13 أبريل 2025, 3:22 مساءً
"بالحدس والغريزة، أكثر من أي شيء آخر"... بهذه الكلمات البسيطة، لخص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منهجيته في اتخاذ القرارات الحاسمة، خاصة بعد تراجعه الأخير عن فرض رسوم جمركية واسعة واستبدالها بمسار المفاوضات، هذا الاعتراف الصريح بالاعتماد على الغريزة يكشف عن نمط حكم فريد، يضع بصمته بقوة على فترة ولايته الثانية، حيث تبدو القرارات نابعة من رغباته ومزاجه الشخصي أكثر من أي عملية تداولية مؤسسية. فبدلاً من التحليل العميق والتشاور المعتاد، يقود ترامب إدارته والعالم معه في رحلة محفوفة بالمفاجآت، معتمداً على بوصلة داخلية لا يمكن قياسها أو التنبؤ باتجاهاتها دوماً، مما يثير قلقاً واسعاً حول تداعيات هذا النهج على الاستقرار العالمي.
توسيع الصلاحيات
هذا الأسلوب المعتمد على "الحدس" ليس مجرد سمة شخصية، بل تحول إلى أداة لتوسيع صلاحيات الرئاسة بشكل غير مسبوق. يتجاوز ترامب الإجراءات التقليدية، ويعلن حالات الطوارئ لتمرير سياساته، ويتجاهل الأعراف السياسية الراسخة، مبقياً الجميع، من حلفاء وخصوم ومستثمرين، في حالة ترقب دائم لخطوته التالية. النتيجة هي رئاسة تتركز فيها السلطة بشكل متزايد، وتصبح فيها السياسات الهامة رهينة لتقلبات رجل واحد في البيت الأبيض، وفقاً لـ"أسوشيتد برس".
ويرى منتقدون، مثل المؤرخ تيم نفتالي من جامعة كولومبيا، أن هذا السلوك يقترب من تصرفات "حاكم أوروبي مستبد من القرن التاسع عشر"، حيث "يعطس الرئيس في واشنطن، فيصاب العالم بالزكام"، في إشارة إلى التأثير العالمي الفوري لقراراته المتقلبة. ويعتبر نفتالي أن ترامب نجح في الاستحواذ على اهتمام الجميع طوال الوقت، وهو ما يريده بالضبط.
نهج أحادي
في المقابل، يرفض البيت الأبيض بشدة هذه الانتقادات، مؤكداً أن ترامب ينفذ ببساطة الأجندة التي انتُخب على أساسها، وأن أي مقاومة لإرادته، سواء من المحاكم أو الخصوم السياسيين، هي التهديد الحقيقي للديمقراطية. وتدعو السكرتيرة الصحفية كارولين ليفيت إلى "الثقة بالرئيس ترامب"، مؤكدة أنه "يعرف ما يفعله".
ولم يقتصر النهج الأحادي لترامب على التجارة الدولية، التي تُعد المثال الأبرز منذ عودته للمنصب، بل امتد ليشمل مجالات متنوعة. فقد نصب نفسه رئيساً لمركز كينيدي للفنون لتغيير برامجه، وأصدر أوامر بتطهير مؤسسة سميثسونيان من "الأيديولوجية غير اللائقة"، ووجه وزارة العدل للتحقيق مع مسؤولين سابقين عارضوه، حتى أنه ألغى لوائح كفاءة استخدام المياه بأمر تنفيذي مباشر، معتبراً فترة التعليق العام "غير ضرورية" لأن الأمر صادر منه شخصياً. هو نفسه يعترف بقوة منصبه المتزايدة قائلاً: "الفترة الثانية هي ببساطة أقوى... عندما أقول افعلوا ذلك، يفعلونه".
طموحات جيوسياسية
هذه الرغبة في فرض الإرادة الشخصية تمتد حتى إلى طموحات جيوسياسية غير تقليدية، مثل اهتمامه المعلن بضم جزيرة غرينلاند. زيارة نائبه جي دي فانس للجزيرة مؤخراً لم تكن فقط لبحث أهميتها الاستراتيجية في القطب الشمالي، بل أكد فانس أيضاً ضرورة عدم تجاهل "رغبات ترامب" الشخصية في هذا الشأن.
وهذا الميل للتصرف بناءً على الدوافع اللحظية ليس جديداً على ترامب؛ فهو جزء من شخصيته التي صقلها لعقود في عالم الأعمال، من بناء ناطحات السحاب إلى إدارة الكازينوهات. حتى في تقديره لثروته الشخصية، اعترف في إفادة قضائية سابقة بأنها تتأثر "بمشاعره الخاصة" و"موقفه العام"، وهو ما يعكس رؤيته بأن الإرادة الذاتية يمكن أن تشكل الواقع.
مقامرة ضخمة
وهذا الاعتماد المفرط على الحدس يثير قلق خبراء السياسة المخضرمين، مثل ليون بانيتا، الذي شغل مناصب رفيعة في إدارتي كلينتون وأوباما. يحذر بانيتا من أن تجاهل عمليات التشاور والتحليل المعمق يجعل كل قرار "مقامرة ضخمة"، لأنه يفتقر إلى الدراسة الكافية للتداعيات المحتملة، وقد تأتي النتائج كارثية "مثل رمي النرد والحصول على أسوأ نتيجة".
ويشير بانيتا إلى أن هذا الأسلوب يجبر المحيطين بالرئيس على "الخضوع والتملق" له، لأن هذه هي الطريقة الوحيدة للتأثير على قراراته. ويبدو أن ترامب يستمتع بهذا الوضع، لدرجة أنه تفاخر أمام حشد من الجمهوريين بأن القادة الأجانب "يقبلون مؤخرتي" في محاولاتهم لإثنائه عن أجندته التجارية.
اتفاقيات شكلية
وأحدث فصول هذه الدراما كان التراجع عن التهديد بفرض رسوم جمركية واسعة النطاق بعد إعلان "حالة طوارئ وطنية" بسبب العجز التجاري، وهو ما أحدث هزة في الأسواق المالية العالمية. الآن، تم تعليق معظم الرسوم المستهدفة (باستثناء تلك المفروضة على الصين) لمدة 90 يوماً لإفساح المجال للمفاوضات.
وبينما يؤكد مستشار ترامب التجاري، بيتر نافارو، بحماس أن فريق البيت الأبيض يعمل "ليلاً ونهاراً" لإنجاز "90 صفقة في 90 يوماً"، يبدي محللون مثل سكوت لينسيكوم من معهد كاتو تشككاً كبيراً. يصف لينسيكوم الجدول الزمني بأنه "غير قابل للتصديق"، ويتوقع أن تسفر المفاوضات، إن تمت، عن "اتفاقيات شكلية فارغة المضمون"، ليخرج ترامب بعدها ويعلن "نصراً عظيماً".
ويظل المشهد السياسي والاقتصادي العالمي متأثراً بشدة بنهج الرئيس الأمريكي الفريد، الذي يفضل الاعتماد على حدسه الشخصي بدلاً من الآليات المؤسسية. وبينما يرى مؤيدوه في ذلك حزماً وقيادة قوية، يخشى المراقبون من أن تكون هذه القرارات الأحادية والمتقلبة مقامرة بمستقبل النظام العالمي. فإلى متى يمكن للعالم أن يستمر في التأقلم مع رئاسة تعمل وفقاً لـ"حدس" قائدها؟
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة صحيفة سبق الإلكترونية ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من صحيفة سبق الإلكترونية ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.