منذ اندلاع الثورة السورية قبل 14 عاماً، والتي قابلها النظام بالحديد والنار، أدركت المملكة الأخطار التي تحدق بسورية، ولم توفر أي جهد للحيلولة دون غرق سورية في بحر من الدماء ومستنقع الفوضى، والأخطار التي تهدد بوجود سورية ذاتها، وتداعيات ذلك على الأمن والاستقرار في المنطقة.
لقد بذلت الدبلوماسية السعودية جهوداً مضنية، واستغلت كافة المحافل الإقليمية والدولية لنُصرة قضايا الشعب السوري، ولم توفر أي فرصة لتحقيق التوافق الوطني بين السوريين، إلا أن كل هذه الجهود والمبادرات كانت تصطدم بتعنت نظام الأسد، وارتهانه لمشاريع بعض القوى الإقليمية والدولية، على حساب معاناة السوريين، والمصلحة الوطنية العليا للبلاد.
كانت محددات السياسة الخارجية السعودية إزاء الأوضاع في سورية، تتركز على الحفاظ على وحدة التراب السوري، وصيانة اللحمة الوطنية بين السوريين، والوقوف ضد مختلف الصيغ والأشكال، التي تشكل تهديداً لوحدة سورية.
كما اتخذت المملكة مواقف حاسمة إزاء انتهاك سيادة البلاد، والتدخلات الخارجية في شؤونها، والتأكيد على موقع سورية في العائلة العربية.
إن القاسم المشترك لكل هذه المحددات، والهدف الأول منها، هو تحقيق الاستقرار في سورية، للتخفيف من معاناة الشعب السوري، والذي أصبح أكثر من نصفه بين لاجئ ونازح، ويكابد مختلف أشكال العذابات، سواء داخل وطنه أو في أماكن النزوح أو اللجوء.
بعد الثامن من ديسمبر، وتحرر سورية من نظام الأسد، سارعت المملكة العربية السعودية إلى الإعراب عن الارتياح للخطوات الإيجابية، التي تم اتخاذها لتأمين سلامة الشعب السوري، وحقن الدماء والحفاظ على مؤسسات الدولة ومقدراتها، مجددة الوقوف إلى جانب الشعب السوري وخياراته، والدعوة إلى تضافر الجهود، للحفاظ على وحدة سورية وتلاحم شعبها، بما يحميها من الفوضى والانقسام، ودعم كل ما من شأنه تحقيق أمن سورية واستقرارها، وصيانة سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها.
ودعت المملكة المجتمع الدولي للوقوف إلى جانب الشعب السوري، والتعاون معه بكل ما يخدم سورية وتحقيق تطلعات شعبها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، ومساندة سورية في تجاوز ويلات ما عانى منه الشعب السوري خلال سنوات طويلة، راح ضحيتها مئات الآلاف من الأبرياء، والملايين من النازحين والمهجرين، وعاثت خلالها في سورية المليشيات الأجنبية الدخيلة، لفرض أجندات خارجية على الشعب السوري، كما أكدت المملكة بأنه آن الأوان لينعم السوريون بالأمن والاستقرار والحياة الكريمة، وأن تعود سورية إلى موقعها الطبيعي في العالمين العربي والإسلامي.
لقد شكل هذا الموقف الأخوي للمملكة العربية السعودية، محورا لتحرك الدبلوماسية السعودية في مختلف المحافل العربية والإقليمية والدولية، لنصرة قضية الشعب السوري، ومواكبة التغيير الذي شهدته البلاد بسقوط نظام الأسد، حيث بادرت وشاركت المملكة في مختلف الاجتماعات التي عقدت حول سورية، ابتداء باجتماع العقبة ومروراً باجتماعات الرياض بشأن سورية في 12/01/2025، ومؤتمر باريس، حيث أكدت على دعم الشعب السوري وتقديم العون له ومساعدته، في إعادة بناء سورية دولة عربية موحدة مستقلة آمنة لمواطنيها، ولا مكان للأجنبي فيها، ولا خرق لسيادتها أو الاعتداء على وحدة أراضيها، والتأكيد على دعم عملية سياسية انتقالية، تحفظ حقوق السوريين وبمشاركة مختلف مكونات الشعب السوري، واجتهدت الدبلوماسية السعودية في هذا السياق، على تنسيق الجهد والعمل لرفع العقوبات عن سورية، وبناء قدرات الدولة لعودة اللاجئين.
وكان للمملكة أيضاً موقف واضح وحاسم، من الاعتداءات الإسرائيلية على سورية، وتوغلها في المنطقة العازلة وفي محافظة القنيطرة، واعتبار ذلك احتلالاً وانتهاكاً للقانون الدولي، ومحاولة لزعزعة الأمن والاستقرار في سورية.
وعلى صعيد عودة سورية إلى موقعها الطبيعي في العائلة العربية والإسلامية، ودعم الحكومة السورية، جاءت دعوة وزير الخارجية السوري السيد أسعد الشيباني للمشاركة في اجتماعات وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، وكذلك استئناف عضوية سورية في منظمة التعاون الإسلامي، والذي كان للمملكة دور كبير في ذلك. وجاءت زيارة السيد الرئيس أحمد الشرع، وقبل ذلك السيد أسعد الشيباني وزير الخارجية والمغتربين إلى المملكة العربية السعودية، في باكورة زياراتهما الخارجية، والتي يمكن اعتبارها تقديراً من القيادة السورية الجديدة، للدور الذي تضطلع به المملكة إزاء سورية، كما أنها تأكيد على عودة سورية إلى حاضنتها العربية، بعد غربة طويلة وضعت نفسها فيها، بفعل سياسات النظام البائد.
واستمراراً لوقوف المملكة مع سورية كان الموقف السعودي واضحاً في إدانة الجرائم التي قامت بها مجموعات خارجة عن القانون من فلول النظام البائد على القوات الأمنية في الساحل السوري، ودعم جهود الحكومة السورية لحفظ الأمن والاستقرار، والحفاظ على السلم الأهلي.
واتساقاً مع هذا النهج في تعزيز التلاحم الوطني السوري، جاء ترحيب المملكة بانعقاد مؤتمر الحوار الوطني السوري ومخرجاته، وكذلك بالاتفاق بين الحكومة السورية وقائد قوات سورية الديمقراطية، والذي يقضي بإدماج كافة المؤسسات المدنية والعسكرية، في شمال شرق سورية، ضمن مؤسسات الدولة السورية، ودعم الجهود المبذولة لاستكمال بناء مؤسسات الدولة، بما يحقق الأمن والاستقرار ويلبي تطلعات الشعب السوري.
هذه الجهود الدبلوماسية المكثفة للمملكة رافقها نشاط إنساني لا سابق له، حيث قام مركز الملك سلمان للإغاثة الإنسانية بتسيير جسر جوي وآخر بري، لتقديم المساعدات الإغاثية الغذائية منها والطبية، وغيرها للشعب السوري الذي يعيش معاناة كبيرة، جراء سياسة النظام البائد في إفقار السوريين، وتدمير الاقتصاد.
لقد جعلت الدبلوماسية السعودية بتوجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، من المسألة السورية على رأس سلم أولويات السياسة الخارجية السعودية، وكانت سورية حاضرة في كافة لقاءات سمو الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية، الإقليمية منها والدولية، وتسخير المملكة لمكانتها وعلاقاتها على الساحة الدولية، لنصرة الشعب السوري ومواكبته في المرحلة الجديدة، بعد انتصار ثورته من أجل إعادة بناء سورية وطناً مستقلاً لجميع أبنائه، ينعم فيه بالأمن والاستقرار ضمن عائلته العربية.
إن هذا الاهتمام الذي أولته المملكة للأوضاع في سورية يأتي انطلاقاً من الشعور بالمسؤولية تجاه أشقائها العرب، في مختلف دولهم، وبأن المشاكل في بعض أجزاء البيت العربي يجب أن تعالج ضمن العائلة العربية، والحيلولة دون أي تدخلات خارجية لا تخدم من قريب أو بعيد إلا أصحاب هذه التدخلات وعلى حساب المصالح العربية، وفي المحصلة فإن الأمن العربي كلٌ لا يتجزأ، وتحقيق الاستقرار في الدول العربية من شأنه تحصين الوضع العربي، وفتح آفاق واسعة لتحقيق التنمية والرخاء لعموم المنطقة العربية، وإعادة الأمل إلى شعوبها بمستقبل واعد.
إنها باختصار مقاصد السياسة العربية للمملكة العربية السعودية، والتي تأتي تجسيداً وترجمة للرؤية الطموحة لسمو ولي العهد، والتي تزرع الخير لينعم بثماره كل العرب في مختلف دولهم، والسوريون بحكم انتمائهم العربي، والعلاقة التاريخية والروابط العائلية والاجتماعية مع المملكة، ينظرون إلى المستقبل بأمل وتفاؤل، فالمملكة التي كانت إلى جانبهم على الدوام، ستستمر في مواكبة سورية الجديدة، التي يتطلع إليها السوريون.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.