صور / اليوم السابع

من صحراء جرداء لجنة خضراء.. أرض البطولات فى سيناء تتحول لمزارع منتجة

  • 1/12
  • 2/12
  • 3/12
  • 4/12
  • 5/12
  • 6/12
  • 7/12
  • 8/12
  • 9/12
  • 10/12
  • 11/12
  • 12/12

سيناء ـ محمد حسين

الثلاثاء، 07 أكتوبر 2025 12:00 م

على امتداد رمال سيناء حيث يتعانق اللون الذهبي مع زرقة السماء، تقف جذوع النخيل شامخة كأنها حراس الزمن. لم تكن هذه الأشجار مجرد مصدر للتمر والظل والماء، بل تحولت عبر عقود طويلة إلى شواهد صامتة على ملاحم البطولة والفداء التي سطرها أبناء سيناء خلال سنوات الاحتلال الإسرائيلي، وحتى لحظة الانتصار المجيد في أكتوبر 1973.

ففي قلب الصحراء القاسية، غرب مدينة بئر العبد، تتناثر أحواض النخيل الخضراء بين تلال رملية ناصعة البياض، متباينة الارتفاعات، وكأنها جزر من الحياة وسط بحر من الرمال. هذه الأحواض، التي توارث الأهالي الاهتمام بها جيلاً بعد جيل، لم تكن مجرد مصدر رزق أو مورد اقتصادي، بل لعبت دورًا خفيًا في ملحمة المقاومة، حيث تحولت إلى ملاذات آمنة، ومقرات سرية للفدائيين، ومحطات استراحة للجنود في طريقهم للعبور أو الانسحاب.

ياسر عبدالله، أحد أحفاد المناضلين، يستعيد روايات جده الفدائي عبد العزيز أبو مرزوقة عن منطقة المحمم، حيث هى وادي النخيل الواقع جنوب بئر العبد بنحو 20 كيلومترًا، وسط تلال رملية وعرة. هذه المنطقة الزراعية، رغم هدوئها اليوم، كانت يومًا ما قلبًا نابضًا للمقاومة. هناك، بين ظلال النخيل،  كان يجتمع مناضلو منظمة سيناء العربية، يخططوا، ويتزودوا، وينطلقوا في عمليات نوعية استهدفت مواقع العدو بالتنسيق مع القيادة في القاهرة.

ويضيف ياسر: "كان جدي يروي أن تلك الأحواض لم تكن مجرد أشجار، بل كانت حصونًا طبيعية. من يختبئ بينها يصعب رصده أو ملاحقته. كانت مأوى ومصدر حياة في آن واحد، ظل وماء وتمر، وأمان وسط الصحراء القاسية."

الدكتور سلامة الرقيعي، الباحث في التراث السيناوي وأحد أبناء المنطقة، يصف أحواض النخيل بأنها كانت "محطات استراحة للمحاربين". فبعد يونيو 1967، حين انسحبت القوات المصرية من سيناء، كانت هذه الأحواض نقاطًا للتجمع والاختباء، قبل أن يعبر الجنود البحر نحو الضفة الأخرى عبر بوغاز رقم 1 ببحيرة البردويل. ويضيف: "كثافة النخيل وتعرجات التلال الرملية جعلت من هذه المناطق حصونًا طبيعية، آوت المجاهدين وقدمت لهم الحماية، في الوقت الذي كانت عيون أبناء القبائل تراقب تحركات العدو وتنقلها للمخابرات المصرية."

ويستشهد الرقيعي بأسماء أحواض لعبت أدوارًا بارزة، مثل: حوض أبو علي، أبو شلة، طولان، المكسار، وأبو العفين، وكلها وفرت مأوى آمنًا للعناصر الفدائية وساعد سكانها في إخفائهم بعيدًا عن أعين الاحتلال.

وراء هذه الأحواض تختبئ أسماء لمعت في تاريخ المقاومة السيناوية. من بينهم: عوض نصار عوض، عودة الأشرم، عودة حسن غنمي، سليمان سبيتان، مسعود الأبرق، سليمان رشيد، عطا سلمان، وغيرهم. هؤلاء لم يكونوا مجرد فدائيين عابرين، بل رجالًا كرّسوا حياتهم لمقاومة المحتل، وقدموا تضحيات جسامًا، حتى حصلوا لاحقًا على أنواط الامتياز من الطبقة الأولى تقديرًا لبطولاتهم.

ولم يكن الأمر مقتصرًا على المقاتلين وحدهم، بل امتد إلى الأهالي الذين دفعوا أثمانًا باهظة لتعاونهم مع المخابرات المصرية. كثيرون تعرضوا للتنكيل والاعتقال والزج في السجون الإسرائيلية، مثل محمد ناصر مسعود، سلامة فرحان الدبير، وفرحان الرقيعي، الذين لم يترددوا في التضحية بحريتهم وحياتهم دفاعًا عن أرضهم وكرامة وطنهم.

ومن القصص التي تحتفظ بها ذاكرة أحواض النخيل، تلك التي ارتبطت بالكتيبة الكويتية خلال انسحاب عام 1967. فقد آوت منطقة أبوشلة وطولان مقاتلي الكتيبة لعدة أيام، حتى تسهيل عبورهم إلى غرب القناة. كان يقودهم الضابط الكويتي عبدالله فراج الغانم، الذي أصبح فيما بعد رئيس أركان الجيش الكويتي. وفي ذكرياته، تحدث الغانم عن بدو سيناء الذين ساعدوا جنوده، قائلًا: "وجدنا بين أهل سيناء من يشبهوننا في عاداتهم ولهجتهم، قبائل أصيلة لم تبخل علينا بشيء، فكانوا سندًا لنا في أحلك الظروف."

مع انتهاء سنوات الاحتلال وتحرير سيناء، لم تظل الأحواض أسرارًا مدفونة في الرمال. بل شهدت المنطقة اهتمامًا كبيرًا من الدولة، التي سارعت إلى إنشاء البنية التحتية اللازمة لاستقرار الأهالي. شُقت الطرق، ومدت خطوط الكهرباء والمياه، وأقيمت المدارس والوحدات الصحية، فتحولت تلك الواحات التي آوت الأبطال يومًا ما إلى تجمعات مستقرة وقرى زاخرة بالحياة.

يقول الدكتور سلامة الرقيعي: "ما يميز هذه الأحواض اليوم أنها تجمع بين التاريخ والحاضر. فهي لم تعد فقط رمزًا للمقاومة، بل أصبحت شريان حياة اقتصادي يعتمد عليه المزارعون في زراعة النخيل وإنتاج التمور، إلى جانب الخضروات والمحاصيل الأخرى."

ورغم تغير الزمن، لا يزال أبناء المنطقة يتعاملون مع الأحواض باعتبارها إرثًا مقدسًا. فهم يرون فيها أكثر من مجرد مزارع، بل ذاكرة حية تختزن قصص البطولة التي سطرها الأجداد. وفي كل موسم حصاد للبلح ، يتجدد الحديث عن الماضي، وتروى الحكايات للأطفال والشباب، لتظل الروح حاضرة جيلاً بعد جيل.

أحواض النخيل في بئر العبد ليست مجرد بقع خضراء وسط الصحراء. إنها صفحات من كتاب الوطن، كتبت بدماء الأبطال وصبر الأهالي، وارتبطت بالمعارك كما ارتبطت بالمعيشة اليومية. وبين جذوعها، ما زالت الريح تهمس بأصوات الذين مروا من هنا؛ مقاتلين، مناضلين، وجنودًا عبروا في صمت ليصنعوا نصر أكتوبر.

واليوم، حين يمر الزائر بتلك الأحواض، يراها واحات سلام، لكنه إن أنصت جيدًا، سيشعر أن الأرض ما زالت تروي بصوت خافت: "هنا كان الأبطال، وهنا صُنعت الملاحم."

واحة نخيل المحمم جنوب بئر العبد
واحة نخيل المحمم جنوب بئر العبد

 

واحات احواض النخيل الاجيال تحفظها
واحات احواض النخيل الاجيال تحفظها

 

هنا كان ملاذ الابطال
هنا كان ملاذ الابطال

 

مدارس تنتشر في المكان
مدارس تنتشر في المكان

 

قري وحياة حديثه علي اثر الابطال
قري وحياة حديثه علي اثر الابطال

 

ذاكرة المكان لاتنسي البطولات
ذاكرة المكان لاتنسي البطولات

 

تحفظ التاريخ من هنا مر الابطال
تحفظ التاريخ من هنا مر الابطال

 

النخيل لايزال يجود بخيره
النخيل لايزال يجود بخيره

 

النخيل في مناطق رمال سيناء
النخيل في مناطق رمال سيناء

 

احواض النخيل بمنطقة النجاح
احواض النخيل بمنطقة النجاح

 

احواض النخيل امتدت لها يد التعمير
احواض النخيل امتدت لها يد التعمير

 

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة اليوم السابع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من اليوم السابع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا