أكد قانونيون أن المحادثات الإلكترونية دليل إثبات مقبول في المعاملات المدنية والتجارية، كما أنها دليل إدانة معترف به أمام المحاكم، موضحين أن المراسلات عبر «واتس أب»، أو «فيس بوك»، أو الرسائل النصية المتداولة بين الأفراد، تكون لها حجية الأوراق العرفية في الإثبات كحجية العقود والإقرارات والشيكات وغيرها مما يتم على أيدي أطرافها.
وأشاروا إلى أن عشرات القضايا التي نظرتها المحاكم أخيراً، أظهرت لجوء الكثير من الدائنين إلى إثبات حقوقهم عبر رسائل ومحادثات مع المدعى عليهم، عبر برنامج التواصل الاجتماعي «واتس أب»، تشير إلى وجود دَين أو إقراض أموال، والاستناد إلى هذه الرسائل في إثبات حقهم، ما أعاد إلى المدعين ديوناً، اصطلح على تسميتها «الديون الشفهية»، كانت في حكم الضائعة.
وتفصيلاً، قال قانونيون إن التطور المتسارع للتكنولوجيا أكد الحاجة إلى تحديث تشريعات وقوانين تواكب التطورات، وتضمن تنظيم المعاملات الإلكترونية بشكل فعال، مشيرين إلى أن دولة الإمارات أصدرت مرسوماً بقانون اتحادي رقم 35 لسنة 2022 بشأن تنظيم الإثبات الإلكتروني في المعاملات المدنية والتجارية، وذلك ضمن مساعيها لتعزيز بيئة الأعمال الرقمية، وضمان استقرار المعاملات الإلكترونية، وبات الإثبات الإلكتروني حجة مقبولة في المعاملات المدنية والتجارية، وفقاً للشروط والأحكام الواردة في القانون.
وأكد المحامي إبراهيم التميمي أن هناك من الأدلة الإلكترونية ما يأخذ حجية الأوراق الرسمية، ومنها ما يأخذ حجية الأوراق العرفية في ما يتعلق بما صار يعرف بـ«الديون الشفهية»، أو إقراض الأموال بشكل ودي بين شخصين أو بين أطراف عدة، مشيراً إلى أن المرسوم بقانون اتحادي رقم (35) لسنة 2022 في شأن الإثبات في المعاملات المدنية والتجارية، قد خصص الباب الرابع منه للتحدث عن الإثبات بالدليل الإلكتروني، وتناول ذلك في ست مواد، هي المواد من 53 إلى 59.
وقال: «وفقاً للقانون، يعد دليلاً إلكترونياً كل دليل مستمد من أي بيانات أو معلومات، يتم إنشاؤه وتخزينه، أو استخراجه، أو نسخه، أو إرساله أو إبلاغه أو استلامه بوسائل تقنية المعلومات، على أي وسيط، ويكون قابلاً للاسترجاع بشكل يمكن فهمه»، مشيراً إلى أنه، وفقاً للقانون، فإن الأدلة الإلكترونية تشمل: السجل الإلكتروني، والمحرَّر الإلكتروني، والتوقيع الإلكتروني، والختم الإلكتروني، والمراسلات الإلكترونية، بما فيها البريد الإلكتروني، ووسائل الاتصال الحديثة، والوسائط الإلكترونية، إضافة إلى أي دليل إلكتروني آخر.
وأشار إلى أن الدليل الإلكتروني غير الرسمي، تكون له حجة على أطراف التعامل، إذا كان صادراً وفقاً للتشريعات السارية في هذا الشأن، أو إذا كان مستفاداً من وسيلة إلكترونية منصوص عليها في العقد محل النزاع، أو إذا كان مستفاداً من وسيلة إلكترونية موثقة أو مشاعة للعموم، وقد أعطى القانون للدليل الإلكتروني العرفي الحجية المقررة للمحرر العرفي، وبالتالي فإن رسائل «واتس أب»، أو «فيس بوك»، أو الرسائل النصية المتداولة بين الأفراد، تكون لها حجية الأوراق العرفية في الإثبات كحجية العقود والإقرارات والشيكات وغيرها مما يتم على أيدي أطرافها، فيما تكتسب حجية الأوراق الرسمية إذا ما تمت من جهة رسمية (كالإعلانات القضائية)، طبقاً للمادة (9) من قانون الإجراءات المدنية وغيرها مما يتم عن طريق موظف عام.
فيما أوضح المحامي، سالم محمد عبيد النقبي، أن اعتماد الرسائل والمحادثات كأدلة، يخضع لسلطة المحكمة التقديرية، إذ إنها تقدم على سبيل الاستئناس، خصوصاً في حال إنكار أحد طرفَي الدعوى تلك المحادثات، وأنه مع التطور التقني الهائل، أصبح من السهل اصطناع مثل هذه المحادثات، فضلاً عن إمكانية اختراق بعض الحسابات، وفي بعض الدعاوى، بل والكثير منها، لا يستطيع من أقام دعواه إثبات طبيعة العلاقة إلا عن طريق المراسلات الإلكترونية، حيث لا يوجد للمدعي سند لإثبات دعواه سوى الرسائل إلكترونية.
وقال النقبي: «تأكيداً على أهمية حجية الرسائل الإلكترونية في إثبات (الديون الشفهية)، يجوز للمدعي أو المدعى عليه في حال عدم وجود سند لدعواه سوى البريد الإلكتروني أو رسائل برامج المحادثات، الطلب من المحكمة إرسال الرسائل المتبادلة بين الطرفين لفحصها، وفحص تواريخ المراسلات المقدمة للمحكمة، حيث يقوم المختبر الجنائي بمخاطبة طرفَي النزاع للاطلاع على حساباتهم، حتى يتمكن المهندس المختص من إصدار تقرير فني شامل، يتضمن صحة الرسائل المقدمة من طرفي التداعي، وكذا فحص البريد الإلكتروني للطرفين، وبرامج التواصل، وإثبات مدى صحة الرسائل الإلكترونية المقدمة أمام المحكمة».
وأضاف: «بعد ذلك يتم إعداد تقرير فني من جانب المهندس المختص، ويتم إرساله إلى المحكمة في مظروف ممهور بالشمع، ويحق لطرفَي النزاع الاطلاع عليه بعد عرضه على المحكمة، ثم التعقيب على ما ورد بالتقرير المرسل من الجهة المختصة لتنظيم الاتصالات».
وأكد أن المحررات الإلكترونية والتوقيع الإلكتروني يتفوقان الآن على المحررات الورقية التقليدية، من حيث حجيتهما بين أدلة الإثبات الكتابية، متى ثبتت صحتهما، ثم باتت لهما حجية في الإثبات.
وأيدتهما في الرأي، المحامية هدية حماد، قائلة: «نظراً إلى التطور التكنولوجي، وانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، أصبح الكثير من قراراتنا واتفاقاتنا يحدث عن بُعد، لذا فقد واكب القانون الإماراتي أيضاً هذا التطور، وجعل المحادثات والرسائل الإلكترونية دليلاً قانونياً معترفاً به».
وقالت حماد: «المشرّع الإماراتي نص على وجود ضمانات قانونية وفنية، حتى لا يرمي الناس بعضهم بعضاً بالباطل، وحتى لا تضيع الحقوق، ومنها مثلاً إذا كانت المحادثات عن طريق (واتس أب) أن يكون رقم الهاتف مسجلاً باسم الشخص، وهذا بالطبع يتم الاستعلام عنه عن طريق النيابة أو المحكمة عبر شركات الاتصالات، وإذا كانت المحادثات عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي عن طريق (فيس بوك) مثلاً فقد خصصت الدولة جهة فنية، وهي المختبر الإلكتروني والفني، الذي يستطيع تعقّب الحساب الإلكتروني، ومعرفة صاحبه».
وشهدت محاكم الدولة، أخيراً، قضايا كثيرة، رفعها أفراد، يتهمون أقارب لهم وأصدقاء أو أزواجاً سابقين باقتراض أموال دون مستند كتابي، ورفضوا إعادتها، ولا يملكون أي إثبات سوى محادثات على برامج التواصل الاجتماعي، تضمنت الحديث عن تحويل المبلغ أو طلب رد السلفة، ومنها دعوى أقامتها امرأة ضد أخرى، طالبت فيها بإلزامها بأن تؤدي لها مبلغ 150 ألف درهم، مشيرة إلى أنها قامت بتحويل المبلغ للمدعى عليها على سبيل الدين لسداد ديونها، على أن ترد المبلغ خلال ثلاثة أشهر، إلا أنها لم تلتزم برد المبلغ، وقدمت صورة من محادثات بينهما على برنامج التواصل الاجتماعي (واتس أب)، وحكمت المحكمة بإلزام المدعى عليها بأن تؤدي للمدعية 150 ألف درهم.
وفي قضية ثانية، أقام شخص دعوى أمام محكمة أبوظبي للأسرة والدعاوى المدنية والإدارية، على صديقه، التمس فيها إلزامه بأن يؤدي له 50 ألف درهم، على سند من القول إنه أقرضه المبلغ على سبيل الدين، ولدى مطالبته بإرجاع المبلغ ماطل في السداد، وأوضحت المحكمة أن الثابت بالأوراق، وعبر رسائل «واتس أب»، أن المتضرر حوّل 50 ألف درهم للطرف الثاني لدى حسابه في أحد البنوك، وبناءً عليه يكون المبلغ مترصداً في ذمته.
وفي قضية ثالثة، ألزمت محكمة أبوظبي للأسرة والدعاوى المدنية والإدارية شاباً بأن يؤدي إلى صديقه مبلغ 300 ألف درهم، كان قد اقترضها منه، وعند مطالبته بردها لم يستجب، وأوضحت المحكمة أن الثابت بالأوراق، من خلال الرسائل الإلكترونية المتبادلة بين طرفي التداعي عبر برنامج «واتس أب»، أن الشاكي أقرض المشكو ضده المبلغ، وطالبه مراراً وتكراراً بالسداد، وبناءً عليه يكون طلب الشاكي قائماً على سند من الواقع والقانون.
وفي دعوى رابعة، قضت محكمة جزئي مدني رأس الخيمة بإلزام رجل بأن يؤدي لقريب له مبلغ 12 ألفاً و700 درهم، كان اقترضها منه ورفض سدادها، على اعتبار أنها مساعدة وهبة، في حين كشفت رسالة «واتس أب» مطالبة المدعي للمدعى عليه بسداد المبلغ، ووعد الأخير بإعادته إليه.
خطوات الاعتراف بالرسائل الإلكترونية
أكد قانونيون أنه وفقاً لقانون المعاملات والتجارة الإلكترونية الاتحادي لسنة 2006، لا تفقد الرسالة الإلكترونية أثرها القانوني أو قابليتها للتنفيذ لمجرد أنها جاءت في شكل إلكتروني. ولا تفقد المعلومات المثبتة في الرسالة الإلكترونية حجيتها القانونية، وإن وردت موجزة، متى كان الاطلاع على تفاصيل تلك المعلومات متاحاً ضمن النظام الإلكتروني الخاص بمنشئها، مشددين على أن ذلك يُتطلب مراعاة بعض الخطوات في محادثات «واتس أب» لتكون ذات أثر قانوني فعّال، منها استخدام الكلمات الواضحة والجمل المحددة أثناء المحادثة، والإشارة إلى الموضوع بشكل صريح، والرد بجُمل واضحة لا تحمل تفسيرات عدة، والامتناع عن استخدام الصور و«الإيموجي» في المحادثة، وأن تكون المحادثة باللغة العربية في حال كان الطرف الآخر عربياً، وذلك لكونها «اللغة المعتمدة في المحاكم»، وذلك منعاً لمجادلة دفاع الخصم في تفسير الكلمات المترجمة، وأن تحمل الرسائل رقم هاتف الخصم، والتأكد من أنه رقمه الشخصي، وكتابة اسم الشخص بشكل واضح خلال المحادثة، حتى لا يستطيع الإنكار والاضطرار إلى إثبات أن الرقم يعود إليه، إضافة إلى الاحتفاظ بسجل الرسائل والمحادثات مع الخصم كاملاً، وعدم حذف أي أجزاء منه.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.