الارشيف / عرب وعالم / الامارات / صحيفة الخليج

التنمر.. «خلل في التربية» يعكر صفو مجتمعات التعلم

تحقيق: محمد إبراهيم
التنمر ظاهرة معقدة، تؤرق مجتمعات التعلم عالمياً، إذ تهدد ركائز التعليم، وتحول قاعات الدراسة إلى ساحات صراع نفسي، ومع تفاقم الظاهرة تتوالى التساؤلات عن دور الأسرة، وهل ما نشهده اليوم خلل في تربية الأبناء؟ وهل أصبحت المنازل غير قادرة على تهيئة جيل يُقدر الاحترام ويبتعد عن العنف؟
في وقت كشفت أحدث تقارير «اليونيسكو»، عن أن نحو 246 مليون طفل ومراهق حول العالم يتعرضون للتنمر جسدياً، ولفظياً، ونفسياً، وإلكترونياً كل عام، إذ يعكس هذا الرقم الضخم حجم المشكلة عالمياً، ما يستدعي تدخلات جادة، للحد من انتشارها وتحسين التعليمية.
أكد أولياء أمور أن التنمر ظاهرة اجتماعية سلبية، تهدد سلامة الأبناء، حيث تتسبب في إحداث آثار نفسية واجتماعية سلبية على المتعلمين، وينبغي التعامل معها بمسؤولية من جميع أطراف العملية التعليمية، لاسيما الأبناء المتضررين.
عدد من الطلبة أكدوا أن التنمر يثير الشعور بالخوف في نفوسهم، فضلاً عن عدم الأمان في المدرسة، مطالبين بجلسات مفتوحة، حيث يمكن للطلاب التحدث بحرية عن مشاكلهم ومخاوفهم.
تربويون ومعلمون قالوا ل «الخليج» إن الإحصائيات الأخيرة حول ظاهرة التنمر، مخيفة وتدعو المجتمعات المدرسية إلى وقفة جادة للقضاء عليها، لاسيما أنها تهدد أمن وسلامة الطلبة، وتنعكس سلباً على المخرجات التعليمية، وتؤثر في تحقيق الأهداف المنشودة لبناء أجيال المستقبل.
ويرى علم النفس أن التنمر يشيع الفوضى في المجتمع المدرسي، ويعرقل بناء الأجيال، ويؤثر في الطالب سيكولوجياً وتربوياً، بالدلال الزائد والافتقار إلى الرقابة الأسرية.
«الخليج» تناقش مع الميدان التربوي بمختلف فئاته ظاهرة التنمر والأسباب في وجودها وتناميها، وكيفية تطورها، وسبل التعاطي معها في مؤسسات التعليم؟
ضغوط متنوعة
البداية كانت مع عدد من الطلبة في مختلف حلقات التعليم، إذ أكد كل من علياء الشريف، وميثاء علي، ومحمد مروان، وعلاء عبد العزيز، وسامح حمدان، ومريم مهران، أن التنمر أصبح أمراً معتاداً في المدرسة، فالبعض يتعرض له بشكل يومي، ما يعرض الطلاب للضغوط النفسية والاجتماعية.
وأوضحوا أن التنمر يحدث عندما لا يشعر بعض الزملاء بالثقة في أنفسهم، فيلجأون لإيذاء الآخرين ليشعروا بالقوة، ولم يدركوا أن تلك السلوكيات تثير مشاعر الخوف والقلق في نفوس زملائهم المتنمر عليهم، مطالبين بأهمية وجود دعم نفسي في المدارس، بسبب المتنمرين.
سلوكيات الأبناء
يقع على عاتق الأسرة دور كبير في تقويم سلوكيات الأبناء، والتعاون مع المدرسة والجهات المعنية، لبناء شخصيات الأبناء، والنهوض بهم والارتقاء بمستوى تفكيرهم، ما ينعكس عليهم إيجابياً في المستقبل، هذا ما أكده أولياء الأمور إيهاب زيادة ومحمد طه ومحمد علي ومنى الأحمدي.
وقالوا إن ظاهرة التنمر، وإن كانت موجودة في المجتمع المدرسي ولو بنسبة ضئيلة، إلا أنها دخيلة ولا تليق بعاداتنا وتقاليدنا، وينبغي التصدي لها واقتلاع جذورها، معتبرين أن الدلال الزائد لبعض الطلبة وعدم الحزم والمتابعة من الوالدين يشكل ركائز تلك الظاهرة.
آخر التقارير
منظمة اليونيسكو قالت في آخر تقاريرها عن التنمر، إن واحداً من كل ثلاثة طلاب في جميع أنحاء العالم يتعرض للتنمر أو العنف المدرسي يومياً.
وأفادت بأن الطلاب الذين يتعرضون للتنمر أو العنف المدرسي الأكثر عرضة للمعاناة من مشكلات نفسية، مثل القلق والاكتئاب، فضلاً عن التراجع في الأداء الأكاديمي، ما يؤدي إلى ترك المدرسة في بعض الحالات.
وأكدت أن من التنمر تتطلب استراتيجيات شاملة تشمل السياسات المدرسية، والمناهج التعليمية، ودعم المعلمين، والتدخلات النفسية والاجتماعية.
مستويات غير مسبوقة
في وقفة مع تربويين ومعلمين، أكد الدكتور كمال فرحات وإبراهيم القباني وخلود فهمي ووفاء الباشا، أن التنمر في المدارس ارتقى إلى مستويات غير مسبوقة، تجاوزت حد الاعتداء اللفظي والجسدي، إذ اندثرت حدود الاحترام بين الطلاب، لاسيما الذين يعتادون على العنف والإقصاء كمنهج لحل المشكلات داخل الفصل، ما يسهم في خلق بيئة مناسبة لنمو ظاهرة التنمر.
