هو وهى / انا اصدق العلم

كيف قلب العلماء الموازين واكتشفوا أن التدخين يسبب السرطان؟

النصائح الشائعة التي نسمعها دائمًا: تناول الكثير من الفواكه والخضروات، ممارسة الرياضة بانتظام، وتجنب التدخين، إذ أصبح من المسلم به الآن أن تدخين التبغ يعد أحد العوامل الرئيسية للإصابة بسرطان الرئة وكثير من الأمراض الأخرى، حتى إنه من الصعب تخيل زمن كان فيه الأطباء يوصون بالتدخين لمرضاهم. لكن كيف بدأ هذا التحول؟

في 1964 أصدر الجراح العام لوثر تيري تقريرًا حاسمًا يؤكد أن تدخين السجائر يسبب سرطان الرئة والحنجرة. وذهب تيري إلى أبعد من ذلك، مشيرًا إلى الأدلة المتزايدة التي تربط استخدام التبغ بمشكلات صحية أخرى، مثل انتفاخ الرئة، وأمراض القلب، وأنواع أخرى من السرطان.

في تلك الفترة، كان أكثر من نصف الرجال الأمريكيين وأكثر من ثلث النساء الأمريكيّات مدخنين نشطين، ويصعب اليوم تصوّر وقت كان فيه إشعال سيجارة في مكتب مكتظ أو على متن طائرة أمرًا عاديًا تمامًا. ولكن حتى قبل قرون، بدأ بعض الناس بطرح تساؤلات عن احتمال أن يسبب التدخين ضررًا خفيًا على صحتنا.

الأدلة المبكرة على مخاطر التدخين

تعود أولى المنشورات التي ربطت بين التبغ والمشكلات الصحية إلى 1602، فوفقًا لمجلس سرطان نيو ساوث ويلز، اقترح المؤلف الإنجليزي المجهول في مقاله أن دخان التبغ قد يكون له تأثيرات مشابهة للسخام الذي يتعرض له عمال تنظيف المداخن، الذي تسبب في أمراض مهنية معروفة جيدًا.

على مر القرون التالية، حاول عدد قليل من الأشخاص تحذير العامة من المخاطر المحتملة للأفيون، والسيجار، وفي السجائر، لكن القليل منهم تمكن من كسب تأييد واسع من عامة الناس.

ومع بداية القرن العشرين، لوحظت زيادة عدد حالات سرطان الرئة، وبدأت التقارير الطبية تشير إلى أن التدخين أصبح مشكلة يصعب تجاهلها، مع إن كثيرين حاولوا تجاهل هذه التقارير.

فخوفًا من إثارة غضب شركات التبغ وفقدان الكثير من إيرادات الإعلانات، كان محررو الصحف يترددون بنشر مقالات مناهضة للتدخين خلال أوائل القرن العشرين ومنتصفه. وقد احتدمت المناقشات داخل المجتمع الطبي أيضًا، ووجد الكثيرون صعوبة في قبول الأدلة المتزايدة وبذلوا جهدًا كبيرًا لمعرفة السبب وراء عدم معاناة من يدخنون بشراهة من مشكلات صحية.

وبعد ذلك، ومع صدور المزيد والمزيد من التقارير في الأربعينيات والخمسينيات، أخذت منظمات الصحة غير الربحية على عاتقها جهود مكافحة التدخين في الولايات المتحدة بدلًا من أعضاء هيئة التشريع، بينما بقي كثير من عوام الناس لا يدركون المخاطر.

الحالة العلمية

 الدراسات البشرية

بالعودة إلى العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين، اكتُشف اتجاه التزايد في حالات سرطان الرئة بسرعة بفضل التطور المتسارع لعلم الأوبئة، وساعدت الأبحاث المتعلقة بسرطان الرئة في ترسيخ بعض التقنيات الوبائية التي ما تزال تستخدم حتى يومنا هذا.

في عام 1939، قدم الباحث الألماني فرانز هيرمان مولر دراسة حالة ومجموعة ضابطة كانت ذات أهمية بالغة، إذ تُعد الحجر الأساس في أبحاث الصحة اليوم لأنها قامت على مقارنة مجموعتين من الأفراد: المجموعة الأولى تشمل الحالات المصابة بمرض أو حالة معينة، بينما تتألف المجموعة الضابطة من أشخاص مشابهين للحالات قدر الإمكان، لكنهم لا يعانون من المرض.

ومع إن الدراسة لم تكن مثالية، فإن نتائجها كانت بلا شك ذات أهمية، فقد خلصت إلى أن المدخنين كانوا أكثر عرضة للإصابة بسرطان الرئة مقارنة بغير المدخنين. وقد أكدت الدراسات المماثلة اللاحقة نفس النتيجة، لكن من المهم ملاحظة أن هذه الأنواع من الدراسات لا يمكن أن تحدد العلاقة السببية، إذ لا نستطيع ترجيح عدم إصابة المدخنين بسرطان الرئة إلا بسبب التدخين، فقد توجد عوامل أخرى غير مكتشفة تؤثر في هذه النتائج.

وفي مطلع الخمسينيات، أظهرت المزيد من البيانات دعمًا أكبر لفكرة أن التدخين يشكل تهديدًا لصحة الإنسان. وفي هذا السياق، بدأت الدراسات الجماعية التي تتبع مجموعة من الأفراد على مدى فترة زمنية، وتراقب عاداتهم الصحية لبحث الاتجاهات. كانت الأدلة تتزايد على أن المدخنين كانوا يعانون من نتائج صحية أسوأ من غير المدخنين.

 دراسات الحيوانات

وضّح المؤرخ العلمي الدكتور روبرت بروكتور في بحثه عام 2011 أن بيانات الحيوانات أدت دورًا أساسيًا في تراكم الأدلة التي ربطت التدخين بالسرطان. أظهر الباحث الأرجنتيني الرائد في مجال السرطان أنجيل روفو أن دخان التبغ كان مسرطنًا عند تطبيقه على جلد الأرانب، وكُررت هذه التجارب لاحقًا مع الفئران، ونشرت وسائل الإعلام تغطية واسعة لهذه التجارب، ما أدى إلى استجابة عامة حثت شركات التبغ على بذل مزيد من الجهود لتغيير السردية، ونجحت هذه الجهود فترة من الزمن. فقد نُشرت دراسة الفئران في الخمسينيات، ولم يصل التدخين إلى ذروته في الولايات المتحدة حتى منتصف السبعينيات.

أبحاث أخرى

إضافة إلى الأدلة البشرية والحيوانية، بدأت تظهر المزيد من البيانات العلمية التي تدين التدخين، فبحسب بروكتور، أظهرت الدراسات المخبرية لخلايا الرئة كيف يمكن لدخان السجائر أن يسبب تلف الأهداب، تلك الهياكل الصغيرة الشبيهة بالشعر التي تبطن الممرات الهوائية وتساعد على تحريك المخاط والجزيئات المحبوسة كالمكونات الضارة لدخان السجائر التي لا نرغب في وجودها هناك.
وأشار بروكتور أيضًا إلى عمال تنظيف المدافئ لكن في سياق آخر، ففي الثلاثينيات اكتشف الناس أن مادة الهيدروكربونات العطرية متعددة الحلقات الموجودة في القطران كانت السبب الرئيس في مشكلاتهم. ولم يمض وقت طويل حتى لاحظ آخرون -ومن بينهم روفو- أن نفس المواد الكيميائية توجد في دخان التبغ، ما قدم آلية معقولة تفسر آلية تسبُّب التدخين بالسرطان.

أين نحن الآن؟

بحلول الستينيات، كانت الأمور قد وصلت إلى نقطة تحول. بدأت جمعيات الصحة في مختلف أنحاء الولايات المتحدة بالضغط على الرئيس كينيدي لإنشاء لجنة رئاسية لدراسة مشكلة التبغ، ما أدى في النهاية إلى إصدار تقرير الجراح العام في 1964.

تقول منظمة الصحة العالمية إن التبغ يقتل أكثر من 8 ملايين شخص حول العالم سنويًا بشكل مباشر أو عبر التدخين السلبي. اليوم، تمثل اتجاهات التدخين على مستوى العالم صورة مختلطة، إذ تتجه بعض الأماكن نحو حظر التبغ، بينما تتراجع أماكن أخرى عن خطط مشابهة. لكن في النهاية، حقيقة أن التدخين يزيد من خطر الإصابة بالسرطان لم تعد قيد الجدل، وتستمر المنظمة في توجيه الحملات التي تهدف إلى زيادة الوعي بالمخاطر وتشجيع الآخرين على الإقلاع النهائي عن التدخين.

اقرأ أيضًا:

التدخين الإلكتروني قد يزيد خطر الإصابة بفشل القلب

دراسة جديدة تحذر أن التدخين لا يساعد على إنقاص الوزن

ترجمة: يارا سلامه

تدقيق: مؤمن محمد حلمي

مراجعة: محمد حسان عجك

المصدر

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة انا اصدق العلم ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من انا اصدق العلم ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا