عرب وعالم / السعودية / عكاظ

الحج.. مثاقفة روحيّة وقصائد خلّدتها كتب الرحالة

لم يكن الحجُّ عبادةً ذاتيةً شأن سائر الفروض والعبادات، بل يخرج عن إطاره العِبَادي، ليشمل أبعاداً ثقافية واجتماعية واقتصادية، تُخلّد في الذاكرة جلال قدر هذه الشعيرة التي انطلقت منذ زمن إبراهيم الخليل عليه السلام.

وتسكن روحانية الحج، وجدان ملايين المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها؛ وسرعان ما تجيش مشاعرهم، وتشرئب أعناقهم شوقاً، حال استماع قصيدة، أو أغنية، أو حكاية لها صلة بالركن الخامس من أركان الإسلام، خلال نقلها عبر إذاعة أو تلفزة، أو صحافة مقروءة.

وتناول شعراء وكُتّاب وأدباء ورحّالة، الرحلة إلى بيت الله الحرام، ظلّ الشاعر أحمد شوقي أشهرهم برائعته «إلى عرفات الله» التي كتبها عام 1910م، وغنتها أم كلثوم عام 1963م، ومنها:

إِلى عَرَفاتِ اللَهِ يا خَيرَ زائِرٍ

عَلَيكَ سَلامُ اللَهِ في عَرَفاتِ

وَيَومَ تُوَلّى وُجهَةَ البَيتِ ناضِرًا

وَسيمَ مَجالي البِشرِ وَالقَسَماتِ

عَلى كُلِّ أُفقٍ بِالحِجازِ مَلائِكٌ

تَزُفُّ تَحايا اللَهِ وَالبَرَكاتِ

إِذا حُدِيَت عيسُ المُلوكِ فَإِنَّهُم

لِعيسِكَ في البَيداءِ خَيرُ حُداةِ

لَدى البابِ جِبريلُ الأَمينُ بِراحِهِ

رَسائِلُ رَحمانِيَّةُ النَفَحاتِ

وَفي الكَعبَةِ الغَرّاءِ رُكنٌ مُرَحِّبٌ

بِكَعبَةِ قُصّادٍ وَرُكنِ عُفاةِ

وَزَمزَمُ تَجري بَينَ عَينَيكَ أَعيُنًا

مِنَ الكَوثَرِ المَعسولِ مُنفَجِراتِ

فيما عبّر الشاعر محمود حسن إسماعيل عن رحلة الحج والوصول إلى الأسرار الروحية للمناسك وأثرها على الحجاج، بقصيدة:

ولما نزلنا بأرض الهدى

ورد السلام حمام

وطفنا مع الشوق حول الستور

ورحنا بأرواحنا نستلم

دعونا وماذا تقول الشفاه

إذا الروح غنت بسحر النغم

وذهب الخيال بالشاعر السوري بدوي الجبل، إلى أنه في رحلة إلى بيت الله الحرام، فقال:

بنور على أم القرى وبطيب

غسلتُ فؤادي من أسى ولهيب

أخبار ذات صلة

 

لثمت الثرى سبعاً وكحّلتُ مقلتي

بحُسنٍ كأسرار السماء مهيب

وأمسكت قلبي لا يطير إلى منى

بأعبائه من لهفة وحبيب

هنا الكعبة الزهراء والوحي والشذى

هنا النور فافني في هواه وذوبي

ويا مهجتي بين الحطيم وزمزم

تركت دموعي شافعا لذنوبي.

ويطيب لإذاعات وتلفزات في هذه الأيام، إعادة بث التواشيح والأغاني التي خصصت لهذه المناسبة الإسلامية الكبرى، على أمل بمزيد توثيق الأواصر بين المنتسبين إلى هذا الدِّين الذي صهر أرواحهم في بوتقة واحدة، وتطلعاً لأن تتآلف قلوبهم مثلما تآلفت أجسادهم على صعيد المشاعر المقدسة.

ومن الروايات التي وثّقت رحلة حج عام 1328هـ/‏ 1910- 1911م، خصوصاً حج أهل بلاد فارس، رواية «حج إلى مكة المكرمة» لكاتبها: حسين كاظم زاده، ودوّن مشاهداته خلال رحلة حج قام بها، مشيراً إلى التنظيم الاقتصادي لحجاج تلك البلاد، بدءاً من الاستعدادات المبكرة للحج من حيث اجتذاب الراغبين في الحج، ثم نقلهم وما يصاحبه من صعوبات، وأسهب في حديثه عن مكانة مدينة ، ودورها في استقبال الحجاج، وانطلاقهم منها إلى مكة المكرمة، والإجراءات التنظيمية لحجاج فارس، متناولاً النشاط الاقتصادي والاجتماعي والسياسي المصاحب للحج.

وكانت أغنية «اشتياق الحجيج»، للفنَّان محمد الكحلاوي، من أولى أغاني الحجِّ، من تأليفه وتلحينه، وقدَّمتها الإذاعة المصريَّة عام 1936م. وأغنية «يا رائحين للنبي الغالي» قدَّمتها ليلى مراد عام 1953م، وقام بتلحينها الموسيقار رياض السنباطي، ومن كلمات الكاتب المصري أبو السعود الإبياري.

وغنّت أم كلثوم، أغنية «القلب يعشق كل جميل»، كلمات الشاعر بيرم التونسي، وألحان الموسيقار رياض السنباطي. وتغنّت أسمهان بأغنية «عليك صلاة الله وسلامه»، التي لحَّنها شقيقها المطرب والملحن فريد الأطرش، وظهرت الأغنية للنور عام 1943م.

ويظل الفنان طلال مداح أشهر مَن تغنَّى بالحجِّ، وقدم «يا حج يا مبرور»، من كلمات سعيد الهندي، وألحان مطلق الذيابي، و«يا لابس الإحرام» كلمات إبراهيم خفاجي، وألحان طارق عبدالحكيم.

فيما كانت كتب الرحلات إلى الحج مفتوحة على التاريخ الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والثقافي عبر العصور، فلا يكاد يخلو كتاب رحالة، من وصف لأحوال الناس والمدن والطرق والأنظمة، ما يجعل من هذه الكتابات، مصادر تاريخية ثمينة، تكشف عمق الأثر الذي تتركه هذه الرحلة في نفوس المؤمنين برصد التجربة الروحية وإثراء الأدب العربي والإسلامي، ما أضاف إلى المكتبة العربية كنوزاً أدبية تتجاوز الجانب الديني إلى الإبداع الأدبي والتصوير الجمالي والمقارنة بين العصور، إذ تقارن رحلات الحجاج المدوّنة في مختلف الأزمنة، بين ظروف الحج زماناً ومكاناً عبر العصور، من حيث وسائل النقل، والبنية التحتية، والخدمات، ما يُظهر تطور أداء هذه الشعيرة عبر الزمن، وإبراز الجهود في خدمة الحجاج، وتعزيز التواصل الحضاري، والتواصل الثقافي؛ إذ التقت ثقافات عدة في رحاب بيت الله الحرام، ما عزز روح الإسلام العالمية، وأسهم في دراسة وفهم التنوع الثقافي داخل الأمة الإسلامية.

مواقف وأحداث

وأدرجت هذه الكتب في ثنايا صفحاتها، مواقف وأحداث شغلت الكثير من الأدباء والمفكرين، سواء كانوا عرباً أو عجماً، وإذا كانت الصورة المرئية، تنقل اليوم مباشرة وعلى مدار الساعة؛ وتبرز وسائل التواصل الحديثة ما تقدمه المملكة، من جهود عظيمة وغير مسبوقة لخدمة حجاج بيت الله الحرام، فإنّ رحلات الحج التي دونها الكتاب والمؤرخون في وقت سابق كانت المرآة لأشهر الرحلات في القرن العشرين وما قبله كـ«الرحلة الحجازية» للخديوي عباس حلمي الثاني، و«الرحلة الذهبية» لسلطان مالي منسيموسي، ورحلة المؤرخ خير الدين الزركلي، المسماة «ما رأيت وما سمعت»، ورحلة عبدالرحمن الكواكبي المعروفة بـ«أم القرى»، وما رواه الدكتور محمد حسين هيكل في كتابه «في منزل الوحي»، أو كتاب «الرحلة الحجازية النجدية» للعلامة محمد بهجة البيطار، و«رحلة الحجاز» للمازني، ورحلة شيخ الأزهر عبدالحليم محمود، ورحلة بنت الشاطئ المعروفة باسم «أرض المعجزات»، ورحلة الكاتب الصحفي أحمد بهجت التي سماها «الوقوع في هوى الكعبة»، ورحلة القاص يوسف إدريس التي سجلها في كتابه «إسلام بلا ضفاف»، و«الطريق إلى مكة» للمفكر الألماني مراد هوفمان.

خطوات السعي بين الصفا والمروة

وهناك رحلات بلغت من الشهرة مبلغها، منها رحلة ناصر خسرو وابن بطوطة وابن جبير الأندلسي الذي أحصى خطوات السعي بين الصفا والمروة، بـ«493 خطوة»، والمسعى على أيامه الذي وصفه بقوله: وما بين الصفا والمروة، سوق حافلة بجميع الفواكه وغيرها من الحبوب وسائر المبيعات، وحوانيت الباعة يميناً وشمالاً. وحرص على تتبع آثار مكة ومشاهدها ومساجدها وقبابها التي كانت قائمة على عهده، ويطنب ابن جبير في وصف سوق مكة المكرمة، وما تحفل به من أنواع البضائع والخيرات، إذ يقول: هي أكثر البلاد نعماً وفواكه، ومنافع، ومرافق، ومتاجر. ولو لم يكن لها من المتاجر إلا أوان الموسم، ففيه مجتمع أهل المشرق والمغرب، فيباع فيها في يوم واحد - فضلا عما يتبعه من الذخائر النفيسة كالجواهر والياقوت وسائر الأحجار، ومن أنواع الطيب كالمسك والكافور، والعنبر، والعود، والعقاقير الهندية، إلى غير ذلك من جلب الهند والحبشة، إلى الأمتعة العراقية واليمانية، وغير ذلك من السلع الخرسانية، والبضائع المغربية، ووصف النعم بمكة وتوفرها وإعجابه بها من عسل وسمن وزبيب وحلوى وفواكه وغيرها مما شاهده ورآه في هذه الأرض المباركة، ووصف اللحوم بمكة المكرمة، وقال: وأما لحوم ضأنها فإنها أطيب لحم يؤكل في الدنيا.. وما ذاك، والله أعلم إلا لبركة مراعيها. وأضاف: ومن أغرب ما ألفيناه فاستمتعنا بأكله، وأجرينا الحديث باستطابته الرطب، وهو عندهم بمنزلة التين الأخضر في شجرة، يُجنى ويؤكل.

صلوات أهل مكة

وذكر ابن بطوطة عادة أهل مكة في صلواتهم ومواضع أئمتهم، فيقول: فمن عادتهم أن يصلي أول الأئمة إمام الشافعية وهو المقدم من قبل ولي الأمر، وصلاته خلف المقام الكريم مقام إبراهيم الخليل، ويصلي بعده إمام المالكية في محراب قبالة الركن اليماني، ويصلي إمام الحنبلية معه في وقت واحد مقابلاً ما بين الحجر الأسود والركن اليماني، ثم يصلي إمام الحنفية قبال الميزاب المكرم تحت حطيم، ويوضع بين يدي الأئمة في محاريبهم الشمع وترتيبهم هكذا في الصلوات الأربع، وأما صلاة فإنهم يصلونها في وقت واحد كل إمام يصلي بطائفته ويدخل على الناس جراء ذلك سهو وتخليط، فربما ركع المالكي بركوع الشافعي، وسجد الحنفي بسجود الحنبلي، وتراهم مصيخين كل واحد إلى صوت المؤذن الذي طائفته لئلا يدخل عليه السهو.

الحلاقون في مكة

يصف ناصر خسرو مكة بقوله: عندما ينزل الحاج من جبل المروة يجد سوقاً فيها 20 دكاناً متقابلة، يشغلها جميعاً حجامون لحلق شعر الرأس. وحين يتم الحاج شعائر العمرة ويخرج من المسجد الحرام، يدخل السوق الكبيرة التي تقع في الناحية الشرقية؛ والمسماة سوق العطارين، وهي سوق جميلة البنايات وكلها عطارون.

وذكر أن في مكة حمّامين بلاطهما من الحجر الأخضر السنان. وقدّر أن سكانها لا يزيدون على 2000، والباقي يقربون من الـ500 من الغرباء والمجاورين.

ووصف الكعبة المُشرّفة بأنها تقوم وسط المسجد الحرام، وأن المسجد الحرام يقع وسط مكة، والمسجد ممتد طولاً من الشرق إلى الغرب، وعرضاً من الشمال إلى الجنوب، وسوره ليس قائم الزوايا، بل أركانه مقوسة تميل إلى الاستدارة، لتكون وجوه جميع المصلين شطر الكعبة في أي جهة كانوا.

طلب العلم

ومن رحلات السعوديين في الحج رحلة العلامة حمد الجاسر، التي قال فيها عن الدروس، وإمام صلاة محمد عبدالظاهر أبو السمح يلقي درساً في «السرحة» الواقعة يسار الداخل من باب السلام، وهناك يلتئم عدد منهم للاستماع إليه، لبساطة أسلوبه في الوعظ، وربما يكتفي بقراءة القرآن سرداً، بنغمة شجية، ذات تأثير في النفوس، وأشبه القراء به عبدالله الخياط، وكان من أخصّ تلاميذه، وأشبههم به سمتاً. وأضاف: وفي الحرم مدرسون كثر في تلك الأيام؛ منهم الشيخ محمد بن عبدالرزاق حمزة، وهو ذو عناية بالغة بالحديث النبوي، ومحمد العربي التباني -جزائري الأصل- يدرس الحديث أيضاً، والشيخ جمال المكي، عالم جليل كبير السن واختصاصه في النحو، وعمر حمدان الونيسي محدث، وأحمد الهرساني، وله حلقة صغيرة من الطلبة بعد صلاة العصر عند باب «الداوودية» يدرس السيرة النبوية، من كتاب عمود النسب لأحمد البدوي الشنقيطي، وكثرة الإقبال من المستمعين عند فيصل بن محمد بن مبارك، الذي كان يعرض لبعض المسائل التي يكثر الخوض فيها، فيعرضها بأسلوب واضح، ويتقبل ما يوجه إليه من انتقاد برحابة صدر، ويفنّد بطريقة مقنعة لا أثر للعاطفة فيها.

والكتب التي جمعت الرحلات ورصدت ما كتبه المؤرخون والباحثون والمؤلفون في هذا الباب كثيرة؛ منها كتاب عبدالله الحقيل، الذي رصد فيه رحلات 30 حاجاً منهم الرحالة والأدباء والمؤرخون، وكتاب «رحلات الأعلام إلى البلد الحرام» للكاتب محمد عبدالشافي القوصي.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا