في كثير من الأحيان لا يستطيع أحد أطراف الصراع العسكري حسم الحرب لصالحه، فيلجأ إلى ما يسمى بحرب الإبادة، من خلال تدمير المدن والقرى ودكها على رؤوس المواطنين الأبرياء بهدف إلحاق الهزيمة المعنوية بالطرف الآخر ولإجباره على الخضوع لشروطه، كما حدث لمدينتي هيروشيما وناجازاكي في الحرب العالمية الثانية، وكما حدث لقرية حلبجة التي تمت إبادتها بالأسلحة الكيماوية في حرب الخليج الأولى.
وعندما يحاول المواطن أن يستشف حقيقة ما يجري من حوله من خلال تتبع تصريحات مسؤولي كل طرف؛ حيث يحلل كل منهم طبيعة الصراع وفق منطقه الخاص، يجد تعارضاً ملموساً بين التصريحات المنسوبة لكل طرف، مما يفتح الباب على مصراعيه للتحليلات المتعارضة والمتناقضة مما يصيب المواطن بالحيرة التامة ويفقد القدرة على التمييز بين ما يجب عليه أن يصدقه وما لا يجب عليه أن يصدقه.
غير أنه لعل أسوأ ما في الحروب المفاجآت غير المتوقعة، فعادة ما تتخذ الحروب عقب اندلاعها مسارات لم يكن مخططًا لها، لأن تشابك الأحداث قد يدفع أطرافاً جديدة -لم تكن طرفاً أصيلاً في الصراع- للدخول في حلبة النزاع، ودخول أي طرف في صراع ما يتطلب جر تحالفاته الدولية معه لحماية مصالحها، فكل حليف استراتيجي حريص على الحفاظ على مناطق نفوذه الجغرافية، فالولايات المتحدة كانت -ولا تزال- تعتبر دول الخليج دولاً مستقرة ومتزنة سياسياً ويمكن التنبؤ بأفعالها، إضافة إلى أنها مورد مهم للطاقة على مستوى العالم، ويرتبط الاقتصاد الأمريكي بشراكات مع دول الخليج العربي، لذلك يضع كل الرؤساء الأمريكيين أمن الخليج على قائمة أولوياتهم.
غير أنه في ما يتعلق بالصراعات السياسية فإن ما يطفو على السطح في ما يتعلق بالأسباب الحقيقية لأي صراع قد يختلف تماماً عما تموج به أعماق بحر السياسة المتلاطم، ولا تستطيع أي دولة -وخاصة بعد اندلاع الحرب- أن تتمتع بالشفافية الكافية لتخبر العالم بما يحدث بالفعل في أرض المعركة، فدهاليز السياسة متشعبة وقد لا يلم بكافة خيوطها غير القليل من الساسة.
عقب اندلاع أحداث السابع من أكتوبر 2023، أعلنت إسرائيل أن هدف حربها في قطاع غزة هو تحرير الأسرى من قبضة حماس، وهو الهدف الذي سرعان ما اتضح كذبه؛ فما إن تبدأ مفاوضات استعادة الأسرى حتى تقوم إسرائيل نفسها بعرقلتها ووضع السدود الواحد تلو الآخر أمامها، والمتتبع للأحداث يمكنه بوضوح استنتاج أهداف إسرائيل الخفية التي تتجاوز ما أعلنته، فوجود اتفاقية أوسلو (التي تعتبر كابوساً بالمقاييس الإسرائيلية لزعماء الحزب) كانت الهدف الحقيقي وراء صعود حزب الليكود للسلطة، فقد كان يهدف لتقويضها بكافة الطرق، لذلك فإن المتتبع لحرب السابع من أكتوبر يجد أن إسرائيل كانت تقصف غزة والضفة الغربية في آن واحد، مما يؤكد أن إسرائيل كانت تبيت النية للقضاء على السلطة الفلسطينية في الضفة.
ربما يتساءل المتابع للأحداث عن أسباب دخول إسرائيل على خط المواجهة مع سوريا، ولا سيما بعد سقوط نظام الأسد، فالإدارة السورية الجديدة لديها من مهماتها الداخلية ما يغنيها عن الدخول في أي صراع خارجي، ولكن عندما تقوم إسرائيل بتدمير المقدرات العسكرية لدول عربية فهي بذلك تقدم خدمة جليلة لبعض الدول الغربية، لأن الدول التي تم تدمير مقدراتها العسكرية بحاجة إلى بناء ترسانة أسلحة جديدة تعوض بها ما خسرته على يد الآلة العسكرية الإسرائيلية، وهو ما ستتم ترجمته لصفقات عسكرية ضخمة من شأنها تغذية الشريان الاقتصادي لمؤسسات الصناعات العسكرية الغربية، وبهذا يستمر الوضع على نفس المنوال في دول الشرق الأوسط؛ حيث تشتري دوله السلاح ثم تدمره إسرائيل لتعود وتشتريه من جديد.
من المؤكد أن إسرائيل -من خلال ضربها للقواعد العسكرية السورية مؤخراً- قدمت للولايات المتحدة خدمة جليلة؛ فلطالما رغبت الولايات المتحدة في التخلص من النفوذ الروسي في منطقة الشرق الأوسط، وبالقضاء على نظام الأسد تلاقت المصالح الإسرائيلية والأمريكية معاً، وتم القضاء على الوجود الروسي (السوفييتي سابقاً)، الذي كان يؤرق الولايات المتحدة منذ سبعينيات القرن الماضي.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.