تحقيق: ميثا الآنسي
التسيب المدرسي من القضايا الاجتماعية والتعليمية التي تشغل بال الكثير في المجتمع، فالتعليم أساس بناء المجتمعات وتطوير الأفراد، لكن عندما يتجاهل الطلاب المدرسة، يتسبب ذلك في آثار سلبية تتجاوز الفرد إلى المجتمع بأسره، ويؤدي التسيب الدراسي عند بعض الطلاب إلى ارتفاع معدلات الغياب، ما يؤثر في التحصيل الأكاديمي والنمو الشخصي للطلاب.
«الخليج» التقت عدداً من أولياء الأمور والطلبة والمختصين الأسريين الذين تحدثوا عن هذه القضية بدءاً من الأوضاع الأسرية والاجتماعية، وصولاً إلى العوامل النفسية والبيئية، حيث يواجه بعض الطلاب ضغوطاً نفسية أو مشكلات أسرية تجعلهم يفضلون الابتعاد عن المدرسة، كما أن أساليب التعليم التقليدية أحياناً لا تتناسب مع اهتماماتهم، ما يزيد عزوفهم عن الدراسة.
البداية كانت مع عدد من الطلبة الذين تحدثوا عن هذه القضية، حيث قالت مها مبارك العامري، طالبة في الصف العاشر، إن ظاهرة التسيب المدرسي أصبحت من المشكلات التي تواجهنا، وهناك الكثير من الطلاب يعانون التسيب أو التغيب عن المدرسة، وهناك أسباب عدة، أهمها الضغط النفسي الذي يشعر به الكثير من الطلبة، ومواجهة التحديات الدراسية أو الاجتماعية، والواجبات المدرسية المتراكمة، ما يجعلهم يشعرون بالإرهاق والرغبة في الابتعاد عن المدرسة بدلاً من أن تكون مكاناً للتعلم والمرح، لذلك عند الضغوط تتحول المدرسة مصدراً للقلق.
وأضافت أن للبيئة الأسرية دوراً كبيراً في هذا الأمر، لذا أحياناً ترى أن بعض الأسر لا تعطي أهمية كافية للتعليم، ما يؤثر في دوافعهم طلاباً، لذلك عندما نرى أن الأهل غير مهتمين بمسيرتنا التعليمية، قد نتأثر سلباً ونتجاهل الدراسة.
وقالت إن مواجهة التسيب المدرسي تتطلب تعاوناً بين الطلاب والمعلمين والأسر، يمكننا التغلب على هذه الظاهرة وبناء مستقبل أفضل لنا جميعاً.
سلوكات غير مرغوبة
وأشارت شوق اليافعي، طالبة في الصف الحادي عاشر، إلى أن للتسيب المدرسي أضراراً كبيرة تؤثر في حياة الطلاب، وتنعكس على مستقبلهم. وآثارها تتجاوز مجرد التغيب عن المدرسة فهي تؤثر في تحصيلهم الدراسي بسبب فقدانهم دروساً مهمة، وهذا يمكن أن يؤدي إلى ضعف في الفهم ونتائج سيئة في الامتحانات، وعندما يقارنون أنفسهم بالآخرين يشعرون بالإحباط ويدركون بأنهم يضيعون فرصتهم في الحصول على التعليم الجيد، وثانياً هناك تأثيرات سلوكية تجعل الطلاب المتغيبين قد ينخرطون في سلوكات غير مرغوب فيها، حيث يمكن أن يشعروا بالوحدة أو الإهمال، ما يجعلهم يبحثون عن الانتماء في أماكن غير صحيحة.
قلة التحفيز
وأضاف عبد العزيز الهاشمي، طالب في الثانوية، أن هناك أسباباً عدة للتسيب المدرسي، لكن أغلبها قلة التحفيز عند الطلبة، وأن الطلبة يشعرون بأن الدراسة مملة والحصص غير ممتعة، لكن لا يحق للطلاب بأن يتسيبوا، لأنهم المستقبل وعليهم مسؤولية كبيرة، وهناك أسباب مثل المشكلات الأسرية أو النفسية، وأحياناً بيئة المدرسة يمكن تكون غير مناسبة ومريحة، لكن خلال ذلك يفقد الطلاب فرصتهم في تقديم الامتحانات التي تحدد مستواهم، وبسبب ذلك لا يحصلون على المعلومات المفيدة، وينالون العلامات السيئة ثم يؤدي إلى نزول المستوى التحصيلي.
وأكد أن أبرز أسباب سلوك الطلاب، أصدقاء السوء الذين يشجعون على الغياب من المدرسة، وزيادة استخدام مواقع التواصل التي تصل إلى مرحلة الإدمان وتجعلهم غير متمكنين من السيطرة على أنفسهم، والسهر حتى وقت صباح المدرسة على ألعاب أو تطبيقات، لذا عندما يذهب الطالب للمدرسة من دون أن يحصل على قسط كافٍ من النوم يتعرض لصعوبة في التركيز والتعليم، ويشعر بالإرهاق ما يؤثر سلباً في أدائه الأكاديمي وصحته النفسية التي تجعله يقوم باتخاذ قرارات غير صحيحة كالتسيب.
وقال: «مثل أي طالب آخر، أحياناً أشعر بأن جدولي مملوء بالمسؤوليات والواجبات، لذلك، عندما لا أتمكن من إنهاء الأعمال المطلوبة، أميل للبقاء في المنزل، لكنني تعلمت درساً مهماً، وهو أن تنظيم الوقت والتركيز في الصف هما مفتاح الدراسة الخالية من التوتر».
وأشار إلى أن للأسرة دوراً كبيراً، ومن واجبات الوالدين تعزيز الالتزام بالتعليم، وعندما يتابعون دراسة أبنائهم يستطيعون ملاحظة أي ثغرات والعمل على تصحيحها، وهذا يسهم في بناء بيئة صحية وإيجابية وآمنة. كما أن تحسين البيئة المدرسية يتطلب تنظيم اجتماعات دورية بين الأهل والمعلمين لمتابعة تقدم الطلاب، وهذه اللقاءات تعزز التواصل، وتسهم في تحديد احتياجات الطلاب، ما يساعد على تحسين أدائهم الأكاديمي.
قلق أولياء الأمور
كما التقت «الخليج»، عدداً من أولياء الأمور، حيث قالت رجاء عبد اللطيف محمود: «أنا أشعر بالقلق الشديد عندما ألاحظ تسيب أطفالي عن المدرسة، وأريد أن أكون داعمة لهم في كل خطوة، لذلك عندما بدأت ألاحظ تكرار غيابهم، قررت أن أتحدث معهم بصراحة، وجلست مع كل واحد على حدة، وطرحت عليهم أسئلة عما يشعرون به، واكتشفت أن أحدهم كان يواجه صعوبة في الرياضيات، ما جعله يشعر بالإحباط، بينما كان الآخر يعاني بعض المشكلات الاجتماعية مع أصدقائه، وهذا ساعدني على فهم الأسباب الحقيقية وراء تسيبهم، لذا حاولت تعزيز حضورهم بتقديم بعض الحوافز، مثل قضاء يوم ممتع مع الأسرة إذا التزموا الحضور، كذلك تواصلت مع معلميهم للحصول على دعم إضافي، لقد كانوا متعاونين جداً، وأعطوني نصائح بكيفية دعمهم أكاديمياً واجتماعياً».
اهتمام خاص
وأكد محمد علي الحوسني، أن التسيب المدرسي موضوع حساس ومهم يتطلب من أولياء الأمور اهتماماً خاصاً، ومرّ بتجارب عدّة مع أطفاله، ولديه بعض الأفكار عن كيفية الحد من هذه الظاهرة، وهي أن يعمل على وضع قواعد واضحة عن كثرة تسيبهم، ويشرح أهمية التعليم وأثره في مستقبلهم. كما وضع عواقب واضحة للتغيب، لكنه يقدم حوافز إيجابية، مثل مكافآت صغيرة عند الالتزام بالحضور، مضيفاً أنه يحرص على أن يكون جزءاً من حياتهم المدرسية، ويشارك في الأنشطة المدرسية، ويلتقي بمعلميهم للمساعدة على متابعة تقدمهم.
إجراءات
«الخليج» التقت عدداً من مديري المدارس الذين تحدثوا عن هذه القضية، حيث قالت ضحى السلعوس، رئيسة القسم الثانوي لمدرسة خاصة، إن التسيب المدرسي قد يكون نتيجة عوامل، منها مشكلات أسرية، وضغوط نفسية، وضعف الدافعية للتعلم، وصعوبة المناهج، وغياب المتابعة المنزلية، ولكن تتخذ إجراءات بحق المتسبب، مثل التواصل مع أولياء الأمور، وتقديم نصائح وإرشادات فردية للطالب، وإشراك الاختصاصي الاجتماعي أو النفسي في متابعة الحالة، وفي بعض الحالات، توضع خطط تربوية وأكاديمية لتحسين الانضباط، لكن في بعض الأحيان توجد ثغرات تسهم في التسيب تشمل غياب شراكة فعّالة بين المدرسة والأسرة، وعدم توفير أنشطة تحفيزية وتشجيعية للطلاب.
التحصيل الأكاديمي
وأكدت أن التسيب المدرسي يؤثر سلباً في التحصيل الأكاديمي، كما قد يؤدي إلى ضعف المهارات الاجتماعية، وانخفاض الثقة بالنفس، وزيادة احتمالية التورط في سلوكيات سلبية خارج المدرسة، لما يتيح من أوقات فراغ إضافية، وتوفير مبادرات إيجابية قد تساعد على تقليل التسيب، بتنظيم برامج إرشادية تعزز دافعية الطلاب، وإنشاء أنشطة تشجيعية، وتكثيف جلسات الإرشاد النفسي والاجتماعي.
وقالت: في مدرستنا، نقدم برامج مخصصة لتعزيز الانضباط مثل نظام المكافآت لتحفيز الطلاب على الحضور والالتزام، والتعديل بالأنظمة التعليمية لتتماشى مع رغبات واهتمامات الطلاب وجلسات إرشادية منتظمة وتطبيق سياسات واضحة لضمان التزام الطلاب، وكما يتم إشراك أولياء الأمور في متابعة حالات التسيب. مشيرة إلى أن التسيب يؤدي إلى ضعف حضور الحصص التعليمية، ما ينعكس سلباً على فهم المواد الدراسية واستيعابها، كما أنه يقلل فرص التفاعل مع المعلمين والزملاء، ويؤدي إلى تدني الأداء الأكاديمي والتراجع في مستوى الإدراك والمهارات المتوقعة مقارنة بالأقران الملتزمين.
ظاهرة التسيّب
الدكتورة أمينة الماجد، مستشارة علاقات زوجية وأسرية ورئيسة جمعية «المرأة سند للوطن»، قالت: من أبرز الأسباب للتسيب المدرسي الإدارة الضعيفة والحصص المملة وعدم وجود أنشطة وبرامج جاذبة، وعدم وجود أهداف تشويق مدرسي داخلي للطلاب وصعوبة الامتحانات، وهذه العوامل مجتمعه تؤدي إلى نفور الطالب من المدرسة، إلى جانب بعد الإدارة المدرسية والمعلمين عن الطلاب، وعدم احتواء الطلبة.
وأضافت أن هناك نوعين من التسيب وهما التسيب المدرسي والتسيب من الحصص، وينعكس هذا التسيب بتأثيرات تضر بالطالب، وذلك عند عدم وجود الطلاب في الحصص في تكملة السلسلة الدراسية، لأن التعليم حلقات متكاملة، لذا عند تغيبهم عن الفصل تتفكك هذه الحلقات، ولا يمكن للطلاب تعويض ما فقدوه، ويصبح لديهم تراكم ضعف في التحصيل ومن ثم يؤثر بأدائهم في الامتحانات والأداء النفسي، لذا يشعر الطلاب بالضياع وعدم قدرتهم على مواكبة زملائهم في الصف، ما يؤدي إلى تأثير أداء المعلم نفسه والمدرسة أيضاً.
احتواء الأسباب
وأوضحت أنه للحد من التسيب يجب أن يكون هناك تعاون بين إدارة المدرسة والمعلمين وأولياء الأمور لاحتواء أسباب التسيب، ومنها يجب على الاختصاصي الاجتماعي الاجتماع مع الطلبة وتوعيتهم، بعيداً من فرض الضغط والعقوبات، وعدم اللجوء إلى العنف في التعامل معهم، لأن الطلبة الذين اختاروا التسيب يبحثون عن شيء غائب في المدرسة.
وتطرقت إلى أن أحد أسباب التسيب هو التفكك الأسري، فالطالب يشعر بضياع شديد في حياته الأسرية، ما يؤدي إلى عدم وجود ترابط أسري، وعدم وجود مسؤولية من قِبل الوالدين، ويتسبب ذلك في جعل الطلاب عديمي المسؤولية تجاه حياتهم والحصص الدراسية وتجاه التعليم، فتصبح عملية التعليم غير مهمة بالنسبة لهم.
استراتيجيات فعالةوأضافت أن هناك استراتيجيات فعالة للتعامل، وهي: لابدّ من وجود إدارة قريبة جداً من الطلبة، واختصاصي اجتماعي ونفسي قريبين من الطلبة وقريبين لاحتياجاتهم، لكن للأسف تفتقد بعض المدارس الإدارة المتفهمة التي تلبّي احتياجات الطلبة والاحتياجات العمرية والنفسية والاجتماعية، فإدارات هذه المدارس لا تعرف وضع الطالب النفسي والاجتماعي، ومن ثم لا تعرف الإدارة إذا كان والدا الطالب منفصلين أو يعانيان مشكلات نفسية وغيرها.
الدعم العاطفي
يقول محمد علي الحوسني (ولي أمر): «الدعم العاطفي مهم جداً أريدهم أن يشعروا بأنهم ليسوا وحدهم في هذه الرحلة، وأنني هنا لدعمهم في كل خطوة بتقديم الحب والاهتمام، وأعتقد أنني أستطيع مساعدتهم على تجاوز أي تحديات قد يواجهونها».
بيئة جاذبة
تشير ضحى السلعوس إلى أن هناك بعض الحلول التي تساعد على تحسين بيئة المدرسة لتقليل التسيب، وهي تعزيز بيئة تعليمية جاذبة وداعمة، وتنظيم أنشطة متنوعة، وتحسين العلاقة بين الطلاب والمعلمين، وإشراك أولياء الأمور في حياة الطلاب المدرسية.
حلول مناسبة
تؤكد الدكتورة أمينة الماجد أنه يجب على المدارس خلق بيئة تشويقية وممتعة في المدرسة، خاصة في حصص الفراغ أو الاحتياط، وتوفير برامج وأنشطة مشوقة فعالة تناسب الفئة العمرية في المدرسة، وتكثيف المحاضرات والورش التوعوية لتحقيق الأهداف، وتنمية الذات في النجاح.
وقالت: «إعطاء أدوار قيادية داخل المدرسة، على سبيل المثال، في اليوم الأول من الشهر، يتسلم الطلاب الأدوار القيادية، ويشرفون على الغياب والحضور والتسيب، ومن ثم يدركون المخاطر التي يتعرض لها الطلاب. ويجب عدم اختيار الطلبة المتفوقين والممتازين فقط، بل التركيز على الطلبة المتسيّبين والضعاف أيضاً لصقل مهاراتهم».
وأشارت إلى أن التكنولوجيا الحديثة يساعدان الطلبة وأولياء الأمور عبر الرسالة النصية عند بداية الحصة الأولى والحضور والغياب، لكن هذا الشيء لا يلزم الطالب بعدم التسيب بتاتاً، لكن تضبطها المدرسة وتعطي الأعداد والنسب الحقيقة للحضور والتسيب.
وأكدت أنه على المعلمين وإدارة المدرسة والاختصاصيين، أن يكونوا احترافيين عند تعاملهم مع الطلبة، وعدم اللجوء إلى أسلوب التخويف وفرض العقوبات، بل معرفة احتياجات الطلبة، ولا بد من دراستها وعدم فرض عقوبة معينة على جميع الطلبة، لذا كل طالب يوضع له عقاب مناسب له، ولا يكون ذلك جماعياً، ووضع مكافآت لمن يلتزم بعدم التسيّب لخلق بيئة محفزة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.