تعتبر الجرائم الالكترونية من الجرائم التي تهدد أمن الأفراد والمؤسسات في الفضاء الرقمي، حيث كشفت تقارير أمنية حديثة عن ارتفاع ملحوظ في معدل الهجمات الإلكترونية خلال العام الماضي، مستهدفة قطاعات حيوية مثل المصارف والقطاع الصحي والتعليمي.
كما أوضح خبراء في الأمن السيبراني أن الجرائم الأكثر شيوعًا تشمل الاحتيال المالي، واختراق الحسابات، وسرقة البيانات الحساسة، مؤكدين على ضرورة تطوير البنية التحتية الرقمية وتعزيز وسائل الحماية التقنية، في حين شددت الجهات المختصة على أهمية التوعية المجتمعية، والإبلاغ عن أي نشاط إلكتروني مشبوه، ضمن حملات تهدف إلى رفع مستوى الوعي وتعزيز الأمن الرقمي للمجتمع ككل.
وحول هذا الموضوع تحدث المحامي علي بن حسن بن أحمد المالكي، المتخصص في القضايا الحقوقية والتجارية ، حول الجرائم الإلكترونية، ودور الأنظمة في مكافحتها، والتحديات القانونية المرتبطة بها، وكان لنا معه هذا الحوار:
التعريف العالمي
*تُعرف الجرائم الإلكترونية عالمياً بأنها استخدام غير مشروع للتقنية بهدف الاعتداء على الآخرين أو اختراق الأنظمة، فما هي رؤيتكم لهذا الموضوع؟
نعم تُعرف الجرائم الإلكترونية بأنها استخدام غير مشروع للتقنية بهدف الاعتداء على الآخرين أو اختراق الأنظمة، سواء لتحقيق مكاسب مالية أو لمجرد الإضرار بالغير.
ووفقًا للنظام السعودي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م)17/ بتاريخ 8/3/1428هـ، تُعد الجريمة الإلكترونية: “كل فعل يُرتكب باستخدام الحاسب الآلي أو الشبكة المعلوماتية بالمخالفة لأحكام ذلك النظام”.
وتشمل تلك الجرائم استخدام الإنترنت في أنشطة غير مشروعة مثل الاحتيال، الابتزاز، سرقة الهوية، اختراق الأنظمة، التهديد، نشر البرمجيات الخبيثة، أو الترويج للمخدرات والممنوعات، وتكمن خطورة هذه الجرائم في أنها تتم عن بُعد، وغالبًا ما تُرتكب بهويات مزيفة، ما يصعب من عملية تعقُّب الجناة.
كما أنها لا تقتصر على الأفراد فقط، بل تستهدف كذلك المؤسسات الحكومية والخاصة، مما يؤدي إلى خسائر مالية وأضرار أمنية.
مزايا التصدي للجرائم الإلكترونية:
– حماية المجتمع من التهديدات الرقمية التي قد تمس أمنه واستقراره. – تعزيز الثقة في التعاملات الإلكترونية والتجارة الرقمية.
– دعم الاقتصاد الرقمي
أشكال الجرائم
اذاً نظراً لتعدد أشكال الجرائم الإلكترونية مع تطور التقنية وزيادة الاعتماد على الإنترنت وانها، أصبحت تحديًا حقيقيًا لأمن الأفراد والمجتمع. فماهي أبرز أنواع الجرائم الإلكترونية المنتشرة ؟
اشكال وانواع الجرائم:
من أبرزها الابتزاز الإلكتروني، مثل تهديد الأفراد بنشر معلومات أو صور خاصة مقابل مبالغ مالية أو تنفيذ طلبات معينة، وغالبًا ما يتم عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي، وكذلك الاحتيال البريد الإلكتروني.
ويستهدف الأفراد والمؤسسات عبر رسائل مزيفة توهم الضحية بأنها صادرة من جهات رسمية أو موثوقة، بغرض سرقة معلومات حساسة مثل كلمات المرور أو البيانات البنكية، وأيضًا اختراق الحسابات الشخصية، خصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي مثل X وسناب شات وإنستغرام، ويتم استخدامها لاحقًا للابتزاز أو النشر الضار.
وكذلك النصب والاحتيال الإلكتروني: ويشمل بيع منتجات وهمية أو تقليدية بطرق مضللة عبر الإنترنت، أو إنشاء متاجر إلكترونية مزيفة تخدع المستهلكين، بالاضافة للتشهير الإلكتروني، بنشر معلومات أو صور أو مقاطع فيديو بقصد الإساءة لسمعة شخص أو جهة، وهي جريمة يعاقب عليها النظام السعودي.
وأيضًا القرصنة وسرقة البيانات، وتستهدف المؤسسات الكبيرة، حيث يتم اختراق الأنظمة للحصول على معلومات سرية أو تدمير البيانات.
الأنظمة القانونية السعودية
*وضعت المملكة أنظمة خاصة لضبط ومكافحة الجرائم الإلكترونية، أبرزها نظام مكافحة جرائم المعلوماتية، فما هي أشهر الأنظمة القانونية المعمول بها حاليًا لمكافحة هذه الجرائم؟
هناك عدة أنظمة، من أهمها : نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، الذي يحدد الأفعال الجرمية والعقوبات. كما يتم إصدار تشريعات جديدة باستمرار للتعامل مع المستجدات الإلكترونية ومواجهة تحديات الجريمة الرقمية. ويُعد هذا النظام حجر الأساس في حماية الأفراد والمنشآت من الجرائم المرتبطة باستخدام التقنية، حيث يغطي مجموعة واسعة من الأفعال مثل الدخول غير المشروع إلى الأنظمة، أو انتحال الهوية، أو نشر المحتوى الضار والمسيء، إضافة إلى انتهاك الخصوصية والابتزاز عبر الوسائل الرقمية.
كما أن المملكة تعتمد على منظومة تشريعية متكاملة تدعم هذا النظام، من بينها نظام التجارة الإلكترونية، ونظام حماية البيانات الشخصية، وكلها تهدف إلى تنظيم الفضاء الرقمي وتعزيز الثقة والأمان في استخدام التقنية. وتلعب عدة جهات حكومية أدوارًا فعالة في تطبيق هذه الأنظمة، مثل الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، وهيئة الاتصالات والفضاء والتقنية (CST)، والنيابة العامة، حيث تتعاون جميعها في رصد المخالفات، والاستجابة لها، والتوعية بمخاطر الجريمة الإلكترونية.
وتسعى الدولة بشكل مستمر إلى تطوير هذه الأنظمة لمواكبة التغيرات المتسارعة في عالم التقنية، كما تعمل على رفع مستوى الوعي المجتمعي من خلال حملات توعوية وبرامج تدريبية، بهدف بناء بيئة رقمية آمنة ومستدامة تحمي المستخدمين وتدعم التحول الرقمي الوطني.
عقوبات صارمة
*وماذا عن العقوبات والغرامات المالية والسجن؟
تختلف العقوبات باختلاف نوع الجريمة، ومن أبرزها:
-جريمة التشهير بالآخرين عبر الوسائل الإلكترونية وعقوبتها السجن لمدة تصل إلى سنة واحدة، وغرامة مالية تصل إلى 500,000 ريال سعودي، أو بإحدى هاتين العقوبتين.
المصدر: المادة (3) من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية.
-جريمة اختراق الحسابات أو الدخول غير المشروع إلى المواقع الإلكترونية: السجن لمدة تصل إلى سنة واحدة، وغرامة مالية تصل إلى 500,000 ريال سعودي، أو بإحدى العقوبتين.
المصدر: المادة (3) من النظام نفسه.
-جريمة الابتزاز الإلكتروني: السجن لمدة تصل إلى سنة واحدة، وغرامة مالية تصل إلى 500,000 ريال سعودي، أو بإحدى العقوبتين.
المصدر: المادة (3) مع ملاحظة: أن الابتزاز يُقصد به “التهديد بإفشاء أو نشر معلومات خاصة أو صور بقصد حمل الشخص على القيام بفعل أو الامتناع عنه.”
-جريمة الوصول غير المشروع إلى البيانات البنكية أو المعلومات الائتمانية: السجن لمدة تصل إلى 3 سنوات، وغرامة مالية تصل إلى 2 مليون ريال سعودي، أو بإحدى العقوبتين.
المصدر: المادة (5).
-جريمة إنتاج أو نشر مواد تتعلق بالإباحية أو انتهاك الآداب العامة: السجن لمدة تصل إلى 5 سنوات، وغرامة تصل إلى 3 ملايين ريال سعودي، أو بإحدى العقوبتين.
المصدر: المادة (6).
-جريمة اختراق الشبكات أو تعطيلها أو إعاقة الخدمة : السجن لمدة تصل إلى 4 سنوات، وغرامة تصل إلى 3 ملايين ريال سعودي.
المصدر: المادة (4)
دور المحامي
*يتعامل المحامي مع هذه القضايا بدراسة الأدلة الرقمية وتقديم الدفاع أو المطالبة بالحقوق أمام الجهات المختصة، فكيف يتعامل المحامي مع قضايا الجرائم الإلكترونية؟
التعامل مع هذه القضايا يتطلب معرفة تقنية وقانونية عالية، بالتعاون مع خبراء أمن معلومات لفهم الأدلة الرقمية وتحليلها وضمان عدم التلاعب بها، مثل: سجلات الاتصالات، بيانات الحسابات الإلكترونية، ملفات التخزين، ويجب التحقق من صحة هذه الأدلة عبر أدوات تحليل رقمية موثوقة.
أما المهام الأساسية التي يقوم بها المحامي في هذه القضايا فهي:
-تحليل الوقائع التقنية:
يعمل المحامي على فهم التفاصيل التقنية للحادثة، بالتعاون مع خبير جرائم معلوماتية معتمد، لفحص طبيعة الجريمة هل هي اختراق أو تشهير أو ابتزاز، سرقة بيانات.
-فحص الأدلة الرقمية:
التأكد من قانونية الحصول على الأدلة وعدم مخالفة الخصوصية أو الإجراءات النظامية.
التحقق من سلامة الأجهزة أو الحسابات التي تم استخدامها في الجريمة.
صياغة المرافعات القانونية:
يقوم بصياغة لائحة الادعاء أو الدفاع باستخدام المصطلحات التقنية القانونية، بما يتماشى مع مواد نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية.
الترافع أمام الجهات القضائية المختصة:
مثل المحاكم الجزائية أو النيابة العامة أو وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية.
متابعة إجراءات التحقيق والتقاضي:
يتابع مسار القضية مع الجهات المختصة مثل هيئة الاتصالات، الأمن السيبراني، وخبراء الأدلة الرقمية.
تقديم طلبات لاستدعاء البيانات:
قد يقدم المحامي طلبًا رسميًا للحصول على سجلات أو إثباتات من الشركات المزودة للخدمة أو منصات التواصل، وفق الإجراءات القانونية المعتمدة.
وهناك مصادر موثوقة تدعم هذه الآلية: نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية السعودي المواد 3 و6 و7 و11 دليل “تحقيق الأدلة الرقمية” الصادر عن النيابة العامة السعودية، والذي يؤكد على أهمية الإجراءات الفنية والضوابط عند التعامل مع أدلة إلكترونية.
وكذلك هناك ممارسات موثقة من قبل الهيئة الوطنية للأمن السيبراني فيما يخص التعامل مع الحوادث السيبرانية والاستجابة لها.
الوعي المجتمعي
*أصبح الوعي المجتمعي تجاه مخاطر الجرائم الإلكترونية أكثر انتشارًا، لكن لا يزال يحتاج إلى تعزيز وتوعية مستمرة، في ظل هذه التهديدات، فكيف تقيّمون مستوى الوعي المجتمعي؟
للأسف لا يزال الوعي بحجم وخطورة الجرائم الإلكترونية منخفضًا لدى بعض شرائح المجتمع، رغم جهود التوعية.
ومن النصائح القانونية المهمة: تجنب مشاركة المعلومات الحساسة عبر الإنترنت. استخدام كلمات مرور قوية وتغييرها باستمرار، والتحقق من الروابط قبل النقر عليها لأن مواجهة هذه الجرائم لا تقتصر على الأنظمة وحدها، بل تعتمد بشكل كبير على وعي المستخدمين وسلوكهم في الفضاء الرقمي.
ولذلك فإن رفع مستوى الوعي الرقمي أصبح ضرورة وطنية، خاصة مع التوسع في الخدمات الإلكترونية والتعاملات عبر الإنترنت ومن أهم النصائح القانونية والتقنية لتفادي الوقوع ضحية للجرائم الإلكترونية: عدم مشاركة المعلومات الحساسة عبر الإنترنت، مثل أرقام الهوية الوطنية، أو البيانات البنكية، أو الصور الخاصة، إلا من خلال قنوات رسمية وآمنة استخدام كلمات مرور قوية ومعقدة تحتوي على حروف وأرقام ورموز، وتغييرها بشكل دوري.
كما يجب تجنب استخدام كلمة مرور موحدة لكل الحسابات التحقق من الروابط والمصادر قبل النقر عليها، خاصة تلك التي تصل عبر رسائل أو بريد إلكتروني غير موثوق، فالكثير منها يكون وسيلة للاحتيال أو سرقة البيانات عدم التفاعل مع الرسائل المجهولة أو المشبوهة التي تطلب تحويل مبالغ مالية أو تدّعي وجود جوائز وهمية تحديث البرامج والتطبيقات باستمرار لضمان حماية الأجهزة من الثغرات الأمنية.
ومن المهم استخدام برامج حماية موثوقة مثل مضادات الفيروسات والجدران النارية على الأجهزة الشخصية الإبلاغ عن أي نشاط إلكتروني مشبوه عبر منصات الجهات المختصة، مثل تطبيق “كلنا أمن” أو بوابة بلاغات الجرائم الإلكترونية التابعة لوزارة الداخلية.
ووفقًا لتقارير رسمية من الهيئة الوطنية للأمن السيبراني، فإن معظم الهجمات الإلكترونية التي تستهدف الأفراد تستغل قلة الوعي وغياب الحذر، لذلك فإن الحماية تبدأ من المستخدم نفسه.
وتعمل المملكة على تكثيف جهود التثقيف الرقمي في المدارس والجامعات ووسائل الإعلام، بهدف بناء مجتمع رقمي واعٍ وقادر على مواجهة التهديدات السيبرانية.
جهود قانونية
*من المتوقع تطوير التشريعات الرقمية وتعزيز قدرات الجهات القانونية في التعامل مع هذه القضايا، فهل من جهود قانونية قائمة لتعزيز المواجهة؟
نعم، هناك تركيز متزايد على مكافحة الابتزاز والتشهير، وسد الثغرات القانونية المتعلقة ببعض الجرائم التي لا تزال العقوبات فيها غير كافية أو غير شاملة لكل أنواع الاحتيال.
وتأتي هذه الجهود في إطار استراتيجية وطنية شاملة تعمل على رفع مستوى الأمن السيبراني وتحقيق العدالة الرقمية، بما يواكب تطور التقنيات الحديثة وأساليب الجريمة الإلكترونية المتغيرة، ومن أبرز مظاهر هذه الجهود أن المملكة العربية السعودية، ممثلة في الجهات العدلية والتشريعية، قد بدأت مراجعات دورية وشاملة لنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، لتغطي الجرائم الناشئة مثل الابتزاز عبر تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والاحتيال باستخدام تقنيات التزييف العميق، واستخدام العملات الرقمية لأغراض غير قانونية.
كما أن التركيز أصبح أشد وضوحًا على الجرائم ذات الطابع الشخصي التي تؤثر على أمن الأفراد وسمعتهم، ومنها التشهير الإلكتروني، وانتهاك الخصوصية، ونشر الشائعات والمحتوى الضار عبر المنصات الرقمية.
وتعمل النيابة العامة السعودية على إنشاء وحدات متخصصة في التحقيق في الجرائم السيبرانية، وتدريب منسوبيها على التعامل مع الأدلة الرقمية، بما في ذلك كيفية تتبع الحسابات الوهمية، وتحليل البيانات الرقمية، وملاحقة الجناة داخل وخارج المملكة عند استخدامهم منصات إلكترونية محمية أو مجهولة المصدر.
كما تم تطوير آليات التنسيق مع هيئة الاتصالات والفضاء والتقنية، والهيئة الوطنية للأمن السيبراني، بهدف تبادل المعلومات التقنية ذات العلاقة بمكافحة الجريمة الرقمية، ومن جانب آخر، تقوم وزارة العدل ومجلس الشورى بمراجعة وتطوير المواد القانونية التي لا تزال تحتاج إلى مزيد من الحزم أو الشمول، خصوصًا في ما يتعلق بأنواع الاحتيال التي تظهر بطرق متجددة، كإنشاء منصات وهمية للاستثمار، أو إرسال روابط تصيد تخدع المستخدمين للحصول على بياناتهم البنكية.
وتُطرح مقترحات تشريعية لتعزيز المسؤولية القانونية على شركات التقنية الكبرى والمنصات الرقمية التي تسمح بانتشار هذا النوع من المحتوى، وذلك من خلال إلزامها بالاستجابة للبلاغات المحلية وإزالة المواد المخالفة خلال فترات زمنية محددة وتسعى المملكة من خلال هذه الخطوات إلى بناء بنية تشريعية متقدمة تواكب الاقتصاد الرقمي، وتوفر الحماية القانونية للمستخدم، وتحقق التوازن بين حرية الاستخدام والمسؤولية القانونية.
كما يتم التركيز على التوعية القانونية والإعلامية لتثقيف المجتمع حول حقوقهم وطرق الوقاية من الوقوع ضحايا، في ظل توجه وطني طموح لجعل البيئة الرقمية أكثر أمانًا واستقرارًا لكافة شرائح المجتمع.
مستقبل المواجهة
*تبذل المملكة جهودًا قانونية مستمرة من خلال تحديث الأنظمة وتكثيف العقوبات وحملات التوعية للحد من هذه الجرائم، فما مستقبل التعامل القانوني مع هذه القضايا في السعودية؟
مستقبل القانون السعودي في التعامل مع الجرائم الإلكترونية واعد، خاصة مع تبني تقنيات حديثة وتعزيز البنية التشريعية لضمان الحماية الرقمية، ونأمل أن نشهد تطورًا مستمرًا لحماية الوطن والمواطن من هذه التهديدات.
وتسير المملكة بخطى واثقة نحو تطوير منظومتها القانونية والأمنية في المجال الرقمي، حيث باتت الجرائم المعلوماتية تمثل أحد أبرز التحديات التي تتطلب استجابة مرنة وسريعة من الجهات المختصة.
وقد أدركت الدولة مبكرًا أهمية تكييف النظام القضائي مع طبيعة الجرائم المستحدثة التي تتم عبر الإنترنت، ولهذا اتجهت إلى بناء بيئة قانونية مرنة تجمع بين الشمول والدقة، بحيث تغطي طيفًا واسعًا من الأفعال المجرّمة إلكترونيًا، سواء كانت ضد الأفراد أو الجهات أو أمن الدولة.
ويعتمد مستقبل المواجهة القانونية لهذه الجرائم على عدة مسارات تكاملية، أبرزها تحديث الأنظمة القائمة لتتماشى مع التغيرات التكنولوجية المستمرة، خصوصًا في ظل انتشار الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الجديدة التي قد تُستخدم في تنفيذ الجرائم دون أن تكون مشمولة صراحة في الأنظمة القديمة.
وتعمل الجهات التشريعية على إعادة صياغة بعض المواد القانونية وإضافة بنود جديدة تضمن شمولية النظام، وذلك بالتعاون بين هيئة الخبراء بمجلس الوزراء والنيابة العامة ووزارة العدل.
ومن جهة أخرى، بدأت المملكة في تعزيز قدرات الجهات العدلية والفنية على التعامل مع الأدلة الرقمية، من خلال تدريب الكوادر الوطنية وتأهيل المحققين والمتخصصين للتعامل مع تقنيات التشفير وتحليل البيانات الإلكترونية واكتشاف الأساليب المتقدمة التي يستخدمها المجرمون الإلكترونيون لإخفاء آثارهم أو اختراق الأنظمة.
كما أُنشئت مراكز مختصة بالأدلة الجنائية الرقمية لتكون مرجعًا فنيًا في القضايا المعروضة أمام القضاء، ولضمان سلامة الأدلة وصحة الإجراءات القانونية المتبعة، وتحرص المملكة أيضًا على مواكبة المعايير الدولية في هذا المجال، حيث شاركت في اتفاقيات ومبادرات دولية تتعلق بالأمن السيبراني والجرائم العابرة للحدود، بما يتيح لها التعاون مع جهات إنفاذ القانون حول العالم في ملاحقة مرتكبي الجرائم الإلكترونية حتى خارج نطاقها الجغرافي.
ويُعد هذا التوجه دليلًا على جدية الدولة في حماية المجتمع من كافة التهديدات السيبرانية، أيا كان مصدرها، كما أن مستقبل التعامل القانوني مع هذه القضايا سيشهد تكاملًا أكبر بين القوانين والبرامج الوطنية في مجال التوعية الرقمية، بحيث لا يقتصر الرد على الجريمة بعد وقوعها، بل يُبنى على استراتيجيات وقائية مستمرة، تشمل حملات إعلامية وتعليمية موجهة للمواطنين والمقيمين، تُعرّفهم بمخاطر الاستخدام الخاطئ للتقنية وحقوقهم القانونية وسبل الإبلاغ عن أي إساءة أو جريمة.
وبهذا الاتجاه المتكامل، فإن المملكة تضع الأساس لتكون من الدول الرائدة في مجال حماية الفضاء الرقمي، ليس فقط من خلال تطوير القوانين، وإنما أيضًا عبر بناء بيئة متقدمة تقنيًا وتشريعيًا تحمي المستخدم وتُحقق العدالة الرقمية.
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة المواطن ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من المواطن ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.