دبي: محمد نعمان
يشكل انتشار الدروس الخصوصية عبر الإنترنت ظاهرة متسارعة في المشهد التعليمي، مدفوعاً بتطور التكنولوجيا، ورغبة الطلاب في الحصول على دعم أكاديمي خارج إطار المدرسة التقليدية.
ومع تزايد الاعتماد على هذه الدروس الخصوصية، برزت تساؤلات جوهرية حول جودة هذا النوع من التعليم، بالإضافة إلى مؤهلات وخبرة المُعلمين الذين يعرضون خدماتهم عبر تلك المنصات.
ويشير المشهد إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي باتت تعجّ بمئات الإعلانات لمُدرسين بعضهم بلا خبرة أو مؤهل أكاديمي مُعتمد، ويقدّمون خدماتهم بأسعار متفاوتة، فهل تحوّلت الدروس الخصوصية الرقمية إلى سوق عشوائية تخضع لقانون العرض والطلب من دون أي معايير واضحة للجودة؟ وما مدى تأثير ذلك على مستوى التحصيل العلمي للطلاب؟
في هذا التحقيق، نستعرض مدى انتشار هذه الظاهرة، ونكشف عن قصص طلاب خاضوا التجربة، وآراء خبراء التعليم حول مخاطرها، في محاولة للإجابة عن السؤال الأهم: هل تُحدث الدروس الخصوصية عبر الإنترنت فارقاً حقيقياً في مستوى التحصيل العلمي لدى الطالب، أم أنها مجرد بديل يحمل تحديات جديدة؟
حلول تعليمية وتكلفة أقل
تباينت الآراء حول هذه الظاهرة بين مؤيد يرى أنها توفر حلولاً تعليمية عملية وبتكلفة أقل، ومُعارض يُحذَّر من تداعياتها على جودة التعليم ومخرجاته، في ظل غياب التحديات التي قد تواجه الطلاب من حيث توافق المناهج والانضباط الأكاديمي، فما الذي يدفع الطلاب وأولياء الأمور إلى اللجوء إلى هذه الدروس؟
البحث عن معلمين
يقول خالد عبد السلام، ولي أمر لطالب في الصف الثاني الثانوي: «اضطررنا إلى البحث عن معلمين من خارج الدولة، بسبب ارتفاع تكاليف الدروس الخصوصية محلياً. وجدنا معلمين أكْفاء من دول عربية أخرى، يقدّمون نفس مستوى الشرح، إن لم يكن أفضل، وبأسعار أقل بكثير».
تقول ريم أحمد، طالبة في الصف الثالث الثانوي، إنها كانت تواجه صعوبة في مادة الرياضيات، لكن منذ أن بدأتْ في أخذ دروس عبر الإنترنت مع معلم من مصر تحسّن مستواها بشكل ملحوظ، وأصبحت تفهم الدروس بسهولة أكبر، وأحرزت تقدماً واضحاً في درجاتها، لكن في المقابل يرى بعض الطلاب أن الدروس الحضورية التقليدية لا تزال هي الأفضل.
في المقابل، يُفضل طلاب آخرون الدروس التي تعتمد على التفاعل الحضوري، حيث يقول أحمد المنصوري طالب في المرحلة الإعدادية: «جربت الدروس الخصوصية عبر الإنترنت، لكنها لم تكن مناسبة لي، حيث أجد صعوبة في التركيز وأفضّل أن يكون المُعلم أمامي حتى أتمكن من الاستفسار مباشرة كما أن الإنترنت يقطع ويعود مرة أخرى، كذلك الضوضاء التي قد أسمعها حين التحدث مع معلمين وقت شرح الدرس».
حل عملي
من جانبهم، يرى بعض أولياء الأمور أن هذه الدروس تمثل حلاً عملياً في ظل ارتفاع تكاليف الدروس الخصوصية داخل الدولة، وتقول منى الشامسي، والدة طالبة في المرحلة الثانوية: «اضطررت إلى البحث عن بدائل بسبب التكلفة المرتفعة. الدروس عبر الإنترنت وفّرت لي خياراً مناسباً من دون التأثير في جودة التعليم».
ويرى آخرون أن هذه الدروس قد تضر بالعملية التعليمية إذا ما تمّ تقنينها بشكل سليم، يقول عبد الله الصوفي، ولي أمر: «لا يمكننا التأكد من جودة التعليم الذي يتلقاه أبناؤنا عبر الإنترنت، كما أن بعض المعلمين ليسوا على دراية كافية بالمناهج المحلية والامتحانات والتدريبات الخاصة بكل مادة».
مصلحة الطالب
من جهة أخرى، عبّر معلمون محليون عن استيائهم من هذه الظاهرة، معتبرين أنها تؤثر في سوق العمل الخاص بهم، ويقول المُعلّم سالم ابراهيم: «نعاني بالفعل من تراجع الإقبال على الدروس الخصوصية بسبب الأسعار المرتفعة، والآن أصبحنا نواجه منافسة غير عادلة من معلمين من خارج الدولة». ويشير إلى أن بعض المعلمين يرون أن التنافس في مصلحة الطلاب، إذ يدفع المعلمين المحليين إلى تحسين أساليب التدريس وتقديم أسعار أكثر تنافسية.
دروس بأسعار تنافسية
وأكد يوسف عبد العزيز (مُعلّم): «إن بعض حديثي التخرج يعمد إلى ممارسة هذه الدروس بلا خبرة، بل وأحياناً أشخاص لم يمارسوا التدريس من قبل يقدّمون أنفسهم كمعلمين ذوي خبرة، من خلال مواقع التواصل الاجتماعي، من دون أي إثبات عملي لمهاراتهم أو كفاءتهم التدريسية».
وأضاف أن ضعف آليات التحقق من الخبرة سمح بازدهار هذه الظاهرة، حيث يعتمد بعض هؤلاء على تقديم دروس بأسعار تنافسية، ما يجعلهم خياراً جذاباً لأولياء الأمور والطلاب، رغم عدم امتلاكهم الأسس التربوية والمهنية اللازمة. وفي كثير من الحالات، تصبح هذه الدروس مصدر دخل رئيسياً لهم، من دون أي التزام بمعايير الجودة أو التقييم الحقيقي للأداء.
مهنة التدريس
وأشارت داليا إبراهيم (مُعلّمة)، إلى أن المشكلة لا تقتصر على التأثير السلبي في التحصيل العلمي للطلبة، بل تمتد إلى تشويه صورة مهنة التدريس، التي تتطلب تدريباً أكاديمياً وتأهيلاً مستمراً.
ومع تزايد الاعتماد على التعلم الرقمي، تبرز الحاجة إلى وضع ضوابط أكثر صرامة، تضمن أن يكون المعلمون عبر الإنترنت مؤهلين بالفعل، وليسوا مجرد مسوّقين لأنفسهم على منصات التواصل.
سلاح ذو حدين
من جانبة قال أحمد السعدي (تربوي): «إن الدروس الخصوصية عبر الإنترنت باتت سلاحاً ذا حدّين، فهي من جهة توفر فرصة للطلاب للحصول على تعليم مرن يتناسب مع احتياجاتهم، لكنها من جهة أخرى تعاني من ضعف المعايير، وهو ما أدى إلى دخول معلمين غير مؤهلين إلى هذا المجال».
وأضاف السعدي: «التعليم الرقمي يجب أن يكون تحت إشراف مؤسسات معروفة ومعتمدة، لضمان جودة المحتوى المقدم وتقييم كفاءة المعلمين. وإلا فإن هذه الدروس قد تتحول إلى مجرد تجارة تفتقر إلى أي أسس تربوية، مما يضر بتحصيل الطلاب».
تقرير حديث
وفي تقرير حديث نشرتة Grand View Research، وهي منصة متخصصة في الاستشارات والأبحاث السوقية مقرها الولايات المتحدة الأمريكية، أن حجم سوق التكنولوجيا في التعليم العالمي الذي يشمل تطبيقات التعليم و«الدروس الخصوصية» عبر الإنترنت بلغ نحو 142 مليار دولار في عام 2023.
وأكد التقرير أنه من المتوقع أن يستمر هذا النمو بوتيرة سريعة بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 13.6% حتى عام 2030، ما يعكس تزايد الاعتماد على الحلول الرقمية في العملية التعليمية.
من جانبها، أوضحت وزارة التربية والتعليم، في وقت سابق أنها أطلقت «تصريح عمل التدريس الخصوصي»، بالتعاون مع وزارة الموارد البشرية والتوطيبن، بهدف تعزيز التعلم وحوكمة الدروس الخصوصية خارج إطار المؤسسات التعليمية، وفق لوائح منظمة بعيداً عن العشوائية.
وأشارت إلى أن التصريح يشمل فئات واسعة، منهم المعلمون في المدارس الحكومية والخاصة، وموظفو القطاعين العام والخاص، وغير العاملين، وطلبة المدارس من 15 إلى 18 عاماً، وطلبة الجامعات.
فرق شاسع
أوضحت منى الشامسي، والدة طالبة في المرحلة الثانوية أنها وجدت مُعلّمة عبر أحد مواقع التواصل الإجتماعي «فيسبوك»، ضمن أحد الجروبات الشهيرة، وبالاتفاق على سعر الحصص وجدت أن الفارق شاسع، حيث إن تكلفة الشهر الواحد «حوالي 8 حصص» قد لا تتجاوز ما يعادل 70– 75 درهماً.
محاذير
يرى التربوي الدكتور محمد إسماعيل أن الدروس الخصوصية عبر الإنترنت يمكن أن تكون مفيدة إذا تمت تحت إشراف ورقابة لضمان جودة التعليم، لكنه يحذر من أن «الاعتماد على هذه الدروس قد يؤدي لإضعاف الدور الأساسي للمدارس» وأن الحل ليس في حظر الدروس، بل في تحسين جودة التعليم في المدارس.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.