وقالوا إن التنمر من القضايا الخطيرة التي تهدد أمن واستقرار العملية التعليمية، فضلاً عن تأثيرها السلبي على المخرجات وجودة التعليم، لاسيما أنها تتجاوز حدود المدرسة لتصل إلى البيت والأماكن العامة، الأمر الذي يؤكد تأثيرها السلبي في المجتمع داخلياً وخارجياً، فضلاً عن أن آثارها السلبية تبقى في ذاكرة الطفل، وتؤثر في صحته النفسية على المدى البعيد.
صور متكررة
الأخصائية النفسية ريهام فاروق، شرحت ل«الخليج» ماهية التنمر المدرسي الذي يشكل أفعالاً سلبية من طالب أو أكثر لإلحاق الأذى بآخر، تتم بصورة متكررة وتشمل «التهديد، التوبيخ، الإغاظة والشتائم، والضرب والدفع والركل» وممكن أن نراها في التكشير بالوجه أو الإشارات غير اللائقة، بقصد وتعمد عزله من المجموعة أو رفض الاستجابة لرغبته.
وهناك 4 أسباب للتنمر «سيكولوجية وأسرية ومجتمعية والإعلام والثورة التقنية»، إذ ترى أن انتشار ظاهرة التنمر تكمن في التغيّرات التي حدثت في المجتمعات الإنسانية، والمرتبطة أساساً بظهور العنف والتمييز بكل أنواعه، واختلال العلاقات الأسرية في المجتمع، وتأثير الإعلام على المراهقين في المراحل المتوسطة والثانوية، وعدم قدرة أهل الطلبة المتُنمّرين على ضبط سلوكياتهم. وأوضحت أن المتنمرين، ذوي الشخصيات القوية «السيكوباثية» المضادة للمجتمع، يشكلون خطورة على المدرسة وزملائهم، حيث تكمن خطورة هذا النوع في إمكانية تحوله خارج المدرسة إلى مشروع مجرم يهدد استقرار المجتمع، إذ يؤسس المتنمرون غالباً عصابات إجرامية، أو ينضمون إلى عصابات إجرامية قائمة.
علاج الظاهرة
وأكدت أن علاج الظاهرة يضم ثلاث مسارات «العلاج الأسري والمدرسي والمجتمعي»، والبداية يجب أن تكون بالاعتراف أولاً بوجودها، ليتم بعد ذلك مرحلة التشخيص للوقوف على حجم هذه الظاهرة في مدارسنا، وتحديد المستويات الدراسية التي تنتشر فيها أكثر من غيرها، ومعرفة الأسباب التي تؤدي إلى انتشار التنمر، عندئذ يمكننا أن نعمل على إيجاد برامج علاجية ووقائية تناسب كل حالة،
لا سيما أن الوقاية من التنمر في المدارس أحد برامج «اليونيسيف»، إذ يهدف البرنامج إلى الوصول لمدارس خالية من التنمر، لضمان بيئةٍ آمنةٍ للأطفال.
وأكدت أن ظاهرة التنمر تتطلب تضافر الجهود بين الأسرة والمدرسة والمجتمع للتصدي لها، وأن توفير بيئة تعليمية آمنة وداعمة هو حق لكل طالب، وواجب على جميع الأطراف المعنية.
جهود «التربية»
تركز جهودها على مكافحة ظاهرة التنمر في مؤسسات التعليم من خلال برامج التوعية والتدخلات النفسية، ووضع سياسات واضحة لمكافحة العنف المدرسي والتنمر، إذ تتضمن إجراءات للإبلاغ عن حالات التنمر وآليات التعامل معها بشكل فعال داخل المدارس.
وتنظم الوزارة برامج تدريبية للمعلمين والإداريين لتزويدهم بالمهارات اللازمة للتعامل مع حالات التنمر والعنف، كما تُعقد ورش عمل توعوية للطلاب، لتعزيز ثقافة الاحترام والتسامح بينهم، وهناك تعاون مع جهات متعددة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للطلاب المتضررين، ويهدف التعاون إلى توفير بيئة شاملة لدعم الطلاب على جميع الصعد، فضلاً عن إطلاق حملات إعلامية لتوعية المجتمع بأهمية مكافحة التنمر وآثاره السلبية على الطلاب، بهدف إشراك الأسر والمجتمع في جهود التصدي لهذه الظاهرة.

التدخل المبكر

شدد مختصون في علم النفس على أهمية التدخل المبكر في حالات التنمر، حيث يمكن أن يسهم الدعم النفسي المبكر في تقليل الآثار السلبية على الصحة النفسية للطلاب، مع تقديم جلسات توعية للطلاب والمعلمين حول كيفية التعامل مع التنمر.

تضافر الجهود

أجمعت الآراء على أهمية تضافر الجهود في المجتمع لمواجهة ظاهرة التنمر بمختلف أشكاله في المؤسسات التعليمية، ولكن يبقى السؤال قائماً: هل يبدأ الحل من الأسرة أولاً؟ وإلى أي مدى تستطيع الجهود التعليمية إيقاف هذا الخطر الذي يعكر صفو التعليم؟

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا