عرب وعالم / السعودية / عكاظ

خالد الفيصل وسُلْمَتي في كتفه

لكل علاقة إنسانية مع الشخصيات أدبيات. منها طريقة السلام والتحيّة، ومن الأدبيات ما هو عُرف اجتماعي (كلاسيكي)، ومنها ما هو بروتوكولات تفرضها دبلوماسية التعامل مع الداخل والخارج في الاستقبال والسلام والجلوس والزيّ وغيره؛ ومن الأشخاص من له حقّ تقبيل رأسه تقديراً، وهناك من تُقبّل كفه بِرّاً ومكافأةً وإحساناً، وهناك من يشمخ برأسه تفادياً للسُّلمة، وهناك من يدنّي برأسه ليتلقاها وسط الجبهة، وبرغم أن بعض موظفي المراسم، يؤكدون على مسامع الزائرين الذين يلتقون بمسؤولين بأن (السلام مصافحة) إلا أن الزائر أو المراجع لا يتورّع عن تقبيل الوجه أو الكتف، تعبيراً عن مكنون التبجيل، ومخزون المحبّة.

وللأمير خالد الفيصل شخصية فذّة ونموذجية، وله فضل في كثير من إنجازات تنموية وفكرية وثقافية؛ منها التنبيه على خطر الفكر الظلامي؛ وكان من أوائل المُتصدّين له؛ إضافةً إلى أنه رجل تنمية بامتياز؛ وعندما نسّقتُ منذ عقدين مع المسؤولين في مكتبه لإجراء حوار معه لصحيفة الحياة؛ إبان إمارته في منطقة عسير، تمّت موافقة (أبو بندر)، إلا أن مكتب العلاقات العامة في الإمارة لم يُبلغني، وأنا أستعد لالتقاط الصور مع الأمير خالد، إنه لا يُحبّذ التقبيل في كتفه ولا خدّه، وربما كان هذا نابعاً من تواضعه، ومعرفته قدر نفسه لا عُلوّاً ولا تأفّفاً.

دخلتُ مكتبه بمفردي، وقام الأمير ليصافحني، وأنا جريّاً على المتعارف عليه، طبعتُ سُلْمةً على كتفه، فقال فوراً؛ نسمح لك هذه المرّة كونك أوّل زيارة تزورنا! فتغيّر لوني، واحتقن الدم في وجهي، وشعرت بحرج، وبالكاد استعدتُ رباطة جأشي، وبذكاء فطري، بدأ يسألني أسئلة خاصةً وعامةً، ومع كل إجابة، يتبسّم بوجهه الوضيء، وكأنه يمتص ردة فعلي المُحرجة، وينقلني من الحالة التي مررت بها، إلى حالة نفسية أفضل.

انتهى الوقت المخصص للتصوير، وهممتُ بالمغادرة، فقال؛ يا علي لا تروح عندنا اجتماع مع رئيس هيئة الأمير سلطان بن سلمان، ودخلتُ معهم قاعة الاجتماعات، وجلستُ في كرسي بعيد نوعاً ما عن المشاركين، فطلب مني الانتقال والجلوس على يمين الأمير سلطان بن سلمان، وكان يتحاور مع الجميع، ويُشركني في الحوار، ولعله كان يخصني بالنظر أكثر من غيري.

وعندما انقضى الاجتماع، قال إن شاء الله تحضر بعد جلستنا الأسبوعية، وأوصى أحد الحاضرين أن يمرني في الفندق ونذهب لقصره سويّاً، وخرجتُ لحظتها وفي ذهني الكثير من الأسئلة والأفكار حول هذه الشخصية الوطنية المتميّزة إدارياً وأدبيّاً وفنيّاً، وكم تحدثتُ مع أصدقاء عن مطالع قصائد (دايم السيف) التي تتضمّن غالباً بيت القصيد.

وبالفعل حضرنا بعد العِشاء، واستقبلنا الأمير، وجلسنا على مائدة العشاء، وكنتُ صدفةً في ركن الطاولة المحاذية لطاولة الأمير وضيوفه، وكان حديث الضيوف العرب والسعوديين عن استحقاقات المرأة، وبعض الإصلاحات المطروحة حينها للنقاش المجتمعي؛ ولعلّ الأمير لاحظ انشغالي بحديثه مع الضيوف أكثر من اهتمامي بالأكل، وبعدما وقف الأمير في الصالة لتوديع الجميع، ودارت القهوة، وأنا أصافح الأمير؛ شدّ يدي؛ وقال؛ اللي سمعته على العشاء ليس للنشر.

وفي صبيحة اليوم التالي؛ لمحني الأمير خالد وهو يغادر قاعة الاحتفال بالفائزين بجائزة أبها ذلك العام، أنا وآخرين في الصف الثالث من جهة الممر الذي يسلك، فصبّح علينا رافعاً يده بالتحيّة، فقلتُ له؛ طال عمرك الحوار منشور في صحيفة الحياة عدد اليوم، فقال وهو يتبسّم، الآن أعود للمكتب وأشوفه.

هذا الاسترجاع لذكريات مضى عليها أكثر من عشرين عاماً، تزامن مع إصدار البريد بالتعاون مع إمارة مكة المكرمة طابعًا تذكارياً لمستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة الأمير خالد بن فيصل بن عبدالعزيز، تقديرًا لإسهاماته في تعزيز التنمية الثقافية والاجتماعية، ليكون جزءاً من سلسلة الطوابع التذكارية، وقالت لي نفسي، أو قلتُ لها، إنّ من الوفاء الكتابة عن جانب من جوانب شخصية لها أثر في نفوس الأصفياء والأنقياء، وبصمة في كتاب العطاء، وشجن في وجدان المغرمين بمسامرة الأخلّاء، والقيادة ، تحفظ حق ومكانة كل من عمل لهذا الوطن بحُبّ وإخلاص وإجادة، وذلك ديدن الأمير خالد الفيصل.

ما أكتبه هنا، ليس حديثاً نرجسيّاً عن ذاتي، بل شهادة إنصاف بحقّ أمير مسؤول جدير بمهام عمله، ومُثقّف عالي الهمّة ينتقل من منجز إلى آخر، وصاحب فراسة لا تخيل، ومهذّباً روحاً ووعياً؛ لا يقبل أن يتأذى منه أحد، ولو بحركة أو عبارة غير مقصودة، وخدم وطنه وقيادته طيلة ستين عاماً ولم يزل، فشكراً لمن كتب لهذا الكيان أعذب الكلام، وأقام للفكر العربي أعرق مؤسسة، وأطلق من عسير أحدث صحيفة، وخص أبها بأثمن جائزة، ويظلّ سجلّه خالداً لأنه خالد.

تلويحة؛ مدرسة آل سعود من أرقى مدارس الحُكم في العالم، فالإنسانية لديها أوّلاً ودائماً، وهذا سر ارتباطنا العاطفي والموضوعي بحُكّامنا وولاة أمرنا.

أخبار ذات صلة

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا