يروى أن الخليفة المأمون قال لجلسائه من منكم يستطيع أن ينشدني بيتاً من الشعر يستدل منه وإن لم يعرف قائله، إنه شعر ملك؟ فأنشده بعضهم قول امرئ القيس:أمن أجل أعرابية حل أهلهاجنوب الملا عيناك تبتدرانفقال المأمون: ما صنعت شيئاً! فأي شيء في هذا الشعر يدل على أن صاحبه ملك؟ألا يجوز أن يقول هذا القول سوقة من أهل الحضر فكأنه يؤنّب نفسه على التعلق بأعرابية ثم قال، الشعر الذي يدل على أن قائله ملك قول الوليد ابن يزيد:إسقني من سُلاف ريقِ سُليمىواسقِ هذا النديم كأسا عقاراثم التفت إلى جلسائه قائلاً لهم أما تروا إلى إشارته في قوله - هذا النديم - وأنها إشارة ملك؟قد يكون هذا من حكاوي الرواة ودسِهم فليس بالضرورة أن يكون الشعر أو إشارة فيه دليل على أن قائله ملك أو أمير وليس من عامة الناس بل ومن الموالي كما كان عليه الحال في الدولة العباسية.مؤمناً أنه لا يمكن أن يكون لشعر هؤلاء ميزة خاصة تميّزهم عن غيرهم من الشعراء الصعاليك أو الشعراء المبدعين أو التقليديين أو الوجدانيين أو حتى الشعراء الصوفيين أو المنتمين إلى طائفة الفقهاء أمثال عروة بن أذينة القائل:إِنَّ الَّتي زَعَمَت فُؤادَكَ مَلهاخُلِقَت هَواكَ كَما خُلِقتَ هَوىً لَهافَإِذا وَجَدتُ لَها وَساوِسَ سَلوَةٍشَفَعَ الضَميرُ إِلى الفُؤادِ فَسَلَّهابَيضاءُ باكَرَها النَعيمُ فَصاغَهابِلَباقَةٍ فَأَدَقَّها وَأَجَلَّهاإِنّي لَأَكتُمُ في الحَشا مِن حُبِّهاوَجداً لَوَ اَصبَحَ فَوقَها لَأَظَلَّهاوَيَبيتُ تَحتَ جَوانِحي حُبٌّ لَهالَو كانَ تَحتَ فِراشِها لَأَقَلَّهافالشعر هو تعبير عن عاطفة الحب يفيض بها القلب تعبيراً صادقاً يكشف عن سرائر النفس الإنسانية وأسرار القلوب ودخائلها.يجسّدون في قصائدهم أحلامهم وخفق قلوبهم وهذه العاطفة قد يملكها الجميع، وقد يحب الملك ويعشق ويتذلل شعراً في من أحبوكذلك حال الفقير المعدم كلهم يخضعون لسلطان الحب وقهره، إنها سيمفونية الحب الذي تعزفها أصابع القلب مفعمة بالحرارة والصدق معلنة عن ما يفعله الحب بقلوب الشعراء المحبين أيا كانت صفاتهم ومراكزهم الاجتماعية.ولعل من ملوك الشعر امرئ القيس المتذلل لحبيبته بهذه الأبيات وكأنها هي من تملكه:أغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلِيوأنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِوأنك قسمت الفؤاد، فنصفهقتيلٌ ونصفٌ بالحديد مكبلوَمَا ذَرَفَتْ عَيْنَاكِ إلاَّ لِتَضْرِبِيبِسَهْمَيْكِ فِي أعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِأفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِوإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِيوإِنْ تَكُ قَدْ سَاءَتْكِ مِنِّي خَلِيقَةٌفَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِوهذا الخليفة المستعين بالله حاكم الأندلس يقول لحبيبته متذللاً:لا تعذلوا ملكاً تدلل للهوىذل الهوى عز وملك ثانيويقول أيضاً:عجباً يهاب الليث حد سنانيوأهاب لحظ فواتر الأجفانوهذا الخليفة المهدي ابن جعفر المنصوريقول في عشقه لجارية اسمها حسنة:أرى ماء وبي عطش شديدولكن لا سبيل إلى الورودأما يكفيك أنك تملكينيوأن الناس كلهم عبيديوأنك لو قطعت يدي ورجليلقلت من الرضا أحسنت زيديوهذا الخليفة يزيد بن معاوية يقول:خذوا بدمي ذات الوشاح فإننيرأيت بعيني في أناملها دميولا تقتلوها إن ظفرتم بقتلهابلى خبروها بعد موتي بمأتميويقول وهو الخليفة القوي:سألتها الوصل قالت لا تغُر بنامن رام منا وصالاً مات بالكمدفكم قتيل لنا بالحب مات جوىمن الغرام ولم يبدِ ولم يعدفقلت استغفر الرحمن من زللإن المحب قليل الصبر والجلدقد خلفتني طريحاً وهي قائلةتأملوا كيف فعل الظبيّ بالأسدفليس هناك شعر خاص بملك أو مملوك وإنما الشعر صورة لجانب هام من حياة الإنسان ينقل إلينا أحاسيسه ومشاعره؛ لأن من يحمله على قول الشعر العشق، وهو غريزة كامنة في النفس الإنسانية ألهما الله إياها دون تفريق بين كبير أو صغير أو صاحب جاه وسلطان ومن لا سلطان له حتى الأعمى يتساوى مع البصير في هذه الغريزة ولنا في بشار دلالة حيث يقول في من أحبها:لم يطل ليلي ولكن لم أنمونفى عني الكرى طيف ألمنفسي يا عبد عني واعلميأنني يا عبد من لحم ودمإن في بردي جسماً ناحلاًلو توكأت عليه لانهدمختم الحب لها في عنقيموضع الخاتم من أهل الذمموإذا قلت لها جودي لناخرجت بالصمت عن لا ونعمويدحض ابن زيدون مقولة شعر الملوك بشعره لولادةأَرخَصتِني مِن بَعدِ ما أَغلَيتِنيوَحَطَطتِني وَلَطالَما أَعلَيتِنيبادَرتِني بِالعَزلِ عَن خُطَطِ الرِضىوَلَقَد مَحضتُ النُصحَ إِذ وَلَّيتِنيهَلّا وَقَد أَعلَقتِني شَرَكَ الهَوىعَلَّلتِني بِالوَصلِ أَو سَلَّيتِنيالصَبرُ شَهدٌ عِندَما جَرَّعتِنيوَالنارُ بَردٌ عِندَما أَصلَيتِنيكُنتِ المُنى فَأَذَقتِني غُصَصَ الأَذىيا لَيتَني ما فُهتُ فيكِ بِلَيتَنيإنها عاطفة يتساوى فيها الجميع دون تفرقة أو تمييز. أخبار ذات صلة