه من الصين هو مطار». ويضيف: «لكن ما نحصل عليه من الولايات المتحدة هو مجرد محاضرة، فإذا كنت مستبداً أو زعيماً لدولة نصف ديمقراطية، فما هو النهج الذي قد تراه أكثر جاذبية؟»

وما يزيد الطين بلة هو ميل أميركا إلى اتخاذ المواقف الأخلاقية، الأمر الذي يجعلها عرضة لاتهامات بالنفاق كلما فشلت في الارتقاء إلى مستوى معاييرها الخاصة. وبطبيعة الحال، لا توجد قوة عظمى ترقى إلى مستوى كل مُثُلها المعلنة، لكن كلما ادعت الدولة أنها فاضلة بشكل فريد، كلما كانت زلتها أعظم عند الآخرين عندما تُقصّـر. خلاصة القول إن الصين برزت باعتبارها المنافس الرئيس لأميركا جزئياً، من خلال تعبئة إمكانات قوتها الكامنة بشكل أكثر فاعلية، وأيضاً من خلال الحد من التزاماتها الخارجية وتجنّب الجروح التي ألحقتها الإدارات الأميركية المتعاقبة بنفسها.

لكن الأميركيين الذين يشعرون بقلق عميق بشأن صعود الصين، يجب أن يفكروا في ما فعلته بكين بشكل جيد، وما فعلته واشنطن بشكل سيئ. من الصعب أن نغفل المفارقة هنا: لقد صعدت الصين بسرعة جزئياً، من خلال تقليد صعود أميركا في وقت سابق إلى قمة القوة العالمية. كانت الولايات المتحدة الوليدة تتمتع بالعديد من المزايا الفطرية، بما في ذلك قارة خصبة، وسكان أصليون متناثرون ومنقسمون، وحماية يوفرها محيطان شاسعان، وقد استفادت من تلك الأصول من خلال الابتعاد عن المشكلات في الخارج، وبناء القوة في الداخل. خاضت الولايات المتحدة حربين فقط مع دولتين أجنبيتين بين عامي 1812 و1918، وكان خصماها في تينك الحربين المكسيك عام 1846، وإسبانيا عام 1898، وهما دولتان ضعيفتان ليس لديهما حلفاء مهمّون. وبمجرد أن أصبحت قوة عظمى، سمحت الولايات المتحدة للقوى الكبرى الأخرى بتحقيق التوازن بين بعضها بعضاً، وبقيت خارج صراعاتها لأطول فترة ممكنة، وتكبدت أقل قدر من الضرر في الحربين العالميتين، و«فازت بالسلام». وقد اتبعت الصين مساراً مماثلاً منذ عام 1980، وقد أتى أكله بسخاء حتى الآن.

قال المستشار الألماني الراحل أوتو فون بسمارك ذات يوم: «الأحمق هو الذي يتعلم من أخطائه، والعاقل يتعلم من أخطاء الآخرين». ومن الممكن تعديل تعليقه بالقول: إن الدولة الحكيمة لا تتعلم من أخطاء الآخرين فحسب، بل تتعلم أيضاً مما فعلوه على النحو الصحيح.

• الأميركيون الذين يشعرون بقلق عميق بشأن صعود الصين يجب أن يفكروا في ما فعلته بكين بشكل جيد وما فعلته واشنطن بشكل سيئ.

• أميركا اليوم تبدو بحاجة إلى التنافس بشكل أكثر فاعلية مع الصين، وهذا التنافس هو القضية السياسية الخارجية الوحيدة التي يتفق عليها الديمقراطيون والجمهوريون تقريباً.


ستيفن إم والت محلل وكاتب عمود في «فورين بوليسي» عن «فورين بوليسي»

 

تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news

تويتر لينكدين Pin Interest Whats App

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا