وتأتي هذه الخطوة ضمن مسار تنظيمي داخلي داخل المخيمات، لكنها أعادت بقوة إلى الواجهة ملف «سلاح المخيمات الفلسطينية»، وفتحت الباب واسعاً أمام تساؤلات عن إمكان ترجمة ما يجري إلى مسار أشمل، طال انتظاره منذ اتفاق بعبدا بين القيادتين اللبنانية والفلسطينية في مايو الماضي.
رمزية المشهد وكسر جدار المحرّم
العملية التي جرت في برج البراجنة لم تمر مرور الكرام، إذ بدا المشهد ذا دلالات رمزية وسياسية تتجاوز حدود ما تم تسليمه. للمرة الأولى يدخل الجيش اللبناني إلى أحد المخيمات ويحصل على أسلحة بطريقة أقرب إلى التسليم الطوعي، في مشهد اعتبره كثيرون كسراً لحرمة السلاح الفلسطيني في لبنان منذ عقود، وسقوطاً عملياً لما تبقى من مظلة اتفاق القاهرة. ورغم أن الكمية المسلّمة بدت محدودة، فإن رمزية الحدث تكفي لاعتبارها اختراقاً.
حساسية التوقيت وتقاطعات الداخل والخارج
التوقيت أضفى على الخطوة حساسية مضاعفة، إذ جاءت مباشرة بعد قرار حكومي بشأن سلاح حزب الله وغيره من التنظيمات، وعشية جلسة ثانية مرتقبة في ٢ سبتمبر القادم لإقرار خطة قيادة الجيش. وبالتالي، رُبط المشهد بما هو أبعد من المخيمات، ليصبح جزءاً من معادلة السلاح غير الشرعي في لبنان. لم يكن مستغرباً أن يسارع الموفد الأمريكي توم براك إلى الإشادة، فيما بدت الحكومة اللبنانية ولجنة الحوار الفلسطيني – اللبناني وكأنهما توظفان الحدث في سياق دعم خطتهما الأوسع.
تضارب فلسطيني.. فتح تقرّ والفصائل تنفي
في المقابل، أظهرت المواقف الفلسطينية انقساماً واضحاً. فحركة فتح أقرت بخطوة التسليم معتبرة أنها نتيجة جردة داخلية، فيما نفت الفصائل الأخرى أن تكون معنية، مؤكدة أن ما حصل شأن داخلي يخص فتح وحدها.
وذهب مسؤول الأمن الوطني الفلسطيني صبحي أبو عرب أبعد من ذلك، لافتا إلى أن السلاح المسلم ليس من ترسانة المخيمات بل أسلحة غير شرعية دخلت قبل 48 ساعة. وأضاف أن هذه الأسلحة تعود لمجموعات مرتبطة بالمسؤول السابق شادي الفار المفصول من الحركة والمطلوب قضائياً.
فيما أكدت مصادر أمنية لبنانية أن ما جرى أقرب إلى مصادرة أدوات عسكرية كان يسيطر عليها الفار، وأن الجيش اختار تمرير العملية عبر «فتح» انسجاماً مع واقع المخيمات.
من الفار إلى اتفاق بعبدا.. خلفيات سياسية متشابكة
البعد السياسي يبقى الأهم، فالاتفاق الذي وُقع في بعبدا خلال مايو الماضي نص على رفع الرئيس محمود عباس الغطاء عن السلاح الفلسطيني ودعم الدولة اللبنانية في مسعاها لحصر السلاح بيدها. لكن هذا الاتفاق تعثر في موعده المحدد منتصف يونيو الماضي، بحجة انشغال المنطقة بالحرب الإسرائيلية – الإيرانية، فيما السبب الفعلي يكمن في الفوضى داخل فتح نفسها، مقابل تعاظم نفوذ حماس والفصائل الإسلامية. ومع ذلك، يبدو أن ما حصل أمس واليوم يمثل تطبيقاً متأخراً لذلك الاتفاق ولو بشكل جزئي.
سلاح المخيمات.. فردي منتشر ومخازن صواريخ مخفية
طبيعة السلاح داخل المخيمات تزيد الصورة تعقيداً. فالغالبية الساحقة منه أسلحة فردية منتشرة بين مختلف التنظيمات، لكن هناك أيضاً مخازن لصواريخ محددة تعود بالدرجة الأولى إلى حماس والجهاد الإسلامي خُزنت في أوقات سابقة ضمن التنسيق مع حزب الله. وهنا يبرز التحدي الأكبر في مخيم عين الحلوة، الأكبر حجماً والأكثر تسليحاً، حيث سيصطدم أي مسار مماثل بعوائق تنظيمية وسياسية أكبر.
عين الحلوة... الاختبار الأصعب والأكثر تعقيداً
كل الأنظار تبقى متجهة إلى مخيم عين الحلوة الذي يمثل الامتحان الفعلي لأي خطة شاملة. فالمخيم، بما يحتويه من فصائل متباينة ومجموعات مسلحة خارجة عن السيطرة التقليدية، سيكون المحك الحقيقي لإمكان تعميم ما جرى في برج البراجنة وصور على بقية المخيمات.
اللافت أن الصمت الرسمي اللبناني بقي سيد الموقف. لا الجيش أصدر بياناً تفصيلياً، ولا مؤسسات الدولة أرادت تضخيم الحدث. هذا الصمت قد يكون مقصوداً لإبقاء الخطوة في إطارها المحدود ومنع استغلالها سياسياً، لكنه في المقابل يعكس حقيقة أن الطريق لا يزال طويلاً قبل الحديث عن تسوية شاملة.
بين الحوار الفلسطيني والشراكة مع الدولة
وعليه، تبقى الآمال معقودة على أن يشكل ما حصل مقدمة لتفاهم أمني جديد يعيد تنظيم أوضاع المخيمات، ويؤسس لشراكة فلسطينية – لبنانية تضمن السيادة وتؤمّن للفلسطينيين حقوقهم المدنية. غير أن نجاح هذا المسار سيبقى رهناً بحوار داخلي فلسطيني أولاً، ثم بترتيب العلاقة مع الدولة اللبنانية على أسس واضحة تضمن التنفيذ وتمنع التراجع أمام الضغوط والفوضى.
أخبار ذات صلة
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة عكاظ ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من عكاظ ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.