نصح الخبير في القانون الدستوري الدكتور نصيف نعيم القيادة السورية الجديدة بالتأني في مسألة الدستور والنقاشات التي تدور حوله، معتبرا أن هذه مسألة «حساسة جدا»، ولا بد من دراستها على كل الأوجه، والاستفادة من تجارب الدول الأخرى. ولفت إلى أن الوضع الحالي للشرع يمكن اعتباره «الشرعية الثورية»، وبالتالي هو الآن «المخول» بإيقاف العمل بالنظام القانوني، ومن ثم لا توجد حالة فراغ دستوري في سورية.
وفيما يتعلق بالقرار الأممي 2254 قال نعيم: «إن المعارضة السورية الآن لا تلعب أي دور سياسي في الوقت الحالي، وهو ما يعني أن حيثيات القرار انتهت وانتهى معها وجوده وجوهره من الناحية القانونية».. وإلى تفاصيل الحوار:
الوضع الدستوري للإدارة الجديدة
• هل يمكن لك أن توضح لنا ما هو الوضع الدستوري لحكم الإدارة السورية الجديدة من الناحية القانونية؟
•• أخيرا تم تعليق العمل بأحكام الدستور السوري لعام 2012. بغض النظر عن أن هذا الإجراء كان يجب أن يحصل بعد دخول دمشق، بعد أن تولت الحكومة المؤقتة أعمالها لكن أين تكمن الإشكالية.
الإشكالية تتمثل في التأصيل الدستوري للمرحلة القادمة، فهذا التأصيل كان يجب أن يتم من قائد الإدارة الجديدة أحمد الشرع، إذ إنه عندما قاد القوات وزحف على دمشق بالتحالف مع الفصائل الأخرى، تصرف كقائد للثوار والثورة التي بدأت في 2011 وانتهت بدخول العاصمة السورية في الثامن من ديسمبر الماضي، ما يعني أن هروب الرئيس السابق بشار الأسد واستيلاء الثوار على الحكم هو من أعطاهم الشرعية والتي تسمى «الشرعية الثورية». من هنا فإن الشرع كقائد للثورة هو المخول بإيقاف العمل بالنظام القانوني السائد قبل أن تنجح الثورة في تحقيق أهدافها والتي تحققت بالسيطرة على العاصمة إسقاط حكم الأسد.
وعلى ضوء إصدار الأسد بياناً لا يتنحى فيه عن الرئاسة وإنما يؤكد فكرة غيابه المؤقت عن الحكم، فإن الاستناد للشرعية الثورية بات ضرورة حتمية من أجل قطع الطريق عليه إذا أراد الادعاء بأنه لايزال الرئيس الشرعي لسورية. وبالفعل فإن المرء يستنبط من البيان بأنه يقول ذلك ضمناً.
ليست مخولة بتعليق الدستور
• ما هو دور الحكومة المؤقتة في المرحلة الحالية؟
•• لماذا اعتبرنا بأن الحكومة المؤقتة غير مخولة بتعطيل أحكام الدستور وإنما ينحصر هذا الحق بأحمد الشرع كقائد للثورة، فالحكومة المؤقتة في الجهاز التنفيذي والإداري لقيادة الثورة فقط. أي أن وظيفتها، وبغض النظر عن التفاصيل هنا، هي التنفيذ كهيئة سياسية والإدارة كهيئة إدارية، علما بأن الحكومات السورية المتعاقبة منذ دستور 1973 لم تكن أكثر من جهاز إداري، فالرئيس الذي يمثل بالدرجة الأولى السلطة التنفيذية هو من يعينها وهي مسؤولة بالدرجة الأولى أمامه. يجب هنا الانتظار لنرى ما هي المهمات التي ستقوم بها الحكومة المؤقتة وكيف ستكون علاقتها بقيادة الثورة حتى نستطيع الحسم بأنها جهاز تنفيذي أو إداري، على كل الأحول ومن هذا المنطلق فإن الحكومة المؤقتة من هذا المنطلق غير مخولة بتعليق العمل بأحكام الدستور.
أما بالنسبة لما تقوم به الحكومة المؤقتة على الأرض، فالظاهر بأنها تحاول الإشراف على العمل في دوائر الدولة العاملة، وطريقة الإشراف تتمثل بتعيين شخص في كل دائرة حكومية يكون مكلفاً بتتبع الأعمال بصورة خفية أو ظاهرة. غالباً ما يكون لهذا الشخص دور ظاهر أو من وراء الكواليس، وهذا يتعلق بطريقة عمل كل شخص من هؤلاء الأشخاص لأنه من الواضح بأنه ليس هناك تعليمات محددة بهذا الخصوص.
انتظام العمل المؤسساتي
• ماذا عن الإجراءات التي قام بها الشرع بخصوص الحكومة القديمة والمؤقتة؟
•• ما تم العمل به بداية بناء على قرار الشرع هو استمرارية عمل حكومة غازي الجلالي إلى حين تسليم أعمالها. لقد ضمن هذا القرار استمرارية عمل مؤسسات الدولة السورية واستمرارية النظام القانوني على الرغم من نجاح الثورة. وهنا يمكن القول إن تلك الاستمرارية حتى تسليم السلطة لحكومة محمد البشير جعلت دستور 2012 يستمر كناظم للعمل المؤسساتي حتى تعطيل العمل بأحكامه. أي أنه لم يحدث فراغ في سورية، على الرغم من رأينا السابق حول سلطة تعطيل العمل بأحكام الدستور.
علاوة على ذلك فإن في هذا الأمر تطبيقا جزئيا للمادة 93 فقرة 2 من الدستور السوري لعام 2012 والتي تقول إن رئيس الوزراء يمكن أن يحل مكان الرئيس في حال غياب هذا الأخير. ولكن المادة تقول بتراتبية الحلول وتعطي الحق لنائب رئيس الجمهورية أولا ثم لرئيس الوزراء، إذا لم يكن لرئيس الوزراء نائب، كما أنها تشترط إجراء انتخابات لرئيس جمهورية في فترة أقصاها 90 يوما من تاريخ شغور منصب. ومن الملاحظ هنا بأن النقاش له طبيعة أكاديمية، إذ إن هذا الطريق لم يتبع، فالدستور تم تعطيل العمل بأحكامه والحكومة السورية قد أقيلت وسلمت أعمالها لحكومة مؤقتة. والواقع بأنه يجب أيضاً الاعتراف بأن إجراء الانتخابات الرئاسية خلال 90 يوماً مسألة غير ممكنة إذا نظرنا إلى الوضع السوري.
انتهاء حيثيات القرار الدولي
• أين أصبح مفعول القرار 2254 ودور الأمم المتحدة؟
•• هذا القرار اتخذ لمعالجة حالة تختلف تماماً عن الحالة الحالية. فالنظام السوري السابق كان هو الحاكم، حيث تمت دعوته مع المعارضة إلى الجلوس إلى الطاولة للبحث عن حل سياسي، كما أنه يتحدث عن انتقال للسلطة ودستور وحكم جامع.
أما الآن فالسلطة انتقلت فعلا والنظام انتهى والمعارضة المقصودة في القرار لا تلعب أي دور سياسي حالي، ما يعني بأن حيثيات القرار انتهت وانتهى معها وجوده وجوهره من الناحية القانونية.
من الناحية السياسية، ومن ناحية السياسة القانونية يتمسك الكثير بالقرار معللين بأنه من الصعوبة بمكان استصدار قرار جديد من مجلس الأمن بخصوص سورية، ما يعني بأنه سيكون صعباً إرسال بعثة أممية إلى سورية لديها الصلاحية المطلوبة للتدخل في العملية السياسية باسم المجتمع الدولي مثل البعثة التي أرسلت إلى العراق بعد عام 2003.
• أين تسير سورية من الناحية القانونية، وإلى أين يجب أن تسير؟
•• لا يزال النقاش يدور بين خبراء القانون الدستوري السوري حول ضرورة إصدار البيان رقم واحد من قبل قائد الثورة أحمد الشرع. البعض يتحدث عن ضرورة صدور الإعلان الدستوري الذي يضع عادة قواعد الحكم في المرحلة الانتقالية ويحدد الإجراءات التي يجب اتخاذها والسير عليها بهدف إعداد دستور دائم للبلاد ومن ثم إنهاء «التأقيت» في الحكم، ما لفت النظر في المرحلة السابقة هو الحديث عن لجنة لتعديل دستور 2012 ليصبح دستورا يمكن السير على بعض من أحكامه في المرحلة المؤقتة.
بغض النظر عن النقاشات الأكاديمية المرتبطة بكل اقتراح من هذه الاقتراحات، فإنه من الضرورة بمكان وضع قواعد للمرحلة الحالية والكيفية التي يجب السير عليها للوصول إلى دستور دائم وتوطيد الحكم على أساسه، وذلك بغض النظر عن آلية إصدار هذه القواعد المؤقتة. أي أنه من الممكن استخدام آلية من الآليات المذكورة أعلاه، هنا يجب التأكيد على أن الشرع كقائد للثورة من حيث المبدأ هو من يجب أن يقوم بإصدار تلك القواعد. كما أنه من الواجب التعلم من تجارب الدول الأخرى وإعطاء وقت كافٍ للعمل في المرحلة الانتقالية حتى لا يتم خلق إشكالات طويلة الأمد من الناحية الدستورية والقانونية والسياسية لا تحمد عقباها بسبب عدم التأني وتقليب الأمر على كل الأوجه بهدف الوصول إلى الحل الوسط الذي يمكن أن يتفق عليه الجميع.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.