في بعض الأحيان يفضل مطورو ألعاب الفيديو اللعب في المنطقة الآمنة، حيث يواصلون العمل على نفس السلسلة أو العنوان الذي أثبت نجاحه ويقومون بإصدار أجزاء تكميلية أو نسخ فرعية تعتمد على نفس المحرك ونفس الأسلوب بدلاً من المغامرة في مشروع جديد غير مألوف. هذا النهج يضمن لهم الاستقرار المالي والاحتفاظ بقاعدة جماهيرية مألوفة لكنه نادرًا ما ينتج عنه شيء مبتكر أو مختلف.
لكن هناك بعض المطورين لا يخشون الخروج من الدائرة المألوفة وخوض تجارب جديدة كليًا، بل ويتقنون تقديم أنواع مختلفة من التجارب في مجالات متنوعة تمامًا. هؤلاء المطورون يبرهنون على أنهم لا يُقيدون أنفسهم بنوع معين من الألعاب، بل يملكون المرونة والشغف لابتكار عوالم جديدة بأساليب لعب مختلفة كليًا عن مشاريعهم السابقة.

حتى الاستوديوهات المعروفة بثباتها على نمط معين من السرد القصصي أو اللعب مثل Naughty Dog التي اشتهرت بسلاسل ضخمة مثل Uncharted وThe Last of Us، فاجأت الجميع بإصدار Intergalactic: The Heretic Prophet، وهي مغامرة خيال علمي تقع في الفضاء وتقدم تجربة مختلفة تمامًا عن ما اعتاد عليه جمهورهم. هذا التوجه غير المتوقع من استوديو متخصص في القصص البشرية الواقعية، يُظهر قدرتهم على التنقل بين الأنواع بكل ثقة واحترافية.
في حالات أخرى نجد أن بعض الاستوديوهات التي بنيت سمعتها على نوع واحد من الألعاب، مثل ألعاب التصويب أو المغامرة الخطية، قررت أن تدخل فجأة عالم الألعاب الإستراتيجية أو التجارب المستقلة البسيطة، فيقف اللاعبون مذهولين عندما يكتشفون أن اللعبة التي بين أيديهم صادرة من نفس المطور الذي قدم تجربة مختلفة تمامًا من قبل.
هذه الأمثلة تثبت أن المطورين المبدعين لا تحدهم التوقعات أو السمعة، بل يسعون باستمرار لتحدي أنفسهم والارتقاء بما يمكن تقديمه في عالم الألعاب. وربما تصدمك الحقيقة عندما تكتشف أن بعض الألعاب التي بدت في ظاهرها متباعدة تمامًا جاءت من عقلية إبداعية واحدة.
Life Is Strange وJusant
Don’t Nod Entertainment
بينما أعادت Lost Records: Bloom & Rage استوديو Don’t Nod إلى جذوره القصصية بأسلوب يعيد للأذهان عبق Life Is Strange، واستمرت ألعاب مثل Vampyr وBanishers: Ghosts of New Eden في تقديم تجارب مظلمة بأسلوب لعب أقرب إلى الـ RPG مع لمسة رعب خفيفة، فإن المفاجأة الحقيقية التي أذهلت العديد من اللاعبين كانت أن لعبة Jusant أيضًا من تطوير Don’t Nod. Jusant تبدو من الوهلة الأولى وكأنها من إنتاج فريق مستقل ناشئ، بسبب أسلوبها البصري البسيط والمريح وأجوائها الهادئة التي تختلف جذريًا عن ما اعتدنا عليه من هذا الاستوديو المخضرم الذي اشتهر بلقب “عملاق السرد القصصي” في صناعة الألعاب.
ما قدمه Don’t Nod في Jusant لم يكن مجرد تغيير في النوع بل كان قفزة جريئة في طريقة تقديم التجربة. Jusant ليست لعبة اختيارات درامية مشحونة أو قرارات مصيرية تغير مجرى الأحداث، بل هي قصة صامتة هادئة تدور حول شاب متسلق برفقة مخلوق صغير يُدعى Ballast وهما يصعدان برجًا شاهقًا في عالم غامض صامت. لا توجد حوارات أو مسارات متعددة، بل هناك عالم بيئي غني يخبر قصته من خلال التضاريس والمشاهد والتفاصيل الصغيرة المنتشرة في الطريق.
اللعبة تركز على أسلوب لعب يعتمد على التسلق باستخدام فيزياء دقيقة ومتقدمة تجعل كل حركة وكل قرار أثناء التسلق له وزن وتأثير واقعي. Jusant لا تقدم تجربة تقليدية وإنما تبتكر طريقة جديدة للتفاعل مع البيئة تعتمد على مهارات اللاعب وفضوله. كما أن الشعور بالوحدة الممزوج بالأمل والهدوء يمنح Jusant طابعًا تأمليًا يختلف تمامًا عن طابع Don’t Nod المعروف بالعاطفة والانفجارات القصصية.
اختيار الاستوديو لتقديم هذه التجربة يثبت مرونته الإبداعية وقدرته على التنقل بين الأنواع دون أن يفقد بصمته الفنية. Jusant تمثل الجانب الهادئ والعميق من الإبداع، حيث يكون الصمت أحيانًا أبلغ من الكلمات، وتسلق الجدران أكثر دلالة من الحوارات. وإذا كنت من محبي التسلق أو ترغب في تجربة مختلفة تشعرك بالسكينة والتأمل، فإن Jusant تقدم تجربة نادرة تلامس الجانب الحسي من اللعب بطريقة لا تُنسى.
Death Rally وAlan Wake Series
Remedy Entertainment
يشتهر استوديو Remedy Entertainment بسلسلة Alan Wake ذات الطابع القصصي المظلم والمليء بالعناصر الخارقة للطبيعة، بالإضافة إلى لعبة Control التي أصبحت لاحقًا جزءًا من نفس العالم السردي المعروف الآن باسم Remedy Connected Universe. تجمع هذه الأعمال بين السرد المتشابك والرمزية النفسية والرعب الوجودي، وتبرز فيها لمسات الكاتب والمخرج الإبداعي Sam Lake الذي شكّل هوية الاستوديو بأسلوبه الفريد في تقديم القصص المتشابكة والغموض المتصاعد.
لكن قبل أن تتجه Remedy إلى هذا النمط السردي العميق، كان لها بداية مختلفة تمامًا في عام 1996 من خلال لعبة Death Rally، والتي شكلت أول دخول لها إلى عالم الألعاب. على عكس ألعابها اللاحقة التي تعتمد على السرد الثقيل والتوتر النفسي، كانت Death Rally لعبة سباقات أركيدية تعتمد على السرعة والقتال باستخدام سيارات مجهزة بالأسلحة والدروع. لم تكن اللعبة تدور حول حوارات أو غموض، بل حول المطاردة والانفجارات ومحاولة تدمير خصومك في مضمار سباق مميت.
بالرغم من أن Death Rally لم تحقق نفس الشهرة التي حظيت بها ألعاب مشابهة مثل Twisted Metal على أجهزة PlayStation، إلا أنها قدمت أسلوبًا مسليًا ومباشرًا جذب قاعدة جماهيرية صغيرة ومخلصة. المفاجأة الأبرز أن اللعبة حظيت بإعادة إصدار عام 2011 بنسخة محدثة للهواتف المحمولة، مما أعادها إلى الساحة بشكل غير متوقع، مع تحسينات رسومية ونظام تحكم مناسب للأجهزة الذكية.
ما يميز Remedy هو هذا التحول الكبير في توجهها الإبداعي، من تقديم لعبة سباقات قتالية بسيطة إلى بناء عوالم قصصية متشابكة تعتمد على عناصر الرعب والغموض والعمق النفسي. هذا التباين الحاد في أسلوب الألعاب يعكس قدرة الاستوديو على التكيف والابتكار والتطور عبر الزمن، ويُظهر كيف أن البداية المتواضعة قد تكون حجر الأساس لبناء إمبراطورية سردية معقدة مثل عالم Alan Wake وControl.

لاعب متمرس، أعشق ألعاب القصة، ولا أجد حرجًا في قول أنني أحب ألعاب التصويب من منظور الشخص الأول أيضًا.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة سعودي جيمر ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من سعودي جيمر ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.