عبّر الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن دعمه الصريح والقوي للتجربة الاقتصادية الراديكالية التي ينفذها الرئيس الأرجنتيني، خافيير ميلي، وذلك خلال لقائهما الأخير على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وقال ترامب بحماس: «نحن ندعمه بصورة مطلقة، ونعتقد أنه يقوم بعمل رائع، فهو مثلنا ورث الكثير من الفوضى عن سلفه»، في إشارة إلى الدعم السياسي والاقتصادي الكامل، الذي تنوي الولايات المتحدة تقديمه لميلي، الذي يواجه أزمة اقتصادية حادة تهدد استقرار بلاده.
هذا التأييد لم يقتصر على الكلمات فحسب، بل أعلن وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، أن الولايات المتحدة مستعدة لتقديم «كل ما تحتاج إليه الأرجنتين»، سواء عبر خط مبادلة بالدولار الأميركي بقيمة 20 مليار دولار، أو عبر شراء السندات الأرجنتينية بشكل مباشر.
حليف استراتيجي
هذه التحركات تؤكّد أن إدارة ترامب تنظر إلى الأرجنتين، تحت قيادة ميلي، كحليف استراتيجي وأيديولوجي في أميركا اللاتينية.
لكن إلى جانب الأبعاد الأيديولوجية، يرى محللون أن الدعم الأميركي لميلي يعكس مخاوف استراتيجية من تمدد النفوذ الصيني في أميركا اللاتينية، فالولايات المتحدة تسعى لتثبيت وجودها في المنطقة من خلال دعم أنظمة حليفة تتبنى سياسات اقتصادية ليبرالية وتناهض الصين.
ولطالما حشدت الإدارات الأميركية السابقة الدعم المالي لبوينس آيرس في السابق، حيث كان الرئيس السابق، بيل كلينتون، من أشد المعجبين بإصلاحات الرئيس الأرجنتيني السابق، كارلوس منعم، في تسعينات القرن الماضي، لكن استعداد ترامب للتدخل المباشر، أحدث مثال على تصميمه على استخدام الأدوات الاقتصادية لأغراض سياسية، وهو في هذه الحالة، يدعم حليفاً أيديولوجياً، الذي طالما كان من أقرب حلفاء ترامب، لاسيما أنهما تجمعهما أيديولوجية واحدة.
«المرأة الحديدية»
خافيير ميلي، الذي وصل إلى السلطة قبل عامين، مدفوعاً بموجة من الاستياء الشعبي من الأوضاع الاقتصادية، تعهد بكسر التقاليد السياسية وإعادة تشكيل الأرجنتين من جذورها، على غرار ما فعله ترامب في الولايات المتحدة، وبوريس جونسون في المملكة المتحدة، وبينما تتشابه توجهات ميلي السياسية مع ترامب، فإن نهجه الاقتصادي مستوحى بوضوح من «المرأة الحديدية» مارغريت تاتشر، رئيسة الوزراء البريطانية السابقة، التي أبدى ميلي إعجابه بها، واصفاً إياها بـ«العبقرية».
إن أولى أولويات ميلي الاقتصادية هي محاربة التضخم الذي تجاوز 25% شهرياً مع بداية ولايته، لكن التحديات في الأرجنتين تختلف جذرياً عن تلك التي واجهت تاتشر في ثمانينات القرن الـ20، فالوضع المالي متأزم، والنظام الاقتصادي هش، والبلاد مهددة بالانهيار.
إصلاحات قاسية
إلا أن ميلي، رغم افتقاره للأغلبية البرلمانية، أطلق برنامج إصلاحات اقتصادية قاسياً يتضمن خفضاً حاداً للإنفاق العام، وتقليصاً لرواتب التقاعد والأجور في القطاع العام، وتسريح أكثر من 48 ألف موظف حكومي، كما شنّ حملة ضد النقابات، وسعى لخصخصة أصول الدولة، محاكياً بذلك سياسات تاتشر «النيوليبرالية».
وكان ميلي التقى في مؤتمر «العمل السياسي المحافظ» بالولايات المتحدة مع الملياردير الأميركي، إيلون ماسك، حيث تم تداول فكرة أن أسلوب ميلي ألهم بعضاً من سياسات تقليص الإنفاق في شركات ماسك، والتي أسفرت بدورها عن تسريح آلاف الموظفين الأميركيين.
وقد لاقت هذه السياسات ترحيباً من صندوق النقد الدولي، الذي منح الأرجنتين دعماً مالياً بقيمة 20 مليار دولار، في أبريل الماضي، وفي لفتة رمزية، ارتدت المديرة العامة للصندوق، كريستالينا غورغيفا، شارة منشار فضية، أهداها لها وزير الاقتصاد الأرجنتيني، فيديريكو ستورزينيغر، تعبيراً عن سياسة «القطع والإصلاح».
العلاج بالصدمة
لكن هذا «العلاج بالصدمة» لم يمر من دون انتقادات، خصوصاً من داخل الأرجنتين، فقد حذّرت الخبيرة الاقتصادية، لوسيا سيرمي أوبون، من التأثير الإنساني المدمر لهذه السياسات، معتبرة أن نتائج الإصلاحات حتى الآن لم تؤدِّ إلى أي تحسن ملموس في جودة حياة السكان، بل تسببت في تفاقم الركود الاقتصادي، وزيادة الفقر، وارتفاع البطالة بنسبة نقطتين مئويتين.
وقالت أوبون، إن الأجور الحقيقية شهدت انخفاضاً حاداً، كما أدى فتح الاستيراد إلى تراجع الصناعات الوطنية، وتقليص الدعم الاجتماعي للشرائح الضعيفة مثل المتقاعدين وذوي الإعاقة. وأشارت إلى أن النساء تضررن بشكل خاص من هذه السياسات، ما تسبب في تراجع ملحوظ في التقدم على صعيد المساواة بين الجنسين.
كما أشارت إلى أن البطالة ارتفعت بمعدل نقطتين مئويتين، لكن أوبون تجادل بأنه يوجد أيضاً بطالة خفية ضخمة، حيث إن عمال المصانع السابقين باتوا يتزاحمون للعمل في وظائف اقتصادية مؤقتة، وبعيدة تماماً عن اختصاصاتهم، ومنخفضة الأجر، مثل قيادة سيارات «أوبر».
وأفادت بأنه على الرغم من أن الهدف من نهج ميلي، كان إطلاق العنان لقطاع الشركات، وفتح الطريق أمام نمو اقتصادي متزايد، إلا أن الاستثمار كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي قد انخفض بالفعل.
مخاوف كبيرة
وعلى الرغم من دفاع ميلي عن خطة «دولرة» الاقتصاد - أي استبدال العملة المحلية بالدولار الأميركي - إلا أن هذه السياسة أثارت مخاوف كبيرة، خصوصاً أن ربط العملة الأرجنتينية بالدولار تسبب سابقاً في أزمات اقتصادية متعددة.
ومع أن ميلي لم يتمكن من تنفيذ خطة «الدولرة» بالكامل، إلا أنه عمد إلى خفض قيمة البيزو إلى أكثر من النصف، معتبراً أن هذا الخفض سيسهم في تعزيز الصادرات وتحفيز النمو، لكن الأسواق المالية لم تطمئن، بل تعرض البيزو لضغوط بيع مكثفة، لاسيما بعد الأداء الضعيف لميلي في الانتخابات التشريعية المحلية بمقاطعة بوينس آيرس، والتي وصفها بأنها «معركة حياة أو موت».
كما أن شبهات الفساد التي لاحقت شقيقته كارينا ميلي، التي تتمتع بنفوذ كبير داخل السلطة، زادت من حالة عدم الاستقرار، وكنتيجة لذلك، اضطر البنك المركزي الأرجنتيني إلى استخدام أكثر من مليار دولار من احتياطاته لمحاولة دعم العملة، قبل أن تعلن الولايات المتحدة استعدادها للتدخل المالي. عن «الغارديان»
مستقبل العلاقة بين واشنطن وبوينس آيرس
بعد إعلان وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، دعم بلاده للأرجنتين، هدأت السوق الأرجنتينية، لكن يبقى مصير خطة الرئيس الأرجنتيني، خافيير ميلي، الاقتصادية، ومستقبل العلاقة بين واشنطن وبوينس آيرس، مرهونين بنتائج انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي، في أكتوبر المقبل، ومدى قدرة الأرجنتينيين على تحمل كلفة سياسات ميلي الصارمة.
ميلي، الذي يستوحي نهجه الاقتصادي من مارغريت تاتشر، أطلق برنامج إصلاحات اقتصادية قاسياً يتضمن خفضاً حاداً للإنفاق العام.
• أميركا أكدت استعدادها لدعم الأرجنتين، سواء عبر خط مبادلة بالدولار بقيمة 20 مليار دولار، أو عبر شراء السندات الأرجنتينية مباشرة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.