عرب وعالم / الامارات / صحيفة الخليج

إدارات مدرسية: ضوابط حازمة لإرسال الأدوية مع الطلبة

تحقيق: محمد نعمان

وضعت إدارات مدرسية أخيراً سلسلة من الإجراءات الحازمة التي وجّهتها إلى أولياء الأمور، كان أبرزها التحذير من إرسال الأدوية مع أبنائهم الطلبة إلى المدرسة، من دون مسبق، في إطار سياسة أوسع تهدف إلى ضمان بيئة صحية وآمنة داخل المؤسسات التعليمية. هذه التوجيهات لم تمرّ بهدوء بين أولياء الأمور، إذ تباينت ردود فعلهم ما بين القبول والتحفظ، بينما أكد الكادر التعليمي أن هذه الضوابط جاءت استجابة لحالات واقعية شهدتها المدارس، وليست مجرد إجراءات روتينية.

تشير التفاصيل الصادرة عن الإدارات المدرسية وعدد من دوائر ونقاشات تعليمية إلى أن الأدوية التي تُرسل مع الطلبة غالباً ما تُحفظ داخل حقائب مدرسية غير مهيأة من حيث درجة الحرارة أو الحماية، ما قد يعرضها للتلف أو فقدان الفاعلية، وقد يؤدي إلى مضاعفات صحية خطرة. كما أن بعض الطلبة قد يخطئون في طريقة الاستخدام أو يتناولون الجرعة بطريقة غير صحيحة، إما لجهلهم أو لعدم إدراكهم للخطورة. الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل إن حمل الأدوية بين الطلبة يفتح المجال أمام احتمالات مؤذية، كتبادلها بدافع الفضول أو الخطأ، وهو لا تستبعده المدارس إطلاقاً.

ولهذا السبب، شدّدت الإدارات على أن أي حالة تستدعي وجود علاج داخل المدرسة يجب أن تمر عبر مسار رسمي محدد، يبدأ بتواصل ولي الأمر مع الإدارة عبر الخط الساخن، ثم الحضور شخصياً وتسليم الدواء لقسم شؤون الطلبة مرفقاً بوصفة طبية معتمدة تحدد نوع الدواء، والجرعة، وعدد المرات المطلوبة. وأن المعلمات في عيادة المدرسة أو الممرضات المؤهلات هنّ الجهة الوحيدة المخولة بالإشراف على تقديم الجرعة، بعد التأكد من استيفاء جميع المتطلبات، ووفق تعليمات مكتوبة ومعتمدة.

جرعات غير دقيقة

يقول د. عمرو الظواهري، استشاري طب الأطفال ورئيس قسم في مستشفى «ميدكير الملكي التخصصي»، «إن إرسال الأدوية مع الأطفال إلى المدرسة، من دون إشراف طبي مباشر قد يُعرّضهم لمخاطر صحية غير محسوبة، رغم أن نية أولياء الأمور تكون غالباً بدافع الحرص. ومثل هذا التصرف يمكن أن يؤدي إلى تناول جرعات غير دقيقة، أو مشاركة الدواء مع زملاء آخرين، ما قد ينتج عنه مضاعفات خطرة».

وأضاف «تناول الأدوية في المدرسة، من دون رقابة طبية قد يسبب ردود فعل تحسسية أو آثاراً جانبية كالغثيان والدوار والنعاس، وقد يصل الأمر إلى حالات طارئة تهدد حياة الطفل، خاصة في الأمراض المزمنة كالربو والسكري. وأكد أن البديل الآمن تسليم الدواء إلى العيادة المدرسية مع تقرير طبي مفصل وتعليمات واضحة، ليتابع الكادر الطبي المختص الحالة وضمان الاستخدام الآمن.

كما أيّد قرار بعض المدارس، بمنع إرسال الأدوية مع الطلبة، وعدّه إجراءً مسؤولاً يحدّ من المخاطر الصحية ويضمن تقديم الرعاية تحت إشراف مهني. وأشار إلى أهمية صيانة التكييفات، وتحسين التهوية، وتشجيع النظافة الشخصية، لما لها من دور في الحدّ من الأمراض التنفسية وتخفيف تأثيرات الحساسية الموسمية لدى الأطفال.

حساسية موسمية

وتقول أخصائية التغذية العلاجية د. سينتيا بوخليل، من مركز أمراض الجهاز الهضمي والسمنة «إن الالتزام بالإجراءات الوقائية داخل المدرسية ضرورة لضمان سلامة الطلبة، خاصة مع ارتفاع معدلات الإصابة بالحساسية الموسمية خلال التقلبات المناخية. وعلى أولياء الأمور عدم إرسال أي أدوية مع أبنائهم، من دون تنسيق مسبق مع إدارة المدرسة، لما قد يسببه ذلك من مخاطر تتعلق بطريقة الحفظ أو الاستخدام الخطأ».

وأوضحت أن تسليم الأدوية يجب أن يكون حصراً عبر ولي الأمر إلى العيادة المدرسية، مرفقاً بوصفة طبية معتمدة توضح نوع الدواء والجرعة والمدة، لضمان التعامل الآمن مع الحالات. وشدّدت على أهمية أن تكون العيادة المدرسية على دراية كاملة بالحالة الصحية للطالب، خاصة في حالات الأمراض المزمنة، كالحساسية أو الربو، لتقديم الرعاية السريعة في حال ظهور الأعراض.

المتابعة الوقائية

وأضافت أن دور العيادة لا يقتصر على صرف الأدوية، بل يشمل المتابعة الوقائية والتنسيق مع الجهات الصحية عند الاشتباه في أي أعراض معدية. ودعت أولياء الأمور إلى التعاون الكامل مع المدرسة، حفاظاً على بيئة تعليمية صحية وآمنة للجميع. وإلى شراكة وثيقة بين الأسرة والمدرسة في مراقبة سلوك الطفل الغذائي، وتنظيم حملات تثقيف غذائي تُعنى بالتوعية بأهمية الوجبة المتوازنة وتأثيرها الإيجابي في المزاج والأداء الدراسي. فالغذاء، كما تقول، ليس مجرد مسألة طاقة، بل عامل حاسم في بناء طالب أكثر صحة، وأكثر قدرة على التفاعل مع محيطه.

إشراف طبي

أكدت الدكتورة شروتي بونايو، ، اختصاصية طب الأطفال في مستشفى «ميدكير»، أن تسليم الأدوية للأطفال لإحضارها إلى المدرسة، من دون إشراف طبي مباشر إجراء محفوف بالمخاطر، حتى وإن كان بدافع القلق والحرص من الأهل. لأن الطفل قد يخطئ في توقيت أو طريقة تناول الدواء، أو يستخدمه في غير الوقت المناسب، أو حتى يشاركه مع زميل يعاني حالة مختلفة، ما قد يؤدي إلى مضاعفات مفاجئة.

وشددت على أن التعامل مع الأدوية في البيئة المدرسية يجب أن يمر حصراً عبر العيادة المدرسية، حيث يسلّم الدواء ولي الأمر مرفقاً بتقرير طبي معتمد وتفاصيل دقيقة عن الجرعة والمدة. ورأت أن وجود فريق طبي متخصّص داخل المدرسة ليس مجرد عنصر دعم، بل ضمانة حقيقية للاستجابة الفورية في حال حدوث طارئ. وأشارت إلى أن البيئة المدرسية، بطبيعتها الجماعية، تتطلب أعلى درجات التنظيم في التعامل مع الحالات الصحية، خصوصاً مع انتشار أمراض موسمية كالحساسية والالتهابات التنفسية. وختمت بقولها إن سلامة الطالب لا تعتمد فقط على الدواء، بل على طريقة تقديمه، وتعاون الأهل.

سلامة الطالب

من جهة أخرى، يرى أولياء أمور أن مثل هذه الإجراءات تحمي أبناءهم من احتمالات لم تكن تخطر ببالهم.

يقول فيصل عيسى المعمري، والد طالب في الصف الخامس: «قبل سنتين، أعطى أحد الطلبة زميله قرصاً مهدئاً على أنه دواء للصداع، وتعرض الطالب لهبوط شديد وتدخلت العيادة المدرسية وأنقذت ابني وقتها. نحن لا نريد تكرار هذه الحالة. المنع مهم، والتنظيم أكثر أهمية».

وفي الوقت الذي يشكو فيه بعض الأهالي من صعوبة ، خاصة في الحالات التي تتطلب تناول الدواء خلال وقت قصير بعد الحصة الأولى، تؤكد إدارات مدرسية أن سلامة الطالب مقدمة على أي مرونة. ومن هذا المنطلق، ترفض المدارس قطعياً حضور الطالب المصاب بمرض معدٍ قبل أن يتعافى تماماً، ليس ظاهرياً فقط، بل سريرياً ومختبرياً. ولا يُسمح بعودة الطالب إلى المدرسة إلا بعد تقديم تقرير طبي معتمد يؤكد خلوّه من العدوى، ما يضمن عدم تعريض بقية الطلبة والكوادر التعليمية لأي خطر.

الأمر لا يتوقف عند منع المصاب من الحضور، بل يشمل سلسلة من الإجراءات الوقائية تبدأ من اللحظة التي تظهر فيها على الطالب أعراض مرضية عامة، كارتفاع الحرارة، والسعال، والإعياء، أو الطفح الجلدي. في هذه الحالة، يتحمل ممرض المدرسة مسؤولية الإبلاغ، والتنسيق مع ولي الأمر لنقل الطالب إلى المركز الصحي، مع إبقائه في مكان معزول نسبياً عن زملائه حتى وصول ذويه.

تقول أم حمد إبراهيم البلوشي، ولية أمر طالب في الصف الرابع: «إن تلك الإجراءات جعلتني أكثر حرصاً على التأكد من شفاء ابني تماماً قبل إعادته للمدرسة. إنه يعاني أحياناً حساسية موسمية، وكنت أرسل معه دواءً خفيفاً مضاداً للهيستامين، لكن بعد تلك التعاميم أصبحت أضطر لاحتجازه في المنزل حتى تختفي الأعراض تماماً».

إجراءات ضرورية

وأكد معلمون عبر منصات مختلفة تبثّ عبر «Microsoft teams» وفي حلقات نقاشية مدرسية مع أولياء أمور أن هذه الإجراءات ليست مبالغاً فيها كما يظن بعضهم، بل هي ضرورية جداً في ضوء ما شهدته المدارس من حالات عدوى انتشرت بسرعة بين الطلبة، لا سيما أن الشتاء الماضي، بدأت الإنفلونزا من طالب واحد، وخلال أسبوع أصيب أكثر من ثلث الصف. الأهل يرسلون أبناءهم رغم أنهم مرضى، بحجة أنهم لا يقدرون على التغيب. هذا غير مسؤول.

وأوضحوا أن المشكلة ليست في الضوابط، بل في توعية أولياء الأمور بها. الكثير من الأهل لا يقرؤون الرسائل التي ترسلها المدرسة، أو لا يأخذونها بجدية. ثم عندما يُمنع الطالب من الدخول يبدأ الغضب والاعتراض.

وتبقى الإشكالية الكبرى في الحالات الطارئة التي لا يُعلم بها مسبقاً. الطالب الذي يشعر بألم مفاجئ في البطن، أو تظهر عليه أعراض حساسية لم تشخّص من قبل، يمثل تحدياً للمدرسة.

العيادات المدرسية

تجدر الإشارة إلى أن مدارس كثيرة باتت تحتفظ بعدد محدود من الأدوية العامة في العيادة المدرسية، لكن استخدامها يخضع لضوابط شديدة. يُمنع صرف أي دواء إلا بعد الرجوع لولي الأمر، والحصول على إذن صوتي أو مكتوب، إلى جانب مراجعة ملف الطالب الطبي. وهذا الإجراء وإن بدا معقداً، فإنه نابع من حرص واضح على تجنب أي أخطاء طبية قد تُرتكب بحسن نية. كما أن بعض المدارس ليست مؤهلة دائماً للتعامل مع الحالات الصحية الخاصة.

في السياق ذاته، تؤدي العيادات المدرسية دوراً محورياً في مواجهة أي احتمال لتفشي الأمراض. عند وجود مؤشرات لانتشار حالة عدوى جماعية، تتواصل العيادة فوراً مع مركز الصحة العامة، وتنفذ سلسلة من الإجراءات تشمل التعقيم، وتعليق بعض الأنشطة، ومراقبة الطلبة المخالطين.

مسؤولية مشتركة

يقول ياسر علي المهري، والد طالبة في المرحلة الثانوية: «كثير من الأسر كانت تتساهل سابقاً في إرسال أبنائها المرضى إلى المدرسة. وكنا نظن أنه ما دام ليس هناك حرارة فالموضوع عادي. لكن بعد أن أصيبت ابنتي بعدوى من زميلتها، واضطرت للغياب عشرة أيام، تغير تفكيري تماماً. نحن نتحمل جزءاً من المسؤولية».

الإجراءات الحالية التي وصفها بعض ذوي الأمور بأنها «مُشدّدة» أثارت تساؤلات عن الطالب الذي يتغيب لأسباب صحية لكنه لا يحمل تقريراً طبياً. بعض المدارس تشدد على ضرورة وجود التقرير، وإلا يُحسب الغياب غير مبرر. هذه الجزئية تخلق ضغطاً على الأهالي، خاصة عند الإصابة بأمراض خفيفة لا تستدعي مراجعة طبية.

التعليم والصحة

بتعاون الجميع، من أولياء الأمور إلى الكادر الإداري والتعليمي، مروراً بالمراكز الصحية. التعليم لا يُفصل عن الصحة، والمدرسة لا يمكن أن تكون بيئة تعلم منتجة ما لم تكن بيئة صحية. المسألة ليست مجرد تعليمات على الورق، بل منظومة وقائية تتطلب وعياً جماعياً.

إجراءات

رغم أن بعض أولياء الأمور يرون الإجراءات مرهقة، فإن الأغلبية ترى أنها ضرورة وليست خياراً. البيئة المدرسية تضم مئات الطلبة من أعمار مختلفة، وبعضهم يعاني مناعة ضعيفة، أو أوضاعاً صحية لا تحتمل المجازفة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا