عرب وعالم / السعودية / عكاظ

بحثاً عن القوة المستدامة

منذ أن طرحت رؤية 2030 هدفها الطموح برفع مساهمة القطاع غير الربحي إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، أصبح واضحاً أن الجمعيات الأهلية تواجه تحديّاً كبيراً يتطلب منها مواكبة مستهدف رؤية المملكة 2030، وقد انعقد المنتدى الأول لجمعيات محافظات وقرى منطقة مكة المكرمة ليعيد النقاش حول هذا الدور، لكنه أيضاً كشف فجوة كبيرة بين الطموحات والواقع، والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: هل الجمعيات الأهلية مستعدة لتكون شريكاً استراتيجياً في التنمية المستدامة؟

الجمعيات الأهلية التي يتجاوز عددها 480 جمعية، تخدم ما يقارب 691 ألف نسمة في 17 محافظة بمنطقة مكة المكرمة وحدها، تملك بعضها إمكانات هائلة، لكنها غير مستثمرة بالشكل الكافي، ففي الوقت الحالي وبالرغم من تميز عدد لا بأس به من هذه الجمعيات في المشاركة التنموية، لكن لا يزال يقتصر دور الكثير منها على تقديم مساعدات مالية أو خدمات إنسانية محدودة، وهذا الدور رغم أهميته لا يتماشى مع ما تطمح إليه رؤية 2030 التي تسعى إلى بناء قطاع غير ربحي قوي ومؤثر يسهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.

وحتى تتمكن الجمعيات من تحقيق هذا التحول، يجب أولاً: يعاد تأهيل مجالس إدارة تلك الجمعيات والتأكد من مقدرتها على تأدية تلك الأمانة. ثانياً: التركيز على استقطاب القيادات التنفيذية الواعية، وعلى سبيل المثال لا الحصر، لماذا لا تكون هذه الجمعيات قوة منتجة للفرص؟ ولماذا لا تُدار مثل الشركات الاجتماعية التي تُحقق أرباحاً يعاد استثمارها في مشاريع تنموية تخدم المجتمع؟

ما يُميز المنتدى أنه سلط الضوء على العديد من التحديات التي تواجه القطاع غير الربحي، أبرزها ضعف الاستدامة المالية وقلة الاعتماد على التكنولوجيا، حيث ما زالت كثير من الجمعيات تعمل بموارد محدودة وتعتمد على التبرعات، مما يجعلها عرضة للتقلبات الاقتصادية، إضافة إلى ذلك فإن افتقار العديد منها إلى استراتيجيات واضحة للتحول الرقمي يقلل من قدرتها على التوسع وزيادة تأثيرها.

لكن ما يثير القلق أكثر هو أن هذه التحديات ليست جديدة؛ لأن القطاع غير الربحي يعاني منذ سنوات من فجوة بين الطموحات والإمكانات، ورغم الجهود الحكومية لدعم القطاع غير الربحي، إلا أن غياب بين الجهات الفاعلة يؤدي إلى تداخل الأدوار وهدر الموارد، مما يُضعف كفاءة العمل ويحد من تحقيق الأهداف التنموية.

هذا التشتت يحرم الجمعيات من الاستفادة من الخبرات المشتركة وتوحيد الجهود، مما يجعل تحقيق الأثر المطلوب أكثر صعوبة ويؤكد الحاجة إلى آليات تنظيمية تعزز التعاون وتوجه الجهود نحو الأولويات الوطنية.

المنتدى -المقصود طبعاً المنتدى الأول لجمعيات محافظات وقرى مكة المكرّمة- شهد استعراضاً لقصص نجاح مميزة من جمعيات استطاعت تجاوز التحديات وابتكار حلول مؤثرة، وهذه القصص تُثبت أن النجاح ممكن إذا توفرت الإرادة والموارد، ولكن السؤال الكبير الذي يفرض نفسه هنا، هو: هل يمكن تعميم هذه التجارب على باقي الجمعيات؟ الإجابة تتطلب خطة وطنية واضحة تُعيد صياغة دور الجمعيات من العمل الفردي إلى منظومة متكاملة، حيث يتم تعزيز التعاون بينها بشكل يضمن التكامل بدلاً من التكرار، مع تشجيع تبادل الخبرات عبر منصات موحدة وبرامج تفاعلية تُمكن الجمعيات من التعلم والنمو معاً لتحقيق أثر تنموي مستدام، لذا يجب أن تلعب المؤسسات المانحة دوراً أكبر في دعم الجمعيات الصغيرة والمتوسطة، ليس فقط من خلال التمويل، بل أيضاً من خلال توفير التدريب والتوجيه اللازمين.

من الواضح أن القطاع غير الربحي في المملكة يحتاج الى تحول جذري في طريقة عمله لمواكبة متطلبات التنمية المستدامة، وهذا التحول يبدأ من تعزيز الاستدامة المالية للجمعيات، حيث يجب أن تتبنى نماذج أعمال مبتكرة تقلل من اعتمادها على التبرعات التقليدية، مع التركيز على توليد دخل مستدام من خلال تطوير مشاريع استثمارية متوافقة مع أهدافها الاجتماعية.

كما أن الرقمنة أصبحت ضرورة ملحة وليست خياراً، حيث يمكن أن تُحدث نقلة نوعية في كفاءة العمل وزيادة الشفافية، وسيكون توفير أدوات وتقنيات رقمية متطورة للجمعيات، عبر مبادرات حكومية موجهة، عنصراً أساسياً في تحقيق هذا الهدف.

إضافة إلى ذلك، تُعد الشراكات الاستراتيجية بين الجمعيات والقطاعين الحكومي والخاص ركيزةً مهمةً لبناء منظومة تنموية متكاملة، حيث لا يمكن للجمعيات أن تحقق أهدافها بمعزل عن الأطراف الأخرى. ولتحقيق أقصى استفادة من هذه الشراكات، يجب أن يتزامن ذلك مع تطوير رأس المال البشري، من خلال الاستثمار في تدريب وتأهيل الكوادر العاملة في القطاع غير الربحي لنيل الشهادة الاحترافية والتأهيل الأكاديمي المتخصص؛ لأنها المحرك الأساسي الذي سيقود الجمعيات نحو تحقيق أهدافها بكفاءة وفاعلية.

ومن المهم التأكيد على أن هذا المنتدى فتح المجال أمام الجمعيات لكنه يحملها أيضاً إعادة التفكير في أدوارها وإمكاناتها، ويُحمّلها مسؤولية كبيرة، في أن تستجيب للتحديات وتتحول إلى لاعب رئيسي في تحقيق التنمية المستدامة، أو تستمر في الدور التقليدي الذي يجعلها غير قادرة على تحقيق التأثير المطلوب.

وثمة حقيقة مكشوفة بأن القطاع غير الربحي في المملكة يقف اليوم أمام مفترق طرق؛ لأن نجاح الجمعيات الأهلية في التحول إلى شريك تنموي فاعل يتطلب رؤية واضحة وجهوداً مشتركة بين جميع الأطراف المعنية على مستوى المنطقة، ويعتبر المنتدى الأول لجمعيات مكة المكرمة، هو خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنه البداية فقط لصعود سلم النجاح، فالتحدي الحقيقي يكمن في استمرارية هذه الجهود وترجمتها إلى واقع ملموس.

خلاصة القول، إذا أردنا أن نرى قطاعاً غير ربحيٍ قوي، علينا أن نؤمن بأن الجمعيات الأهلية ليست أدوات خيرية، بل محركات تنموية يمكن أن تساهم بفعالية في بناء مستقبل المملكة، وتحقيق طموحات رؤية 2030.


ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا