في زمن التحولات الرقمية المتسارعة، لم ينج الحرف من يد الذكاء الاصطناعي، فامتدت خوارزمياته إلى حقول الشعر والمقال والرأي، لتتولى ما كان يوماً نتاجاً خالصاً للفكر والوجدان.
اليوم نشهد ظاهرة متنامية بين بعض الشعراء والصحفيين والكتاب الذين باتوا يعتمدون على هذه الأدوات لكتابة نصوصهم، مما يثير تساؤلات عميقة حول مستقبل الإبداع وقدرة العقول على الصمود في عصر الأتمتة.
أن يستعين الكاتب أو الصحفي أو الشاعر بالذكاء الاصطناعي لتوليد فكرة أو تنقيح صياغة لا ضير في ذلك، أما أن يلقي بالقلم جانباً ويترك «الآلة» تفكر وتكتب وتنتج بالنيابة عنه فتلك بداية التراجع لا التقدم.
إنها عودة إلى الخلف في لباسٍ عصري، إذ تغيب الذات ويختزل الإبداع إلى تركيبة رقمية بلا روح.
أخطر ما في الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي هو اغتيال ملكة التفكير، فالعقل الذي يتوقف عن الاجتهاد وعن إعادة النظر وعن البحث عن الجمال بين تضاريس اللغة هو عقل يذبل ببطء، والشاعر الذي لا يرهق قلبه قبل قلمه لن يمنحنا بيتاً حياً يلامس الوجدان، بل مجرد سطر جميل الصياغة فارغ الدلالة.
أما الصحفي الذي يكتفي بتغذية الخوارزمية بمعلومات عامة ليحصل على مقال فهو يفرط في أهم مقومات مهنته «البحث والتحليل والربط بين الظواهر وتقديم زاوية جديدة للقارئ»، ذلك لا يقتل الاعتماد على الذكاء الاصطناعي الإبداع فقط، بل يهدد نزاهة المحتوى وأصالته ويضعف الحس النقدي لدى القارئ والكاتب على حد سواء.
لا شك أن التكنولوجيا أداة جبارة حين تستخدم بوعي لكن الخطورة تكمن حين تتحول إلى بديل عن الفكر لا وسيلة له.
يجب علينا أن نعيد ترتيب العلاقة مع هذه الأدوات ونستفيد منها دون أن نستسلم لها، ونعزز بها قدراتنا دون أن نلغي عقولنا، فالإبداع الحق لا يولد من آلة بل من إنسان.
أخيراً
إن الركون التام إلى الذكاء الاصطناعي يقصي العقل ويتسبب في ضمور المهارات المهنية ما ينعكس على شخصية الكاتب نفسه، فحين يعتمد على أداة تفكر عنه يفقد تدريجياً ثقته بقدراته التحليلية وحسه الإبداعي. وإذا لم نتدارك هذا الميل سيتحول الأديب والصحفي إلى مشغّل آلة لا صاحب فكر، ويصبح المستقبل محتكراً لصوت واحد بلا روح ولا ذاكرة ولا خيال.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.