العاب / IGN

مراجعة F1

قد لا تبدو قصة F1 غريبة على محبّي الأفلام الرياضية: سائق مخضرم يخرج من التقاعد، فريق متعثّر يبحث عن فرصة للعودة، وسائق شاب موهوب يحتاج إلى من يعيد توجيهه من جديد. لكن ما يجعل هذه الحكاية مختلفة هو أن صُنّاعها لا يسعون لتغيير قواعد اللعبة، بل يضعون كل جهدهم في تقديم تجربة متقنة التفاصيل، ترفع من قيمة ما هو مألوف وتقدّمه بشكل حيّ وحقيقي.

المخرج جوزيف كوسينسكي يدرك أن الفرق بين فيلم رياضي جيّد وآخر يُنسى ليس في الفكرة، بل في الزمن الذي يفصل بين لحظة وأخرى، في اختيار الكاميرا، وفي نبرة الأداء، وفي الصمت بين جمل الحوار. تمامًا كما في الفورمولا 1، التفاصيل الصغيرة تُحدِث الفارق.

في منتصف الفيلم، يلقي أحد أعضاء الفريق خطابًا بسيطًا عن أهمية الجهد الجماعي، وعن كيف يمكن لأجزاء من الثانية أن تغيّر النتيجة من خسارة إلى فوز.
هذا الخطاب، بقدر ما هو مألوف، إلا أنه يلخّص بذكاء فلسفة الفيلم: ليس الهدف تقديم قصة جديدة، بل تنفيذ القصة القديمة بأفضل شكل ممكن.

بدور "سوني هايز"، يظهر براد بيت بأداء لا يحاول خطف الكاميرا، بل يخدم الشخصية بكل بساطة. سائق عاش سنوات المجد دون أن يتوّج، يعود للمضمار لا ًا عن الكأس، بل عن شيء أعمق… شيء يشبه المصالحة مع النفس. بيت يقدّم الشخصية بثقة دون استعراض، وبتوازن بين الإرهاق والحكمة، بين الحنين والمواجهة. أداؤه لم يكن الأعلى صوتًا، لكنه كان الأصدق، وربما الأقرب للمشاهدين ممن مرّوا بتجارب ثانية وفرص ضائعة.

من الناحية البصرية، يصعب تجاهل براعة الفيلم. اختيارات التصوير، وتحديدًا الزوايا القريبة من العجلات، والمشاهد التي تضع المشاهد حرفيًا داخل الخوذة، تعكس فهمًا حقيقيًا لما يعنيه أن تكون داخل سيارة تسير بأكثر من 300 كيلومتر في الساعة.

عمل مدير التصوير كلاوديو ميرندا مع كوسينسكي هنا يتفوق على كثير من أفلام السباقات السابقة، ويُعيد للأذهان تجربتهما في Top Gun: Maverick، مع اختلاف أن هذا السباق أكثر التصاقًا بالأرض… وأكثر قربًا من الإنسان. حتى في المشاهد البعيدة عن السباق، هناك عناية ملحوظة بالإضاءة وتكوين الكادر، وكأن كل لقطة تُركت لتتنفّس قبل الانتقال.

التحرير (المونتاج) كان عنصرًا حاسمًا في الحفاظ على التوتر، وخصوصًا في مشاهد السباق. مثال على ذلك مشهد تبديل الإطارات، الذي يستغرق ثواني قليلة فقط، لكنه يختصر قصة كاملة لشخصية جانبية بلغة بصرية محضة.

أما من ناحية الموسيقى، فإن اختيارات الأغاني والموسيقى التصويرية لم تكن مكررة أو سهلة. وجود هانز زيمر كمؤلف للموسيقى التصويرية في فيلم F1 لم يكن مجرد اختيار كبير على مستوى الاسم، بل قرار ذكي، حيث أ، الموسيقى التي قدّمها زيمر هنا مختلفة عن أعماله الضخمة مثل Interstellar أو Inception، فهي لا تسعى للسيطرة على المشهد أو فرض نغمة معينة، بل تكمّل الصورة وتتحرك معها بشكل واضح.

ما يميّز المعزوفات في F1 أنها قائمة على توتر مستمر، إيقاع متصاعد بهدوء، دون تفجيرات لحنية أو انتقالات درامية مبالغ فيها. زيمر يفهم أن الفيلم مبني على لحظات صامتة، قرارات سريعة، ونظرات أكثر من كلمات، ولذلك جاءت الموسيقى متناغمة مع هذه المساحات، دون محاولة تفسيرها أو تضخيمها.

وفي مشاهد السباق، تعتمد الموسيقى على إيقاعات ثقيلة وقصيرة، تخلق شعورًا بالضغط لا الحماسة. وفي المشاهد الداخلية أو الحوارات، تنسحب الموسيقى إلى الخلف، تاركة مجالاً للتمثيل والتصوير لقيادة اللحظة. الجميل أن زيمر لم يلجأ إلى ألحان مكررة أو إيقاعات سبق له استخدامها، بل قدّم شيئًا بسيطًا وفعّالًا، يناسب طبيعة الفيلم الواقعية. الموسيقى هنا ليست بطلاً مستقلاً، لكنها عنصر أساسي في تماسك التجربة.

أسماء مثل Doja Cat وTate McRae أضافت لمسة رهيبة لمشاهد السباق، لكنها لم تكن مجرد واجهة تجارية. الموسيقى كانت حاضرة حين يجب أن تكون، وغائبة حين يكون الصمت أبلغ. الأغاني أُدرجت بعناية لتعكس التوتر، أو ترفع الإيقاع، أو تُبرز لحظة انتصار. حتى الصمت في بعض المشاهد كان قرارًا موسيقيًا ذكيًا.

رغم أن البطولة تنتمي لبراد بيت، إلا أن الشخصيات الثانوية لم تُهمّش، بل شاركت في بناء عالم الفيلم بفاعلية. قدم خافيير بارديم بدور مدير الفريق شخصية تتراوح بين الواقعية والطموح، رجل مرهق يطارد ًا أخيرًا. أما كيري كوندون في دور المهندسة كيت فقد كانت الرابط بين الفريق والتقنية، وتُقدّم حضورًا ذكيًا دون أن تكون مجرد دور مساعد. ومن ناحية دامسون إدريس بدور السائق الشاب "جوشوا"، فقد جسّد رحلة تطور حقيقية، تبدأ من الغرور، وتنتهي بنوع من التواضع المحترف الذي لا يأتي بسهولة.

الفيلم لا يتحدث فقط عن الفوز والخسارة. هناك موضوعات فرعية تمر دون أن تُقال حرفيًا: العمر، والندم، والصداقة التي تصدأ لكنها لا تنكسر، والعلاقة بين الجيل القديم والجيل الجديد، وكيف ينظر كل منهما للسباق وللحياة. هذه الأفكار موجودة بين السطور، في نظرة أو صمت أو لحظة .

لكن رغم جودة التنفيذ، لا يخلو الفيلم من بعض العثرات. فالمدة الزمنية الطويلة (تقترب من 160 دقيقة) أثّرت على الإيقاع، خاصة في النصف الثاني. إلى جانب غياب خصم فعلي واضح مما جعل التوتر يرتكز على الصراعات الداخلية فقط، مما أضعف الإحساس بالمنافسة التقليدية. كما أن مشهد شرح قواعد السباق في ، رغم أهميته الدرامية، أبطأ الإيقاع في لحظة كان يُفترض أن تصل للذروة.

من الصعب ألا نُقارن F1 بأفلام شهيرة مثل Rush أو حتى Ford v Ferrari.
لكن ما يميز هذا الفيلم أنه أكثر حميمية. لا يركّز على المعارك الكبرى، بل على التفاصيل الصغيرة: خطوة، لفة، قرار، أو حتى كلمة. هو أقرب إلى فيلم عن الأشخاص خلف الخوذة، لا عن السباق نفسه فقط.

ومن الإيجابياتا لتي ميزت الفيلم هي أنه يمتلك تأثيراً حتى على من لا يعرف الفورمولا 1. فحتى لمن لا يتابع السباقات، الفيلم يقدّم عناصر يمكن التعلّق بها: الطموح، التنافس، العلاقات المتوترة، والرغبة في الإصلاح. لا تحتاج إلى أن تكون خبيرًا في الرياضة كي تستمتع بما يقدمه الفيلم، لأنه ببساطة، يُخاطب تجربة إنسانية أكثر من كونه عرضًا رياضيًا.

في أحد مشاهد السباق، وبينما الموسيقى ترتفع والكاميرا تتراوح بين العجلات، شعرت أنني أعيش المشهد لا أراه فقط. ولأول مرة منذ فترة، قلت في داخلي: "هذا فيلم سأشاهده مجددًا." وعندما خرجت من الصالة، كنت مدفوعًا بشحنة حماس… جعلتني أسرع أكثر من اللازم، وانتهى بي الأمر بمخالفة سرعة حقيقية. ولم أندم.

إن F1 ليس فيلمًا عن الفورمولا 1 فقط، بل عن كل ما يحدث بين نقطة البداية وخط النهاية. عن الذين لا يزالون يؤمنون بفرص ثانية، حتى بعد أن قال الجميع إن وقتهم انتهى. قد لا يكون الأجرأ في أفكاره، لكنه الأصدق في تنفيذه. فيلم عن الخسارة، عن المحاولة، عن اللحظة التي تسبق النصر… أو تتجاوزه إلى شيء أعمق. إنه يناسب محبي السرعة، وعشاق القصص الإنسانية، وكل من مرّ بلحظة شعر فيها أن كل شيء على المحك.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة IGN ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من IGN ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا