عرب وعالم / السعودية / عكاظ

الإعلام المنحاز في «صراع الجبابرة» !

الإعلام جزء من صراع القوى الفاعلة في المجتمعات والمنظمات والدول، وهذا تأكيد المؤكد، وتبعاً لذلك؛ فالحياد ليس مطلقاً، ولكنه نسبي ويتفاوت من مجتمع لآخر؛ بحسب الإطار الإعلامي الذي يحكم ممارساته وتوجهاته، وبالتالي تتأثر قيم المصداقية والدقة والموضوعية لتلك الممارسات، والانحياز لأحد طرفي الصراع، وهو ما تغذيه الأيديولوجيا التي تأخذ زمام المبادرة في تضليل وتلوين وتزييف الحقائق، خصوصاً حينما يتم الاستعانة بالتقنيات الحديثة، وأبرزها اليوم الذكاء الاصطناعي في تعميق حالة الصراع، وجدلية الفرز والتفسير والحكم على المضامين المتحيّزة بفعل تلك التقنيات.

الحرب الاقتصادية بين الولايات المتحدة الأمريكية وجمهورية الشعبية نموذج للتزييف الإعلامي العميق، والخطير أيضاً؛ فمنذ الإعلان عن الرسوم الجمركية الأمريكية والصراع انتقل من مرحلة الخفاء إلى العلن، ودخل الإعلام طرفاً في هذا الصراع بين الجانبين، وأصبحت القيم المهنية تابعة للمصالح التي تغذيها أيدولوجيا كل طرف، وشواهد التصريحات، والبيانات، والتغريدات، والصور، والفيديوهات التي خرجت خلال الأسابيع الثلاثة الماضية كافية للتعبير عن الحالة التي وصل إليها إعلام البلدين، والتي تأثرت حتماً بالتوجهات السياسية والاقتصادية.

الواضح أن الإعلام الصيني أكثر ثباتاً في مواقفه وتوجهاته وسياساته تجاه الحرب الاقتصادية المستمرة اليوم، وذلك مقارنة بالإعلام المنقسم جمهورياً وديمقراطياً في توجهاته، وهو ما جعل الرئيس ترمب يواجه تحدياً داخلياً في تمرير رسائله في الداخل الأمريكي قبل دول العالم.

والأمر الآخر أن الإعلام الصيني بدأ يقتات على هذه التفاصيل من الداخل، وتعكس مضامين إعلامه صورٌ وفيديوهات لطوابير الأمريكيين وهم يقفون أمام متاجر الهواتف الذكية، والصدمة من أسعار الماركات العالمية التي تتخذ من الصين مقراً لها وبأسعار تكلفة محدودة، إلى جانب المنتجات الاستهلاكية الصينية التي غمرت الأسواق الأمريكية بما فيها قبعة الرئيس ترمب أثناء الحملة الانتخابية وكانت مصنوعة في الصين، وكذلك الصناعات الضخمة مثل إعادة الصين لطائرات البوينج، إضافة إلى ما ينقله الإعلام الصيني -غير الرسمي- من استياء رجال الأعمال الأمريكيين، وكبرى الشركات والمصانع من سياسة ترمب الاقتصادية، ومواقفه مع رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، ووصولاً إلى ارتفاع التضخم، والقائمة تطول، والقادم مذهل.

اليوم الإدارة الأمريكية شعرت بالضغط الشعبي من قرارات ترمب، وبدأت قبل أيام في مرحلة جديدة من حربها على الصين، وهو ما يسمى «تفويج الصراع» إلى مواقع جغرافية أخرى لتخفيف الضغط، وإشغال الصين بالمواقف الدولية من التعامل التجاري معها، وهو ما اضطر الخارجية الصينية قبل يومين إلى التحذير من اتخاذ إجراءات انتقامية ضد الدول التي تتوصل إلى اتفاقيات تجارية مع الولايات المتحدة على حساب مصالح الصين، وبدأت فعلاً بفرض رسوم جمركية بنسبة 100% على واردات كندية من المنتجات الزراعية والغذائية، وذلك رداً على الرسوم التي فرضتها كندا على السيارات الكهربائية ومنتجات الصلب والألمنيوم الصينية.

الإعلام الصيني أنشغل عن الداخل الأمريكي، وبدأ ينشر خلال اليومين الماضيين محتويات إعلامية عن مواقف الصين التجارية مع شركائها، وتحديداً في الشرق الآسيوي، حيث أعلن الخارجية الصيني خلال لقائه نظيره الإندونيسي أمس الأول، عن استعداد بلاده لاستيراد المزيد من السلع الإندونيسية، مؤكداً أن بكين وجاكرتا تمثلان نموذجاً في الدفاع عن العولمة الاقتصادية والتجارة الحرة.

الحرب التجارية بين أمريكا والصين عميقة جداً، وطاحنة إلى أبعد الحدود، وسيبقى الإعلام طرفاً ثابتاً فيها، ومنحازاً لمواقف ومصالح بلده، وبعيداً عن التمسك بالقيم المهنية، وهذه الحرب لا رجعة فيها حتى لو اتفق الطرفان؛ لأن الثقة، التي هي أساس التعامل التجاري بين البلدين، اهتزت، وصدى ارتدادها وصل إلى كل العالم.

أخبار ذات صلة

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا