تحقيق: جيهان شعيب
يطول الحديث عن الألعاب الإلكترونية العنيفة، والأفلام ذات الطابع الدموي، ويتكرر ويتواصل منذراً بخطورتها على الشباب الصغير، فيومياً تصفعنا جريمة مروعة تخرج عن سياق المعتاد، ارتكبها شاب في دولةٍ أوأخرى، ولحظياً تصدمنا حقائق مستجدة عن الأدغال المظلمة والخفية لمواقع التواصل الاجتماعي، التي تأخذ الصغار للسقوط في فخاخ ملغمة بالعنف والعدوانية والوحشية.
وفقاً لاعتراف منظمة الصحة العالمية، فإدمان الصغار الألعاب الإلكترونية والأفلام العنيفة، يولد سلوكاً عدوانياً مفرطاً، يدفع بعضهم إلى محاولة الاعتداء على زملائهم باستخدام أدوات حادة، وهو ما يسمى «اضطراب الإدمان على الألعاب»، لذا ستظل هذه القضية قيد التناول وستبقى محل تفنيد وطرح، وبحث لا ينتهي عن الحلول والمخارج الواجبة لحماية صغارنا.
سلبيات ومساوئ وربما «مصائب» إدمان الصغار الألعاب الإلكترونية بما تحتويه من مسابقات غير مقننة وأفلام قتل مروعة وسرقات وتنكيل، أضحت تمثل رعباً على المستوى التربوي والاجتماعي، فضلاً عن الجهد الذي يقع على عاتق الأجهزة الأمنية في كشف وضبط مرتكبي مثل هذه الجرائم، التي يرتكبها صغار تتمحور دوافعهم في تقليد ومحاكاة ما يشاهدونه في الألعاب والأفلام، وما اطلعوا عليه في بعض المواقع الخبيثة.
بالأمس صدمتْ عالمَنا العربي جريمةُ قتل وقعت في مصر، ارتكبها طفل لا يتعدى 14 عاماً، قتل زميله الأصغر منه بعام، بضربهِ بآلةٍ حادة على رأسه مرات عدة، وعندما تأكد من موته، قطع جثته إلى ستة أجزاء، وطهى جزءاً من ساقه وأكله، ومن ثم حمل أجزاء الجثة في حقيبته المدرسية على مراحل، ودفنها في مواقع متفرقة من المدينة التي يقطنها.
وبضبطه والتحقيق معه قال إنه كان يتابع مسلسلاً أجنبياً عنيفاً «ديكستر» على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، وأراد تقليد ما قام به البطل، وأنه كان يعلم أنه سيُضبَط ولكن بعد فترة طويلة نسبياً كما حدثَ لبطل الفيلم، وليس بصورة سريعة، فيما أنه رغم علمه بالعقاب المتوقع، لم يمنعه ذلك من ارتكاب الجرم، لأن تأثره وفضوله وشغفه بما شاهده، فاق حد خوفه مما ينتظره، وهنا كارثة أخرى!!!!
اضطراب الإدمان
أكدت منظمة الصحة العالمية أن إدمان الصغار الألعاب الإلكترونية والأفلام العنيفة، يولِّد سلوكاً عدوانياً مفرطاً لدى بعضهم، يدفعهم إلى محاولة الاعتداء على زملائهم، ويسمى هذا «اضطراب الإدمان على الألعاب»، خاصةً لمن يقفون على عتبة المراهقة، لما يعتريهم من تغييرات فسيولوجية مختلفة تجب مراعاتها، فضلاً عن الانبهار الطفولي الذي يتملَّكُ كثيراً منهم، بما يشاهدونه، ويغلب إدراكهم النسبي، غير المكتمل بالعواقب والتبعات، لذا فوقوع جرائم من هذا النوع، يدق ناقوس الخطر محذراً بضرورة الانتباه للصغار ومتابعتهم بشكل دقيق واحتوائهم، وتأتي الأُسَر على رأس هَرَم المسؤولية.
وجاء في بحث نشرته إحدى الصحف السعودية، أنّ الألعاب الإلكترونية قد تؤدي إلى انتحار وتحرش بين الأطفال والمراهقين، بينما في الإمارات، أشار تقرير إلى أن الأطفال والمراهقين يقعون ضحايا لابتزاز عبر ألعاب إلكترونية تواصلوا خلالها مع أشخاص مجهولين.
فيما بينت دراسة تحليلية حديثة في تركيا، أن التطور التكنولوجي جعل الأطفال أكثر عرضة للتهديدات من العالم الافتراضي، وذكر تقرير في الكويت أن حوالي 69.9٪ من الجرائم التي ارتكبها مراهقون يُعتقد أنها مستوحاة من ألعاب إلكترونية، فيما ذكرت دراسة في الولايات المتحدة أن احتمال لمس الأطفال لسلاح حقيقي يرتفع بعد لعبهم ألعاباً إلكترونية عنيفة.
وقائع مؤكدة
الدلالات المؤكدة خير شاهد على واقع وأبعاد الظواهر محل النقاش دائماً، وفيما يأتي سرد لبعض جرائم الشباب محلياً وعربياً وعالمياً، استلهموها من الألعاب الإلكترونية والأفلام.
في عام 2019 سجلت محكمة الجنايات بدبي «أول قضية من نوعها» استُخدمت فيها اللعبة «بوبجي» كوسيلةٍ لارتكاب جريمة إلكترونية، حيث أقدم شاب خليجي (19 عاماً) على استخدم اللعبة في سب فتاة وتهديدها بإرسال رسائل صوتية من داخل اللعبة، ثم عبر «إنستغرام» و«سناب شات»، وذلك بعد أن قامت بحظر اسمه.
وفي مصر وفي مدينة كفر صقر - محافظة الشرقية، قَتل طفل «17 عاماً» جارته المسنة وسرق أموالها، ثم أشعل النار في شقتها، لتعويض خسارته المالية في لعبة مراهنات إلكترونية، كان أدمنها لفترة طويلة.
وعلى مستوى العالم، قَتل طفل روسي عامَ 2018 والده طعنًا بالسكين ثم فجّر نفسه لاحقاً، لِهَوَسه بلعبة إلكترونية عن بناء العالم بعد «تدمير النظام»، وفي اليابان عام 2004، قتلت فتاة (17 عاماً) والدتها بفأس وقالت إنها تدرّبت على ذلك في لعبة.أما في بريطانيا، فقد تعرَّف مراهق (14 عاماً) على آخر عبر منصات اللعب، وبعد توطد علاقتهما زاره في منزله وقتله طعناً، تقليداً لما شاهده في إحدى الألعاب، وفي البرازيل عام 2007 قتل مراهق زميليه في المدرسة بسلاح والده، واعترف أنه كان يرى في نفسه جندياً يقتل الأعداء، وفقاً لما شاهده في أحد أفلام الفيديو.
تشكُّل السلوك
فنَّد د. عبد العزيز النعيمي واقع ظاهرة العنف الإلكتروني موضحاً أن الدراسات الحديثة تشير إلى أن أفلام العنف، والألعاب الإلكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي أصبحت عوامل قوية تُعيد تشكيل السلوك والقيم لدى الأجيال الصغيرة، وتؤثر في النسيج الاجتماعي والتاريخي للمجتمعات، مستدلاً بدراسات على مستوى العالم، منها دراسة من جامعة «مونتريال» الكندية، أكدت أن مشاهدة الأطفال لمشاهد العنف في التلفزيون تؤدي إلى زيادة احتمال السلوكيات العدوانية، والمعادية للمجتمع في مرحلة المراهقة، خاصةً لدى الذكور.
وتمتد هذه التأثيرات لسنوات، وتشمل اضطرابات النوم وتراجع النشاط البدني، وضعف التفاعل الاجتماعي، كما توضح دراسات أخرى أنّ تعرّض الأطفال للعنف الإعلامي يؤدي إلى ترسيخ فكرة أن القوة والعنف هما الوسيلة لتحقيق الأهداف، ما يخلق أجيالاً تميل إلى العدوانية.
وقال: «يمكن للإعلام العنيف أو الموجَّه ثقافياً أن يعيد صياغة الوعي التاريخي للأمم، عبر تطبيع قيم القوة والعنف، أو عبر فرض قيم ثقافية مغايرة لبيئة المجتمع الأصلية، حيث تؤكد دراسات في الإعلام العالمي أن المنصات العابرة للحدود مثل تويتر ويوتيوب وفيسبوك، أصبحت أدوات لإعادة تشكيل الهويات الثقافية، وإضعاف المرجعية التاريخية الوطنية للشعوب».
استراتيجية وطنية
رداً على سؤال من أين تبدأ المواجهة؟ شدد د. النعيمي على أن البداية الفاعلة تكمن في بناء استراتيجية وطنية للتربية الإعلامية، تنطلق من الهوية الإسلامية والقيم الأخلاقية، وتكون بمنزلة عملية تربوية وروحية وثقافية متكاملة، لحماية الأبناء من الانجراف الرقمي، ولإعادة الاعتبار للأسرة والمدرسة ودور العبادة، باعتبارها مؤسسات تشكل أساس الأمن الفكري والاجتماعي للأمة.
وتهدف إلى توعية الأجيال الجديدة بخطورة الإعلام العنيف والمحتوى السام، وإنشاء مراكز بحثية وطنية لرصد التغيرات القيمية المرتبطة بالإعلام الرقمي، وتحديث القوانين التي تنظم المحتوى الموجَّه للأطفال، ودعم المبادرات التي تعيد الاعتبار للهوية الثقافية والتاريخ الوطني.
ولفت إلى صياغة سياسة وطنية لحماية الأجيال من أخطر أشكال الاستلاب القيمي والفكري في العصر الرقمي، وتبنى مبادرة وطنية لاختيار نخبة من الطلبة المتميزين فكرياً وأخلاقياً، لتدريبهم وتأهيلهم ليكونوا رسلاً للإعلام الأخلاقي والديني السليم، ويُكلَّفوا بإيصال الرسائل الإعلامية الهادفة التي تعزز القيم الإسلامية والإنسانية باحترافية، تحت إشراف مباشر من الجهات الرسمية المختصة.
قتل وسرقة وعنف
نعود للنظر في بعض الجرائم المرتكبة من صغار، فنجد جريمة وقعت عام 2013 في ولاية لويزيانا بالولايات المتحدة الأمريكية، أطلق فيها طفل (8 سنوات) النار على جدته (87 عاماً)، تقليداً للعبة كان مدمناً لممارستها، تتضمن أفعال قتل وسرقة وعنف مسلح، وأيضاً قَتل مراهق«17 عاماً» صديقه أثناء تجربة حركات قتال من لعبة إلكترونية، وفي التحقيق قال إنه أراد تجربة الضربة القاضية التي شاهدها في اللعبة.
وفي جريمة قتل أخرى في إحدى الولايات المتحدة، أردى طفلٌ والديه رمياً بالرصاص، مستلهماً طريقة التصويب من إحدى الألعاب الإلكترونية، التي كان شديد الانجذاب إليها، بينما في بريطانيا عام 2014، قَتلت مراهقتان صديقتَهما، لِتُقدّماها قرباناً لكائن خيالي، وفقاً للطقوس التي شاهدتَاها في أحد أفلام الرعب، وفي فرنسا عام 2001، قتل مراهق زميله وهو يرتدي قناع شخصية القاتل الذي شاهده في فيلم معروف بالدموية.
الجانب النفسي
بالانتقال إلى الجانب النفسي، هناك سؤال يطرح نفسه حول كيفية قيام الأفلام العنيفة والألعاب الإلكترونية بغرس نوازع العنف والعدوانية في نفس الطفل، ودفعه إلى ارتكاب جرائم مروِّعة، وشرحت د. ليلى محمود استشارية الطب النفسي الأمر بقولها: «يولد الإنسان صفحة بيضاء، تحكمه الغرائز، ثم يكبر، فينمو داخله نور آخر من الدين والضمير والأخلاق، تنسجه يد الأسرة، ويصوغه التقليد والتربية، ويغذّيه ما يرى ويسمع من أب وأم ومجتمع، هنا تتشكل الروح، وتبدأ الموازنة بين الرغبة والفضيلة».
وأضافت أن الطفل والمراهق قبل اكتمال نضج الضمير، تَغْلِب عليه نوازع الجسد، من طاقة وهرمونات متدفقة وشهوة، للسيطرة والتجربة، فإذا كان محاطاً بالحب والتوجيه، زرع فيه الميل إلى الخير، أما إذا غابت الأسرة، وحلّت محلها شاشات العنف وأبطال الكرتون الذين يقتاتون على القوة والبطش، حينها يجد داخله ما يبرر الغضب والاندفاع.
ولفتت إلى أنه حين يظهر البطل على الشاشة وسيماً، غنياً، محبوباً، رغم قسوته، يرى فيه المراهق قدوة، فيبدأ بتقليده، ومع الوقت تتسلل الأفكار، إن كان العنف يجلب الشهرة، فينقلب ميزان الفطرة، القبيح يصبح جميلاً، والمخطئ يتوشّح بثوب البطولة، من هنا، ينقلب السلوك من طيب إلى عنيف.
التربية الحانية
قالت الدكتورة ليلى: إن الحلول تكمن في التربية الحانية، وأن يسبق صوت الأسرة صخب الشاشة، وأن يجد المراهق من يوجّه طاقته إلى رياضة، فن، علم، أو عبادة، بدل أن ينفجر في عنفٍ أعمى، فالتوجيه لا يعني المنع فقط، بل فتحَ أبواب بديلة ليتعلم كيف يكون بطلاً حقيقياً، لا بطلاً ورقياً على شاشة.
وأكدت أن التربية الحقيقية أن نبني في داخل الطفل والمراهق قلباً نقياً، يرفض العنف لا لأنه مُنع منه، بل لأنه أدرك أنه قبيح ضار، وحرام، يجب أن يرى بعينه، ويزن بعقله، ويسمع بصوته الداخلي.
وأشارت إلى أن التغيير لا يصنعه المنع الخارجي، بل البناء الداخلي، أن نزرع في القلب الدين، وفي العقل الحكمة، وفي الروح السلام، أن نجعل البيت واحة هدوء، لا مكاناً يشتعل بالغضب والعصبية، لأن الطفل إن عاش بين التوتر صار العنف عنده طبيعياً.
الحجب الواجب
يأتي هنا سؤال واجب.. لماذا لا يجري حجب الألعاب الإلكترونية العنيفة؟ أو بصيغة أخرى: هل في الإمكان ذلك؟
فسر الخبير التقني عبدالنور سامي ما يحدث في هذا الامر قائلاً: «تسعى عدة دول جاهدة إلى فرض قوانينها وسياساتها حول تصنيف الأعمار للألعاب والتطبيقات على المتاجر الرسمية الحاضنة لها، مثل أب ستور، جوجل بلاي، بلايستيشن ستور، ومايكروسوفت ستور وغيرها، لكن استجابة الأخيرة تأتي غالباً بتوضيح التصنيف العمري، وإلزام الأطفال بالامتثال لذلك التصنيف، وعدم تنزيل ما لا يناسبهم من الناحية العمرية».
ومن ناحية المحتوى، فذلك مرتبط بإعدادات الرقابة الأبوية، إن قام ولي الأمر باستخدامها أساساً، وتعد هذه السياسات الدولية فعالة بشكل محدود، حيث إن الأطفال أساساً يقومون بإنشاء حساباتهم بأنفسهم وبوضع عُمْرٍ افتراضي غير حقيقي، وليس هناك آليةُ فعالة للتحقق من العمر، في حين قامت ولاية تكساس مؤخراً بفرض آلية تحقق من العمر أكثر فاعلية على متاجر التطبيقات.
وأضاف أن متاجر التطبيقات تتجاوب بشكل مباشر مع الحكومات، سواء كانت حكومات دول أو ولايات، حيث تأتي مسؤولية التصنيف أساساً على الحكومة.
وقال: إنه تُمْكن الاستفادة من منصة صنف، وهي منصة توعوية تديرها الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات والحكومة الرقمية، تتيح لأولياء الأمور التعرّف لتصنيفات الألعاب، لاستدراك المخاطر المحتملة، فبمجرد كتابة اسم اللعبة، سيتمكن من الاطلاع على وصف مختصر حولها، ليأتي دور ولي الأمر، لمنع أبنائه من الوصول إلى هذه الألعاب، بإعدادات الرقابة وعدم صرف مبالغ لشراء ما هو ممنوع من الأساس.
خطر لا يستهان به
لا شك أن للإعلام دوراً في بناء جدار حماية نفسية للأبناء، تَحُول بينهم والسقوطِ في الانحراف، ببيان تبعاته وانعكاساته ونتائجه السلبية، حول ذلك نوه الإعلامي محمد البلوشي إلى أنه في عصرٍ أصبحت فيه التكنولوجيا جزءاً لا ينفصل عن تفاصيل يومنا، تحوّلت الشاشة إلى جزء ملازم للجيل الجديد، يتعلم من خلالها، ويقضي الأوقات، ويعيش عوالم لا حدود لها.
لكن هذه العوالم الافتراضية والألعاب الإلكترونية، بما تحمله من صور ورسائل ومشاهد، بدأت تتسلل إلى عقول الأبناء، وتُعيد تشكيل سلوك الإنسان منذ طفولته، وهنا يبرز خطرٌ لا يُستهان به وهو الألعاب الإلكترونية والعنيفة، التي لم تعد مجرّد وسيلة ترفيه، بل أصبحت أداة خفيةً تعيد صياغة المواقف والمفاهيم وتوجّهُ الانفعالات.
وقال: «لقد تجاوزت المسألة حدود المتعة البريئة إلى صناعة فكرٍ جديد، يقدّم العنف في قالبٍ مشوّق، ويُغري المراهقين، باعتباره طريقاً للقوة والانتصار، فكثير منهم يقضون ساعاتٍ طويلة أمام الشاشات، يعيشون فيها أدوار المقاتلين والأبطال الخارقين، حتى يختلط الواقع بالخيال».
ومع تكرار المشاهد، يتبلّد الإحساس، ويتراجع التعاطف الإنساني، وتتحوّل مشاهد القتال والدمار إلى أمرٍ عادي لا يثير الدهشة أو الرفض، خاصةً أن الإفراط في الألعاب العنيفة يؤدي إلى ارتفاع معدلات السلوك العدواني، وأكد أن الإعلام هو خط الدفاع الأول عن الوعي المجتمع.
برامج حوارية
تابع البلوشي: «من هنا تبرز أهمية أن يتعامل الإعلام مع ظاهرة العنف في الألعاب بجدّية ومسؤولية، بعيداً عن المبالغة أو الصمت، إذ يمكنه أن يغيّر الكثير عبر تقديم برامج حوارية متخصصة، تسلّط الضوء على التأثيرات النفسية والسلوكية لمحتوى العنف، واستضافة مختصين من مجالات علم النفس والاجتماع والتربية، لتبسيط الحقائق أمام الجمهور، كما يمكنه إنتاج تقارير ميدانية تسرد قصصاً واقعية لشباب تأثروا بالعنف الرقمي، تُبيّن النتائج الحقيقية وراء الظاهرة بعيداً عن التنظير».
وواصل: «لا يقتصر دور الإعلام على التحذير، بل عليه أن يقدّم البدائل، فالحملات التوعوية الموجهة بلغة الشباب وبأسلوب تفاعلي، قادرة على إعادة توجيه الاهتمام نحو ألعاب تعليمية، أو ثقافية، تُنمّي الذكاء والإبداع بدلاً من تغذية العنف، كما يمكن لوسائل الإعلام أن تتعاون مع المدارس، والمراكز الشبابية لإطلاق مبادرات توعوية تزرع في الأجيال معنى «الترفيه الواعي» و«المسؤولية الرقمية».
تفعيل القدوة
بحسب التربوية هيام الحمادي، فإن كثرة التعرّض لمشاهد العنف في الألعاب تجعل الدماغ أقلّ استجابة لمشاعر الخوف، أو الاشمئزاز من العنف الواقعي، ما يؤدي إلى ضعف التعاطف مع الضحايا وزيادة تقبّل السلوك العدواني كأمر طبيعي.
ووفق نظرية التعلّم الاجتماعي لعالم النفس ألبرت باندورا، يتعلّم الأفراد السلوك عبر الملاحظة والتقليد، فعندما يرى الشاب البطل في اللعبة يُكافَأُ بعد عمل عنيف (مثل قتل الأعداء أو تدمير الممتلكات)، يتعلّم لا شعوريًا أن العنف وسيلة فعّالة لتحقيق الهدف.
إضافة إلى أن الألعاب تمنح شعوراً بالهيمنة والانتصار السريع، ما قد يجعل بعض الشباب يسعون لإسقاط هذا الشعور على الواقع الفعلي بطرق غير مناسبة، الأمر الذي قد يؤدي إلى سلوكيات «محاكاة» لما يشاهدونه في الألعاب، لذا لابد من تقوية الدور الأسري وتفعيل القدوة، وتشديد الرقابة الأبوية، والمتابعة المدرسية، خاصةً مع انتشار مشاهد العنف أو الجرائم على نطاق واسع في المنصات، وهو ما يؤدي إلى عدوى اجتماعية.
مساءلة الأسر
كل ما دار من أحاديث يلقي اللوم على الأسرة بشكل رئيسي في ارتكاب بعض الأبناء لأعمال عنف، وذلك بسبب إهمالها متابعة الأبناء وإغفالها الوقوف على ما يشاهدونه ويلعبونه ومن يتعاملون معهم، وما إلى ذلك، فهل هناك مساءلة قانونية لأية أسرة إذا حاد الابن عن الطريق القويم، وارتكب جريمةً ما؟
قال المحامي عيسى أحمد شطاف: «نتمسك بأن الأسرة لها دور مهم في تقويم سلوكيات الصغار، والتأكد من عدم تعرضهم لما قد يفسد أخلاقهم، مثل الألعاب الإلكترونية التي تتضمن مشاهد عنف ودمار، والأفلام التي تتضمن سيناريوهات عنيفة، وقصصاً دموية لمجرمين ارتكبوا جرائم وحشية».
وأضاف: «حدد قانون الأحداث المجنحين سَنَّ 12 عاماً، لكي يُسأَل الحَدَث جنائياً عما ارتكبه من أفعال، كما أن القانون أكد مسؤولية الوالدين إذا كانا قد تسببا بأفعالهما أو بإهمالهما في ارتكاب الحدث أيَّ جريمة، بل إن القانون قد اعتبر مسؤولية الأب والأم ظرفاً يستوجب تشديد العقاب». ويعتبر ظرفاً مشدداً إذا كان الجاني ولياً للطفل، وتتعدد العقوبة بتعدد الأطفال.
وذكر شطاف أن القانون جاء رحيماً بالأسرة، حيث أكد في المادة 234 من قانون العقوبات أنه يُعفَى من العقاب كل من علم بارتكاب جريمة تمس الأمن الداخلي أو الخارجي، ولم يبادر بالإبلاغ إذا كان زوجاً، أو أحد الأقارب، أو الأصهار حتى الدرجة الرابعة.
المواجهة والحلول العلاجية
قال د. عبد العزيز النعيمي: إن الدراسات الدولية توصي بمجموعة من الإجراءات الوقائية والتربوية، أبرزها دمج مناهج تعليمية تُعلّم الأطفال كيفية التفاعل النقدي مع الإعلام وفهم الرسائل الخفية في المحتوى، والرقابة الواعية من الأسرة، بتنظيم أوقات مشاهدة الشاشات ومشاركة الأهل في اختيار المحتوى.
ولفت إلى برامج الصحة النفسية المدرسية، بتدريب المرشدين التربويين على الكشف المبكر عن آثار الإدمان الرقمي أو السلوك العدواني، وبدائل تفاعلية واقعية، عبر تشجيع الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية التي تبني الثقة والمهارات التواصلية، وإعداد سياسات وطنية لحماية الطفولة الرقمية، بوضع تشريعات للحد من المحتوى العنيف والإعلانات الموجَّهة للأطفال.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة الخليج ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة الخليج ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
