يُعرض مسلسل IT: Welcome to Derry على OSN بتاريخ 27 أكتوبر 2025.
منذ الإعلان عن IT: Welcome to Derry، كان واضحًا أن المشروع يحمل طموحًا أكبر من مجرد إعادة تدوير أسطورة “بينيوايز”. فبعد نجاح الفيلمين السابقين اللذين قدّما معالجة جديدة لرواية ستيفن كينغ، قرر الأخوان موشييتي العودة خطوة إلى الوراء، إلى جذور الشر، إلى مدينة ديري قبل أن يتحول رعبها إلى أسطورة. وهنا يكمن سر الجاذبية الأولى للمسلسل: محاولة فهم كيف بدأت اللعنة، وكيف أصبحت ديري أكثر من مجرد مدينة، بل كيانًا يتنفس الخوف.
المقدمة وحدها كافية لتأخذك إلى عالم مختلف. تبدأ الأحداث بنغمة بصرية داكنة، وصوت يهمس من بعيد عن مدينة “تبتلع نفسها كل جيل”. الإخراج في هذه اللحظات متقن إلى درجة تشعرك أنك تشاهد عملاً سينمائيًا لا مسلسلًا تلفزيونيًا، مع لقطات طويلة تتحرك بسلاسة بين الأزقة والبيوت الخشبية، وعدسة تلتقط كل تفصيلة من الستينات بطريقة آسرة. من السيارات القديمة إلى ملابس الشخصيات والإعلانات المعلقة في الشوارع، كل شيء يعيد خلق زمن مفقود بدقة لافتة دون مبالغة أو تصنّع. ولعل هذا ما يجعل البداية من أجمل ما في العمل: مقدمة مشبعة بالرعب الهادئ، بالكثير من الأسئلة، وبإحساس غامض أنك أمام قصة أكبر من حدود الشاشة.
لكن منذ منتصف الحلقة الأولى، يتضح أن العمل يحاول أن يسلك طريقًا مألوفًا جدًا. فبدل أن يقدم هوية مستقلة، يحاول أن يكون نسخة مظلمة من Stranger Things، مع مجموعة من الأطفال المراهقين يواجهون قوى غامضة. المشكلة ليست في الفكرة ذاتها، بل في الطريقة التي كُتبت بها الشخصيات. الأطفال هنا يفتقرون إلى العمق الإنساني الذي جعل شخصيات “الـLosers Club” في النسخ السابقة محبوبة ومؤثرة. الحوار أحيانًا يبدو مصطنعًا، والمشاهد التي تحاول بناء روابط بينهم لا تنجح في جعلنا نهتم بمصيرهم، وكأن الكتاب أرادوا ملء فراغٍ مؤقت إلى أن يظهر الرعب الحقيقي. والنتيجة أن كثيرًا من المشاهد التي كان من المفترض أن تكون عاطفية أو مؤثرة تمر مرور الكرام، دون أن تترك أثرًا.
إحدى نقاط الضعف الكبرى تكمن في المبالغة في شرح الأسطورة. المسلسل يريد أن يروي كل شيء: من أصل اللعنة إلى تاريخ ديري وما قبلها، مرورًا بأحداث تمتد إلى قرون سابقة. الفكرة في حد ذاتها مثيرة، خاصة حين يتطرق إلى أسرار السكان الأصليين وعلاقتهم بما يسكن أعماق المدينة، لكن التنفيذ يُثقل السرد. هناك حلقات كاملة تُغرق المشاهد في تفاصيل رمزية وأسطورية تبتعد كثيرًا عن جو الرعب النفسي الذي يُفترض أن يحمله العمل. وكأن المسلسل في لحظات نسي أنه رعب قبل أن يكون فانتازيا. نعم، من المثير أن نعرف من أين أتى الشر، لكن ليس على حساب الخوف الذي يجب أن نشعر به ونحن نراقب تمدده في الشوارع والوجوه.
ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن رؤية ديري تُعاد للحياة على الشاشة هي متعة بصرية خالصة. الإخراج في أفضل حالاته حين يترك الكاميرا تتحدث: من مشهد المهرج الذي يطلّ من بين بالونات مهترئة في حفلة أطفال، إلى اللقطات الليلية المليئة بضباب رمادي يلتهم الأضواء، كل لقطة مشحونة برعب هادئ ومتدرّج. الرعب هنا لا يعتمد على المفاجآت أو الدماء فقط، بل على الشعور المتزايد بأن المدينة نفسها تراقبك. وهذا بحد ذاته يُعيدنا إلى روح كينغ الأصلية: الرعب الذي ينشأ من فكرة أن الشر ليس مخلوقًا، بل بيئة، وأن ديري ليست مجرد مكان، بل لعنة تمتد عبر الزمن.
الإخراج أيضًا ينجح في استحضار روح الستينات بطريقة جذابة ومتماسكة. الألوان الخافتة، الموسيقى ذات الإيقاع البطيء، والتفاصيل الصغيرة مثل اللافتات القديمة وأجهزة التلفاز التي تبث أخبار الحرب الباردة، كلها تضيف طبقة من الواقعية تمنح القصة وزنًا خاصًا. حتى اختيار مواقع التصوير يوحي بأن المدينة خرجت من كابوس جماعي أكثر من كونها مكانًا حقيقيًا. ومع أن بعض المؤثرات البصرية تبدو مبالغًا فيها في لحظات معينة، إلا أن الانغماس في العالم أقوى من أي عيب تقني يمكن ملاحظته.
من جهة أخرى، ما فعله المسلسل في شرح بداية العالم وزمن الشر كان لافتًا إلى حدٍ ما. الطريقة التي يُروى بها أصل اللعنة، وعلاقتها بعادات وأسرار سكان ديري الأوائل، تضيف بُعدًا أسطوريًا جميلًا، وكأننا أمام رواية عن حضارة غارقة في الخوف. هذه الفصول التاريخية كانت من أجمل أجزاء العمل لأنها أضافت طبقات جديدة للقصة بدل أن تكرر ما رأيناه من قبل. لكنها للأسف امتدت أكثر مما ينبغي. فبدل أن تظل “لمحات” غامضة تُثير التساؤل، تحوّلت إلى محاضرات مطوّلة تشرح ما كان أجمل أن يُترك مجهولًا. بذلك يفقد العمل جزءًا من غموضه، ويبتعد عن جوّ الرعب الكلاسيكي نحو تفسير منطقي لا يحتاجه المشاهد.
التمثيل يتراوح بين الجيد والمتوسط. أداء الممثلين الصغار يتأرجح بين الواقعية والتمثيل المسرحي، لكن الشخصيات الثانوية – خصوصًا سكان المدينة وكبار السن – تضيف لمسة من الرهبة والغرابة التي تعيد التوازن. أما ظهور “بينيوايز” نفسه، فيأتي محدودًا وذكيًا في الحلقات الأولى، قبل أن يبدأ المسلسل لاحقًا في الإفراط في استخدامه، وهو ما أفقد الشخصية هيبتها بعض الشيء. كان الرعب في ظهوره المفاجئ أقوى من تحوّله إلى رمز حاضر في كل زاوية.
من ناحية الكتابة، يمكن القول إن المسلسل يملك نية طيبة: يريد أن يشرح، أن يوسع، أن يبني عالماً متكاملاً حول ديري. لكن تلك الرغبة تصطدم بمشكلة الإيقاع. فبينما كانت المقدمة تُوحي بعمل متماسك ومشحون بالتوتر، تبدأ الحلقات التالية في التشتت بين الماضي والحاضر دون رابط شعوري قوي. هذا ما يجعل تجربة المشاهدة أحيانًا باردة، رغم الجهد الواضح في النصوص وفي الإخراج. ومع ذلك، فإن كل مرة يعود فيها المسلسل إلى الجو البصري الكئيب، وإلى الرعب الهادئ القائم على الغموض، يستعيد توازنه فورًا ويذكرك بسبب اهتمامك به منذ البداية.
ربما ما يميز Welcome to Derry هو أنه لا يحاول أن يكون مخيفًا فقط، بل أن يكون تعليقًا على طبيعة الخوف نفسه: كيف يتوارثه الناس، وكيف تبقى لعنة مكان ما رغم مرور الأجيال. هذه الفكرة العميقة تُنقذ العمل من التكرار الكامل، وتجعل بعض لحظاته مؤثرة بصدق، خاصة عندما يُظهر كيف أن الشر يلبس وجوهًا مألوفة لا وحوشًا فقط.
في النهاية، لا يمكن اعتبار المسلسل خيبة أمل، لكنه أيضًا ليس العودة الأسطورية التي كان البعض ينتظرها. إنه عمل بصري جميل، مقدمة قوية، طموح في فكرته، لكنه متعب في سرده، ومتردد في هويته بين الرعب والفانتازيا. IT: Welcome to Derry لا يبتكر، لكنه ينجح أحيانًا في أن يذكّرنا لماذا كانت ديري مدينة لا تُنسى: لأنها المكان الذي يسكنه الخوف حتى في غياب المهرّج.
رغم أنه يحاول أن يكون Stranger Things بطابع أكثر ظلمة، إلا أن Welcome to Derry ينجح في تقديم بداية قوية وإخراج مبهر يعيد روح الستينات بطريقة آسرة، لكنه يقع في فخ المبالغة في الشرح والابتعاد عن جوّ الرعب الذي صنع هوية السلسلة. بين أداء غير متوازن، وشخصيات لم تُكتب بعمق كافٍ، يظل أكثر ما يُميز العمل هو عالمه البصري وتاريخه الغامض. تجربة مشوّقة لكنها غير مكتملة، ومقدمة جميلة ربما تستحق أن تتطور في موسمٍ لاحق أكثر نضجًا.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة IGN ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من IGN ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.
