عرب وعالم / السعودية / عكاظ

سورية.. الديموغرافيا ولعنة الجغرافيا

لا تكفي دائماً الإدارة والسياسة والدبلوماسية (مهما بلغت احترافيتها) للسيطرة وإدارة أزمة في سورية، عمرُها بعمر الاستعمار الغربي لسورية والدول العربية وأفريقيا. ولا تُجدي الحكمة والصبر والأناة أو رباطة الجأش نفعاً للتعامل مع جوار إقليمي لسورية مليء بالأطماع مثقل بالأحقاد، شهيّتُه لا تزال مفتوحة لسفك المزيد من الدم العربي-المسلم، وقضم المزيد من الأرض العربية، ونهب كل ما هو فوق الأرض أو تحتها من الموارد الطبيعية، ناهيك عن نظام دولي لا يزال يتحكّم به ويديره كاوبوي واشنطن ومجرم الحرب في تل أبيب. نظام عالمي لا يزال على حافة حرب عالمية ثالثة بسبب إصرار مجموعة دول الإرث الاستعماري على نظام القطب الواحد، وإنكار التحولات العالمية وصعود قوى عالمية جديدة.

كانت سورية مؤهلة لتكون دولة إقليمية رائدة في المجال العلمي والزراعي والصناعي والاقتصادي والثقافي، لولا ما تعرّض له الشعب السوري من ظلم وقمع وانتهاكات على يد نظام الأسد الطائفي المجرم لأكثر من 40 سنة، حيث هاجرت العقول والقوى الإنتاجية بحثاً عن العيش الكريم، وحيث دق هذا النظام الإسفين بين المكونات السورية ما تسبّب بنزع الثقة بين بعض المكونات السورية، والذي تسبّب بالأحداث المؤسفة والمؤلمة في مدن الساحل السوري خلال الأيام الأربعة الماضية.

إن عودة سورية المفيدة والقوية مسألة وقت، إذا ما تجاوز السوريون أزمة الثقة التي نزعها النظام البائد بين مكونات الشعب السوري، خاصة أن هناك فراغاً إقليمياً أحدثه خروج والعراق من المعادلة الإقليمية، وهو ما يفسر تكالب المنافسة الإقليمية على سورية الأرض وسورية القوة وسورية النفوذ.

إن نجاح الثورة السورية التي تُوّجت مؤخراً بإسقاط النظام المجرم في دمشق، والمعاناة التي مر بها الشعب السوري على يد النظام البائد على مدى 14 سنة جعلا الشعب السوري توّاقاً لوقف الحرب والتعايش والاستقرار والأمن والسلم بأسرع وقت، في كل ربوع سورية، لولا استغلال بعض الأطراف الخارجية بعض الأقليات السورية والاستثمار في أدلجتها وعسكرتها.

كما أن ما يتميز به الشعب السوري من خصائص وقدرات مثل حبه للعمل والمنافسة بما يملكه من قدرات وتجارب فائقة في مختلف مجالات العمل والمنافسة والخبرة والابتكارات التي اكتسبها في عدد من دول اللجوء، تجعل عودة سورية القوية أكثر واقعية مع تزايد عدد السوريين العائدين لبلادهم من دول اللجوء.

كما أن الشعب السوري ليس طارئاً أو عابراً، فالحضارة السورية التاريخية الغنية والعريقة والمتجذرة ستخيب آمال الذين يراهنون على تقسيم سورية أو تفتيتها، فقد تعاقبت حضارات الآكادية والبابلية والكنعانية والفينيقية والرومانية والبيزنطية والحضارة العربية الإسلامية على سورية. وهو ما تجسّده التجربة السورية في ميادين المعرفة والزراعة والصناعة والتجارة والثقافة والاقتصاد.

كما أن جميع التصريحات والمواقف التي بدرت عن الحكومة المؤقتة تكشف عن رغبة جادة بتجاوز الماضي إلى المستقبل من خلال بسط سيادة الدولة ونفوذها على كامل التراب السوري، وحصر السلاح في يد مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية.

لكن الموقع التاريخي والجغرافي الفريد والاستثنائي لسورية يمكن أن يكون نقمة على هذا البلد وأهله، إذا ما استمرت التدخلات الخارجية والتلويح بالتدخلات من الكيان الاستعماري الغربي في فلسطين وغيره من القوى الإقليمية التي تريد أن تستثمر في نفخ بالونات الأقليات على حساب الوحدة الوطنية والسلم الأهلي.

علينا أن نتذكر دائماً أن الاستعمار الغربي لم يرحل عن منطقتنا كما يظن البعض، فهذا الاستعمار الغربي موجود في منطقتنا بأسماء وعناوين متلونة مثل «إسرائيل» و«داعش» و«قسد»، وتغيير اسم منطقتنا العربية بمسمى منطقة «الشرق الأوسط». فلن يزول هذا الاستعمار إلا بجرد حساب المستعمرين الغربيين وإرغامهم على دفع تعويضات لكل الدول والشعوب التي وقعت تحت الاستعمار بما في ذلك الاستعمار البريطاني لفلسطين، والاستعمار الفرنسي لسورية.

أخبار ذات صلة

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا