
بلسيت إبراهيم - واشنطن - " وكالة أخبار المرأة "
جسد المرأة لا يعد ملكا لها في أي رقعة حول العالم، لكن الظروف التي تفرضها بعض المجتمعات المحافظة تشكل عائقا أساسيا أمام إتاحة الخيار للنساء لاتخاذ القرارات التي تناسب أجسادهن، وفقا لما تراه ناشطات نسويات.
وفي تقرير نشر، بعنوان "جسدي ملكي"، انتقدت الأمم المتحدة القيود المفروضة على النساء حول العالم فيما يخص بعض القرارات الأساسية الخاصة بأجسادهن وحياتهن، مثل الإجهاض وتناول وسائل منع الحمل وإجبارهن على الختان وغيرها من المواضيع.
لكن هذه القيود تتخذ منحى قد يختلف بصورة فريدة في الدول العربية مقارنة بأجزاء أخرى حول العالم.
تقول الكاتبة الكويتية، الدكتورة ابتهال الخطيب، في حديثها لموقع "الحرة" إن "الأيدولوجيا التي تحكم المرأة في مجتمعاتنا هي مختلطة بعادات وتقاليد ونظرة دينية وتراثية قديمة، فالمرأة تواجه منظومة قوية بالغة الأبوية والذكورية ينظر من خلالها على أنها كائن إنساني ثانوي".
ويشير تقرير الأمم المتحدة إلى أن "مفهوم الاستقلالية الجسدية ينظر إليه في بعض المجتمعات على أنه مخالف للأعراف والقيم المحلية السائدة، وقد تضغط مجتمعات على نسائها حتى يحملن، وقد ترسخ مفاهيم مفادها أن المرأة ينبغي عليها أن تلزم السكون في العلاقات الحميمية".
وأضاف التقرير أنه "غالبا ما تثبط الأعراف المجتمعية المرأة عن مناقشة مسائل الصحة الجنسية والإنجابية مع الرجل؛ فتجعل من العسير، إن لم يكن من المستحيل، على المرأة أن تتفاهم مع الرجل بخصوص العلاقات الحميمية واستخدام وسائل تنظيم الأسرة وتلقي الرعاية الصحية الإنجابية".
وتقول الخطيب إن "العبء البيولوجي الذي فرضته الطبيعة على المرأة جعل تحكمها بجسدها خارجا عن إرادتها"، وتضيف "في مجتمعاتنا الوضع أكثر حساسية فعقد الزواج يقنن واجبها الجسدي تجاه زوجها ودورها الإنجابي".
"الوصاية".. "العصمة".. "الشرف"
وترى الخطيب أن جسد المرأة ليس ملكا لها في أي مكان بالعالم، حتى في الدول المتقدمة "المجتمع الإنساني يحدد طبيعة علاقاته وفقا للمرأة والنظرة لجسدها، ويقيس المجتمع بمظهر المرأة وطريقة التعامل معها، بالتالي تصبح ملكا للمجتمع أكثر من كونها ملكا لنفسها".
لكن تستدرك قائلة إن "درجة الملكية للمجتمعات الذكورية تصبح أعلى، مجازيا وفعليا، بقوة القوانين والعادات والتقاليد والقراءات للدين".
تقرير الأمم المتحدة قال إن "ديمومة سلب المرأة حقها في اتخاذ الرأي بشأن جسدها قد يكون متأصلا في طبيعة حياة المجتمعات والاقتصادات".
"ففي بعض أنحاء العالم نجد، مثلا، أن ثمن العروس الذي يقدمه الرجل مقابل الزواج "يعد آلية اقتصادية بالغة الأهمية للتبادل بين السلطة والثروة"، وفقا للتقرير.
تقول الخطيب إن المرأة تعتبر في مثل هذه المجتمعات "ملكا وعصمة في يد زوجها وفي وصاية الأب، تنتقل من قيد لآخر، مملوكة من خلال القوانين المدنية، وهي قوانين تم تطويعها لتجاوز المنظومة الفكرية".
وتضيف "المرأة العربية لا تستطيع الحصول على جسدها كاملا، لأن المجتمع يفرض وجود ولي على جسدها، يتحكم بحركته، والأمر نفسه في الزواج، هناك قوانين تقنن هذه الفكرة وخوف شديد يسكن المرأة، بأن ما يصيب جسدها نتائجه تنعكس على المجتمع بأكمله، من الصعب جدا أن تكون المرأة حرة بالكامل".
وتقول الصحفية والناشطة الأردنية، رنا الحسيني، في حديثها لموقع "الحرة" إن "بعض العائلات ترى أن المرأة هي مسؤولة بجسدها وتصرفاتها عن سمعة العائلة وهنا تأتي المشاكل والصدامات بين بعض العائلات وبناتها، إذا برأيهم خرجت الفتاة عن الإطار المرسوم لها، وتبدأ المشاكل ليحاولوا التحكم بجسدها".
التعليم والثقافة الجنسية
وقد أكدت اليونيسكو عام 2018، بأنه يمكن "للتربية الجنسية الشاملة أن تنهض بدور في منع العنف القائم على النوع الاجتماعي، فتدريسها وفق المعايير الدولية يعني أن تتضمن الدروس رسائل عن حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والعلاقات المحترمة".
الحسيني تقول إن المحددات الفكرية التي تحول دون حصول المرأة على استقلالية لجسدها تبدأ في التعليم، الذي ترى فيه نظاما "فاشلا" في الدول العربية، فهو "لا يشجع على التفكير ولا الإبداع، مليء بالصور النمطية للمرأة"
وتضيف "هذه المشكلة لها جذور عميقة في كل الدول العربية، خلقت جيلا كاملا محدود التفكير، بين النساء والرجال، والأساتذة الذين خرجوا من هذه الأجيال يربون أجيالا أخرى".
وتؤكد الحسيني أن المناهج الأردنية تحوي معلومات بالفعل في أحد الصفوف الأساسية، لكن وردتها معلومات بأن بعض المعلمين والمعلمات، يتجاوزون تقديم تلك المعلومات في المدارس الحكومية "بحجة إنه حرام أو عيب".
وترى الحسيني أن "هناك بعض النساء لا يعرفن حقوقهن، لأن بعض العائلات تخشى أن تزرع الأفكار بمواضيع معينة خلال فترة المراهقة في رؤوسهن، وهذا يؤدي إلى مشاكل كبيرة".
وأكدت من خلال خبرتها في تغطية المحاكم والقضايا الخاصة بما يسمى "جرائم الشرف" في الأردن أن "الكثير من المشاكل المتعلقة بهتك العرض والاعتداءات الجنسية على القاصرين والقاصرات، يعود إلى عدم الوعي أو عدم تعليم الأطفال بكيفية التعامل مع أجسادهم وفهم أعضائه".
وترى الخطيب أن هناك "مشكلة وعي كبيرة، النساء في بلادنا لا يعرفن ما لهن وما عليهن، بالتالي يصبح هناك اعتماد أكبر على الرجل في معرفة حقوقهن، كما يوجد انعدام في الوعي الجسدي، كثير من النساء لا يعرفن تركيبة أجسادهن أو طريقة التعامل معه".
وأكدت الخطيب بأن عدم استيعاب الحالة الصحية للمرأة "يعكس عدم فهم المشاكل التي تواجهها"، مضيفة "هناك مشكلة وعي وخجل من تجاربها، والإشارة إلى جسدها بخجل يجعله تابو ويعزلها عن مجتمعها".
وتضرب مثالا كتاب التربية الإسلامية في الكويت، الذي كان يحوي، قبل سنوات، معلومات بأن المرأة في فترة الدورة الشهرية "تقل قدراتها العقلية"، مضيفة "حتى بعض النساء لا يمكنهن أن يذكرن الدورة الشهرية بالاسم، رغم أنها حالة طبيعية".
وتشير إلى أن بعض الحالات الصحية التي تعاني منها النساء، مثل اكتئاب ما بعد الولادة، كان يتم تشخيصها، حتى سنوات أخيرة، بأنها "هستيريا"، رغم أنها أعراض طبية وتحتاج حبوب توازن الهرمونات.
الحرية الجسدية.. مجرد "حلم"؟
وتقول الحسيني إنه من الممكن أن تصل المرأة للاستقلالية الجسدية، وأن بعض النساء وصلن بالفعل لتلك المرحلة بسبب حصولهن على الدعم من عائلاتهن، لكنها استدركت قائلة: "أعتقد أن هذا قد يعد حلما إن كان منوطا بكل النساء في المجتمع، هذا لا ينطبق علينا فقط بل أيضا على المجتمعات الغربية ولكن العدد بالطبع أقل مما نشهده في بلادنا".
وتشير الخطيب إلى أن النساء اللواتي يخترن الطريق ويعشن حياتهن باستقلالية حياتية، قد لا تشترط أن تكون مقتصرة على الجسدية، يتم السعي نحو تدمير سمعتهن والتعدي على حريتها.. فمثلا الاعتقاد أن المرأة التي تعيش بمفردها قد ينظر إليها على أنها لقمة سهلة أو أسهل الوصول إليها عن غيرها".
وتؤكد أن "حلم" الاستقلالية يمكن تحقيقه لكن "الحرب شعواء" على المرأة التي تحاول القتال لحقوقها، حيث يتم "استهدافها بشكلها أو بشرفها أو بسمعتها ويجب أن تملك قدرة نفسية لتحمل هذا القدر من الهجوم"، حيث يتم "تسخيف" قضايا النساء و"الاستهزاء" بحقوقهن.
تقرير الأمم المتحدة يرى أنه "يمكن للنساء نيل حقوقهن، وبمقدور الدول تأييدهن. لكن التقدم متوقف بالأساس على الرجال، فرادى وجماعات، من حيث إرادتهم الابتعاد عن الأدوار المهيمنة التي تسبغ على سلطتهم واختياراتهم ميزة على حساب المرأة واختياراتها".
وأضاف التقرير "وهذا ما يحدث حاليا مقترنا بتحول في التوجهات نحو المساواة بين الجنسين بين الشباب خصوصا، لكن الطريق لا تزال طويلة".
ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة وكالة أخبار المرأة ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من وكالة أخبار المرأة ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.