تقوم أركان صياغة العقد بشكل قانوني سليم على أساس متين من إتقان ما يقضي به القانون واجب التطبيق، فيجب أن يكون للصائغ نظرٌ في مواد النظام الحاكم للعقد المصوغ، وهو في الغالب ما يكون (نظام المعاملات المدنية) الصادر بالمرسوم الملكي ذي الرقم (م/191) بتاريخ 29/11/1444هـ فيما يرد من عقود تكتسب الطابع المدني، بالإضافة إلى القانون التجاري بأعرافه في العقود التجارية مع ما يُمليه (نظام المعاملات المدنية) من أحكام وضوابط قانونية.
من أجل ذلك يكتسب (نظام المعاملات المدنية) الأهميّة لما ورد به من بيان دقيق للأحكام الموضوعية والتفصيلية لضوابط النظرية العامة للالتزام، خصوصاً في الجزء الأول من النظام المتعلق بالعقد باعتباره مصدراً من مصادر الالتزام الإرادية، وما يستلزمه من لوازم في تحقيق أركان العقد المسلم بها، عبر مطابقة الإيجاب للقبول، وسلامة الرضا بين أطرافه، بالإضافة إلى مشروعية محلّ العقد وقيام سببه وعدم مخالفتهما للآداب والنظام العام. فمثلاً؛ لو كان الصائغ بصدد كتابة عقد عمل؛ فعليه العناية بما ورد في نصوص (نظام العمل ولائحته التنفيذية) مع استصحاب ما ورد في (نظام المعاملات المدنية) من أحكام، ويقيس كل ذلك على عقده المصوغ فلا يخالف أحكاماً عامة ولا خاصة - إذا كانت آمرة -، ولا يناهض أركاناً أساسية تعد من مقتضيات القواعد القانونية، وعليه أن يسترعي الانتباه بأن يكون على سنام ما يعتني به ألا يكون في صياغته ما يعدُّ مخالفاً لأحكام الشريعة الإسلامية. ولجميع ما تقدّم فإن البراعة في صياغة العقود يكون بالتضلع بما يرد في القانون المدني بالمقام الأول.
تعدُّ الصِّياغة القانونية للعقود عملاً إبداعيّاً نزيهاً يسعى القائم به إلى تحقيق أهداف (أطراف العقد) في ضوء ما ترمي إليه إراداتهم وما يفرضه موضوع التعاقد محل الصياغة. وما أحسن ما قاله الدكتور عمر الخولي في أحد دوراته التدريبية، إذ قال: «تنمية مهاراتك في صياغة العقود لا تختلف عن بداياتك في تعلم قيادة السيارة التي لم تتمكن من إجادتها إلا بعد أن يجلس إلى جوارك من يوجهك ويأخذ بيدك، ويعمل على رفع مهاراتك فيها إلى أن احترفتها وأصبحت تقود وحدك دون مرشد. وفي الصياغة التعاقدية لا بد من إرساء فكرة مؤداها، أنه عند عرض النص التعاقدي على طرفي العقد، وفهم كل منهما البند بطريقة مختلفة عن الآخر، فعندها وجب تغيير أو تعديل صياغة البند على نحو يقود إلى اتحادهما في تفسير عباراته». كما أضاف إلى ذلك جملة من المحاذير التي يجب تجنبها عند الصياغة القانونية حتى لا تكون معيبة في مدلولها وآثارها، وذلك بقوله: «حينما يكون النص التعاقدي غير قاطع الدلالة على المراد، أو تعلو صياغته مسحة من الغموض، أو تكتسي مفرداته لمسات من التناقض، أو تتغشّاه غيوم من الجهالة، أو تتلبّسه الاحتمالات على نحو يقود إلى اعتناق أطرافه عدداً من التفسيرات المتباينة، فهو نص مؤهل لأن يكون سبباً للخلاف ووقوداً للنزاع!»،
على صائغ العقد أن يجعل من أولى أفكاره في حال نشوب نزاع ما (بين أطراف العقد) – لا سمح الله – أن يركن في طريقه لرأب الصدع بين (أطراف العقد) ما تمليه خبرته في إدارة الموقف القانوني، وذلك كاللجوء لما حدث في مجلس العقد، وما يشير إليه دلائل الحال والنية الحسنة المفترضة، مع الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية والأنظمة المعمول بها والعرف المتبع.
الصياغة مكانة كبرى وقيمة عظمى
تحتل صياغة العقود مكانة كبرى وقيمة عظمى إذا ما استخدمت استخداماً أمثلَ مع ما تقضي به أحكام الأنظمة والتشريعات السارية. ويعد من طليعة نتائج فهم (أطراف العقد) لبنود العقد وشروطه وحدوده أنه يحول بينهم وبين اللجوء إلى القضاء، ويعتبر بدوره قانوناً وقائيّاً يحفظ لكل ذي حق حقّه، ويعتبر فن صياغة العقود من أدّق أنواع الصياغة القانونية، إذ إن السواد الأعظم من المحررات القانونية تستمدّ جذوة قبسها من معطيات (حاضرة قائمة) بيد أن صياغة العقود تتناول معطيات (حاضرة وغائبة) يتنبأ بها، ومن هنا كانت المفاهيم (المفترضة المدونة في العقد) تتطلب من صائغها مُكنة لغوية عالية، وخبرة قانونية وسيعة، وفهماً عميقاً لمصالح (أطراف العقد) وإراداتهم، إلى جانب أهمية مراعاة أحكام التوازن العقدي وما يفرضه النظام العام. لذا تبقى النصيحة قائمة لكل من أراد الدخول في التزام عقدي ما؛ بأن تُعطى مهمة صياغة العقد لمتخصص حاذق عارف، حتى يعود أثر ذلك منتجاً لجميع من هو معنيٌ بالعقد ويحقق السبيل إلى توثيق حقوقهم والتزاماتهم التعاقدية، وحمايتهم الحماية الوقائية الجادّة على أساس قانوني متين.
* باحث قانوني
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.