في ظل تنامي سيطرة التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي المتزايدة على مختلف مجالات العمل والحياة، تفتح أبوظبي نافذة عريضة على الماضي، وتحتفي بالمخطوطات التاريخية التي تمثل جزءاً ثميناً من الإرث العربي والإنساني بشكل عام، وما تضمه هذه المخطوطات من كنوز العلم والمعرفة في شتى المجالات، لتسليط الأضواء على المخطوطات العربية والإسلامية وما يرتبط بها من معارف وفنون، إذ شهدت العاصمة افتتاح المعرض المتنقّل الرائد «حبر من ذهب: رحلة عبر المخطوطات العربية والإسلامية»، الذي يقام في قصر الوطن بأبوظبي لمدة ستة أشهر، لتسليط الضوء على غنى وجمال وثراء تراث المخطوطات العربية والإسلامية وما تركته من أثر عالمي بارز.
وتزامن المعرض الذي تنظمه دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي بالتعاون مع جامعة ماكغيل الكندية، مع انطلاق فعاليات «مؤتمر أبوظبي الدولي الرابع للمخطوطات»، صباح أمس، في المجمع الثقافي بعنوان «جماليات الفنون البصرية في المخطوطات العربية والإسلامية»، والذي يستمر على مدى يومين.
مقتنيات نادرة
ويتضمن «حبر من ذهب» مجموعة حصرية من كنوز مقتنيات مكتبات أبوظبي، إلى جانب مساهمات بارزة من جامعة ماكغيل، ومتحف زايد الوطني، ومتحف اللوفر أبوظبي، ومجموعات خاصة مرموقة في دولة الإمارات، ما يمنح الزوار فرصة للاطلاع على مقتنيات محلية نادرة، خصوصاً مُقتنيات متحف زايد الوطني المرتقب افتتاحه هذا العام.
ويأخذ المعرض زواره في رحلة استكشافية تمتد عبر قرون من الإنجازات الفكرية والفنية، تُجسّدها مخطوطات نادرة حول التراث الفكري والفني للعالم الإسلامي في مجالات متنوعة كالعلوم والأدب، والدين، والفن، والفلسفة. ويرتكز تصميمه على ثنائية الكشف والإخفاء بأسلوب يعزّز فضول الزائر، ويحفّزه على خوض رحلة استكشاف متأنية، تكشف كنوز المخطوطات خطوة بعد أخرى، بالتركيز على أربعة موضوعات رئيسة، تتناول جانباً مميّزاً وفريداً من جوانب المخطوطة باعتبارها وعاءً للفكر والرؤية، بداية من «رحلة الخط العربي»، الذي يتتبع ويستعرض تطور الخط العربي منذ نقوشه الأولى، وصولاً إلى تقاليده الرفيعة التي حوّلت اللغة إلى فن بصري راقٍ.
في هذه الزاوية، تتجاوز الكلمة المكتوبة حدود التواصل لتغدو هندسة للمعنى والشكل، ثم ينتقل إلى «زخرفة الكلمة المكتوبة»، حيث تُعرض المخطوطات كتحف بصرية، مُزينة بالذهب والألوان والتصاميم الدقيقة. في هذا المحور، لا يُحتفى في هذا الجانب بما يُقرأ فحسب، بل بكيفية رؤيته، إذ تتحول كل صفحة إلى عمل فني غني بالإتقان والخيال والروحانية.
وينتقل المعرض من الزخرفة إلى الفكر، عبر مسار «الحواشي في المخطوطات»، الذي يكشف للزوار عالماً موازياً من المعرفة، ففي حواشي المخطوطات تتجلى ملاحظات وشروح وتعليقات تُضيء حوارات نابضة بالحياة بين الماضي والحاضر، بين المعلم والطالب، وبين النص وتفسيره، لتظهر المخطوطات كفضاءات ديناميكية للتبادل الفكري والاستمرارية الثقافية.
وتُختتم رحلة الزائر في «الطباعة الحجرية»، ما يعطي الزوار لمحة نحو مستقبل إرث المخطوطات، كما يُبرز كيف تجاوبت تقاليد المخطوطات مع الحداثة بمرونة. فمن خلال الطباعة الحجرية اكتسبت المعرفة المكتوبة أفقاً جديداً وانتشاراً أوسع، ما ضمن استمرار إرث المخطوطات في الإلهام والتطور عبر العصور.
ويُسلّط المعرض الضوء أيضاً على الدور المحوري الذي تقوم به مكتبات أبوظبي في احتضان وحفظ وصون مجموعات المخطوطات النادرة. فهذه المستودعات المعرفية تحفظ وتثري الفهم الجماعي للتراث العربي والإسلامي، مُحددة ملامح الهوية الوطنية، ومسهمة في صياغة المستقبل من خلال تعميق إدراك الماضي ورعاية الحاضر ورسم ملامح الطريق تمهيداً للمستقبل. وبهذا، تتحول أبوظبي إلى جسر يصل بين التراث والحوار المعاصر، لتُشكل منصة لحماية الهوية الثقافية والاستكشاف الفكري، مُشجّعةً على الإلهام والفخر الوطني، ومُعززة مجتمعاً أكثر ترابطاً.
ذاكرة المجتمعات
من جهتهم، أكد أكاديميون وباحثون أهمية المخطوطات باعتبارها ذاكرة المجتمعات البشرية، والوعاء الذي أسهم في حفظ المعارف الإنسانية على مر قرون، مشددين على أن علم المخطوطات مازال قادراً على جذب اهتمام الأجيال الجديدة، وأن يستفيد من التطور التقني في تحقيق نتائج أكثر دقة وأهمية من قبل. ودعوا للعمل على جذب الأجيال الجديدة لهذا المجال المهم، وتخريج باحثين يجمعون بين الأصالة والتطور.
من جانبه، قال رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، محمد خليفة المبارك، إن تنظيم المؤتمر الدولي الرابع للمخطوطات يعكس جهود الإمارة في دعم الحوار الحضاري، والمحافظة على التراث والإرث العربي والإنساني المشترك، وهو تأكيد على المسؤولية المشتركة في حفظ ودراسة ونشر تراث المخطوط العربي والإسلامي أمام العالم، مشيراً خلال افتتاح المؤتمر إلى أن صون التراث هو استثمار في مستقبل الإنسانية، وأن المخطوطات أكثر من مجرد وثائق تاريخية، فهي شهادات حية على قوة الإبداع الإنساني.
بينما دعا رئيس مجلس إدارة مؤسسة مكتبة محمد بن راشد آل مكتوم، محمد المر، إلى بذل مزيد من الجهد لتشجيع حركة تحقيق المخطوطات في العالم العربي، والتي مازالت لا تقارن بالجهود المبذولة في الغرب، كما أن كثيراً من المخطوطات تعرض للإهمال، مشيراً في مداخلته خلال الجلسة الافتتاحية، إلى أن هناك جيلاً جديداً من المحققين، ظهر في الفترة الحالية أكثر عمقاً ومقدرة، وقدموا أبحاثاً ودراسات جديدة علمية ومستفيضة، بفضل ما توافر لهم من وسائل وأدوات وتقنيات تسهم في دعم الدراسة والبحث والمقارنات بين النسخ المختلفة، وهو ما يثلج الصدر.
وأشاد المر باختيار المخطوطات الفنية موضوعاً للمؤتمر، مرجعاً ذلك إلى قلة الدراسات التي تناولت هذا النوع من المخطوطات، بسبب نظرة بعض المدارس الدينية للفنون. وأعرب عن أمله في أن تتبنى دائرة الثقافة والسياحة بأبوظبي، في ظل تعاونها الثقافي والمعرفي الكبير مع فرنسا، إصدار نسخة جديدة من مخطوطة «مقامات الحريري» المحفوظة في المكتبة الوطنية الفرنسية، والتي تُعد أقدم نسخة مؤرخة وآمنة لمقامات الحريري المصورة.
حُماة تراثنا
قال رئيس دائرة الثقافة والسياحة - أبوظبي، محمد خليفة المبارك: «بالتعاون مع جامعة ماكغيل، واستضافتنا لنخبة من الخبراء والعلماء والطلاب والمهتمين من أنحاء العالم، نحن ملتزمون بتوفير منصة مثالية لهم لتوسيع آفاقهم، والتفاعل مع نظرائهم من المتخصصين والأكاديميين. ومن خلال جمع كبار الباحثين جنباً إلى جنب مع الأجيال الأكاديمية الناشئة، نسعى إلى إرساء حوارات ملهمة، وتحفيز الجيل المقبل ليكونوا بدورهم حُماة تراثنا، وترسيخ مكانة أبوظبي كمركز عالمي للتبادل الثقافي والفكري والتميّز الأكاديمي».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة الامارات اليوم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من الامارات اليوم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.