17 مارس 2025, 1:38 مساءً
تحولت جدران القصور العتيقة في قطاع غزة إلى ركام، واختفت ملامح الحضارات المتعاقبة تحت القذائف، بينما يحاول أبناء القطاع التمسك بذكرياتهم وسط الدمار. قصةٌ لا تتعلق بحجارةٍ سُحقت فحسب، بل بذاكرة شعبٍ تُمحى بمنهجية، وبجرائم حربٍ تُرتكب تحت ذريعة الصراع. هنا، حيث كانت الآثار شاهدةً على قرون من التاريخ، أصبحت اليوم شواهدَ على وحشية لم تُفرق بين البشر والحجر.
شاهد على الإبادة
وسط أنقاض قصر الباشا الذي يعود للعصر المملوكي، يقف حمودة الدحداح (40 عاماً) وكلماته تختلط بالدمع. كان القصر قبل الحرب تحفةً معمارية بجدرانها الذهبية وحدائقها الغنّاء، لكن القصف الإسرائيلي حوّله إلى كومة حجارة. "كانت الجنة تُلمع هنا.. الآن لا شيء يبقى سوى الذكريات"، يقول الدحداح، الذي فقد ابنته مروات (12 عاماً) تحت الأنقاض.
لم ينجُ من القصر سوى أجزاء متناثرة، بينما اختفت مئات القطع الأثرية التي كانت تحكي تاريخ غزة كمركزٍ تجاري وحضاري. التدمير لم يكن عشوائياً؛ فالقصر الذي استضاف نابليون بونابرت ذات يوم، تحوّل إلى هدفٍ عسكري بحسب الرواية الإسرائيلية، التي تتناقض مع شهادات السكان وأدلة الخبراء، وفقًا لصحيفة "الجارديان" البريطانية.
ذاكرة تتهاوى
وعلى بُعد أمتار من القصر، يبحث سليم الوزير (74 عاماً) بين حطام حمام السمرة الذي دمرته القذائف. "هنا عاشت أجيالٌ من عائلتي.. هنا كان الناس يلتقون ليُشفوا جراحهم بالماء الدافئ"، يقول الوزير، الذي ورث إدارة الحمّام عن أجداده منذ العهد العثماني. اليوم، لم يتبقَ سوى أعمدة مكسورة وحجارة متفحمة.
والتقرير المشترك بين خبراء فلسطينيين وبريطانيين يُؤكد: 70% من المواقع التراثية في غزة دُمرت أو تضررت، بعضها تعرض لضرباتٍ مباشرة. هذه ليست حرباً على المقاومة فحسب، بل على الهوية نفسها.
اقتلاع الجذور
"كيف تُدمر حضارة عمرها 2000 عام في غمضة عين؟"، يتساءل طارق هنية (60 عاماً) وهو يحدّق في أنقاض مسجد العمري، الأقدم في القطاع. المسجد الذي كان كنيسةً بيزنطية ثم تحوّل إلى رمزٍ إسلامي، فقد سقفه وجدرانه، بينما بقي منبره المملوكي الخشبي صامداً كشاهدٍ على العناد.
والدمار لم يقتصر على المساجد؛ فالمقابر الرومانية، والموانئ التاريخية، وحتى المتاحف الصغيرة، تحوّلت إلى أهداف. الخسارة هنا ليست مادية فحسب، بل هي اقتلاعٌ لجذور شعبٍ من أرضه.
تحدّي المستحيل
وتتجاوز تكلفة ترميم المواقع الأثرية وحدها 300 مليون دولار، وفق تقديرات الخبراء، لكن التحدي الأكبر هو إعادة الروح لما فقدته غزة. بينما تُروج إسرائيل لرواية "الضرورة العسكرية"، يُجمع المؤرخون على أن التدمير الممنهج يُشكل انتهاكاً صارخاً لاتفاقيات لاهاي لحماية التراث أثناء النزاعات.
والغزيون، رغم جراحهم، يرفضون الاستسلام. سليم الوزير يعاهد نفسه على إعادة بناء حمام السمرة بحجارته الأصلية، بينما يُنظم شبابٌ حملاتٍ لجمع شظايا الآثار من تحت الأنقاض. "سنبني حتى لو استغرق الأمر عمراً كاملاً"، يقول الدحداح.
تساؤلات مصيرية
هل تُجدد المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاتها في جرائم تدمير التراث؟ وهل ستتحول غزة المستقبلية إلى مدينةٍ بلا وجهٍ تاريخي، أم أن إرادة الأهالي ستنتصر على آلة الحرب؟ الأسئلة معلقة، لكن الحجارة المُدمرة تُنطق الحقائق: الحرب على غزة ليست على الحاضر فحسب، بل على الماضي والمستقبل معاً.
وبينما تُدين منظمات حقوقية التدميرَ كجريمة حرب، تظل الإدانة الدولية خجولة. تقارير اليونسكو تحذر من "فقدان ذاكرة البشرية"، لكن العقوبات غائبة. الغضب الشعبي يتصاعد مع نشر صور المقابر الرومانية المدمرة، والتي تُذكر العالم بأن غزة كانت جسراً بين الحضارات. السؤال الأكبر: لماذا يصمت العالم على محو تاريخٍ بأكمله؟
ورغم الدمار، تُنبت زهرةٌ بين الركام. متطوعون شباب يوثقون تفاصيل المواقع المدمرة بتقنية الـ3D، بينما يحفظ كبار السن قصصها عبر الروايات الشفهية. "الذاكرة أقوى من الصواريخ"، تقول نادية (28 عاماً)، إحدى الناشطات في مبادرة "تراث غزة لا يموت"، إنها معركةٌ ضد النسيان، حيث يصبح كل حجرٍ منقذًا من الإبادة.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.