عرب وعالم / السعودية / عكاظ

الشعر عاطفة يتساوى فيها الخلق !

يروى أن الخليفة المأمون قال لجلسائه من منكم يستطيع أن ينشدني بيتاً من الشعر يستدل منه وإن لم يعرف قائله، إنه شعر ملك؟ فأنشده بعضهم قول امرئ القيس:

أمن أجل أعرابية حل أهلها

جنوب الملا عيناك تبتدران

فقال المأمون: ما صنعت شيئاً! فأي شيء في هذا الشعر يدل على أن صاحبه ملك؟

ألا يجوز أن يقول هذا القول سوقة من أهل الحضر فكأنه يؤنّب نفسه على التعلق بأعرابية ثم قال، الشعر الذي يدل على أن قائله ملك قول الوليد ابن يزيد:

إسقني من سُلاف ريقِ سُليمى

واسقِ هذا النديم كأسا عقارا

ثم التفت إلى جلسائه قائلاً لهم أما تروا إلى إشارته في قوله - هذا النديم - وأنها إشارة ملك؟

قد يكون هذا من حكاوي الرواة ودسِهم فليس بالضرورة أن يكون الشعر أو إشارة فيه دليل على أن قائله ملك أو أمير وليس من عامة الناس بل ومن الموالي كما كان عليه الحال في الدولة العباسية.

مؤمناً أنه لا يمكن أن يكون لشعر هؤلاء ميزة خاصة تميّزهم عن غيرهم من الشعراء الصعاليك أو الشعراء المبدعين أو التقليديين أو الوجدانيين أو حتى الشعراء الصوفيين أو المنتمين إلى طائفة الفقهاء أمثال عروة بن أذينة القائل:

إِنَّ الَّتي زَعَمَت فُؤادَكَ مَلها

خُلِقَت هَواكَ كَما خُلِقتَ هَوىً لَها

فَإِذا وَجَدتُ لَها وَساوِسَ سَلوَةٍ

شَفَعَ الضَميرُ إِلى الفُؤادِ فَسَلَّها

بَيضاءُ باكَرَها النَعيمُ فَصاغَها

بِلَباقَةٍ فَأَدَقَّها وَأَجَلَّها

إِنّي لَأَكتُمُ في الحَشا مِن حُبِّها

وَجداً لَوَ اَصبَحَ فَوقَها لَأَظَلَّها

وَيَبيتُ تَحتَ جَوانِحي حُبٌّ لَها

لَو كانَ تَحتَ فِراشِها لَأَقَلَّها

فالشعر هو تعبير عن عاطفة الحب يفيض بها القلب تعبيراً صادقاً يكشف عن سرائر النفس الإنسانية وأسرار القلوب ودخائلها.

يجسّدون في قصائدهم أحلامهم وخفق قلوبهم وهذه العاطفة قد يملكها الجميع، وقد يحب الملك ويعشق ويتذلل شعراً في من أحب

وكذلك حال الفقير المعدم كلهم يخضعون لسلطان الحب وقهره، إنها سيمفونية الحب الذي تعزفها أصابع القلب مفعمة بالحرارة والصدق معلنة عن ما يفعله الحب بقلوب الشعراء المحبين أيا كانت صفاتهم ومراكزهم الاجتماعية.

ولعل من ملوك الشعر امرئ القيس المتذلل لحبيبته بهذه الأبيات وكأنها هي من تملكه:

أغَرَّكِ مِنِّي أنَّ حُبَّكِ قَاتِلِي

وأنَّكِ مَهْمَا تَأْمُرِي القَلْبَ يَفْعَلِ

وأنك قسمت الفؤاد، فنصفه

قتيلٌ ونصفٌ بالحديد مكبل

وَمَا ذَرَفَتْ عَيْنَاكِ إلاَّ لِتَضْرِبِي

بِسَهْمَيْكِ فِي أعْشَارِ قَلْبٍ مُقَتَّلِ

أفاطِمَ مَهْلاً بَعْضَ هَذَا التَّدَلُّلِ

وإِنْ كُنْتِ قَدْ أزْمَعْتِ صَرْمِي فَأَجْمِلِي

وإِنْ تَكُ قَدْ سَاءَتْكِ مِنِّي خَلِيقَةٌ

فَسُلِّي ثِيَابِي مِنْ ثِيَابِكِ تَنْسُلِ

وهذا الخليفة المستعين بالله حاكم الأندلس يقول لحبيبته متذللاً:

لا تعذلوا ملكاً تدلل للهوى

ذل الهوى عز وملك ثاني

ويقول أيضاً:

عجباً يهاب الليث حد سناني

وأهاب لحظ فواتر الأجفان

وهذا الخليفة المهدي ابن جعفر المنصور

يقول في عشقه لجارية اسمها حسنة:

أرى ماء وبي عطش شديد

ولكن لا سبيل إلى الورود

أما يكفيك أنك تملكيني

وأن الناس كلهم عبيدي

وأنك لو قطعت يدي ورجلي

لقلت من الرضا أحسنت زيدي

وهذا الخليفة يزيد بن معاوية يقول:

خذوا بدمي ذات الوشاح فإنني

رأيت بعيني في أناملها دمي

ولا تقتلوها إن ظفرتم بقتلها

بلى خبروها بعد موتي بمأتمي

ويقول وهو الخليفة القوي:

سألتها الوصل قالت لا تغُر بنا

من منا وصالاً مات بالكمد

فكم قتيل لنا بالحب مات جوى

من الغرام ولم يبدِ ولم يعد

فقلت استغفر الرحمن من زلل

إن المحب قليل الصبر والجلد

قد خلفتني طريحاً وهي قائلة

تأملوا كيف فعل الظبيّ بالأسد

فليس هناك شعر خاص بملك أو مملوك وإنما الشعر صورة لجانب هام من حياة الإنسان ينقل إلينا أحاسيسه ومشاعره؛ لأن من يحمله على قول الشعر العشق، وهو غريزة كامنة في النفس الإنسانية ألهما الله إياها دون تفريق بين كبير أو صغير أو صاحب جاه وسلطان ومن لا سلطان له حتى الأعمى يتساوى مع البصير في هذه الغريزة ولنا في بشار دلالة حيث يقول في من أحبها:

لم يطل ليلي ولكن لم أنم

ونفى عني الكرى طيف ألم

نفسي يا عبد عني واعلمي

أنني يا عبد من لحم ودم

إن في بردي جسماً ناحلاً

لو توكأت عليه لانهدم

ختم الحب لها في عنقي

موضع الخاتم من أهل الذمم

وإذا قلت لها جودي لنا

خرجت بالصمت عن لا ونعم

ويدحض ابن زيدون مقولة شعر الملوك بشعره لولادة

أَرخَصتِني مِن بَعدِ ما أَغلَيتِني

وَحَطَطتِني وَلَطالَما أَعلَيتِني

بادَرتِني بِالعَزلِ عَن خُطَطِ الرِضى

وَلَقَد مَحضتُ النُصحَ إِذ وَلَّيتِني

هَلّا وَقَد أَعلَقتِني شَرَكَ الهَوى

عَلَّلتِني بِالوَصلِ أَو سَلَّيتِني

الصَبرُ شَهدٌ عِندَما جَرَّعتِني

وَالنارُ بَردٌ عِندَما أَصلَيتِني

كُنتِ المُنى فَأَذَقتِني غُصَصَ الأَذى

يا لَيتَني ما فُهتُ فيكِ بِلَيتَني

إنها عاطفة يتساوى فيها الجميع دون تفرقة أو تمييز.

أخبار ذات صلة

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا