عقارات / متر مربع

حاضنة المُبدعين العرب: من بشارة واكيم إلى ظافر العابدين

حاضنة المُبدعين العرب:
من بشارة واكيم إلى ظافر العابدين
د. سعد الدين إبراهيم

[email protected]

 

منذ بدأت مصر نهضتها الحديثة في بداية القرن التاسع عشر، بعد حملة نابليون، ومع محمد علي باشا الكبير، وأبناؤه وأحفاده، كانت البعثات التي أرسلها ذلك الحاكم الطموح إلى أوروبا، وعادت مع منتصف القرن التاسع عشر، وكانوا أربعمائة وخمسون، في كل فروع العلوم والمِهن الحديثة من الفلك إلى الطب، إلى الهندسة، إلى الترجمة، تكوّنت منهم نُخبة طبقة متوسطة حديثة، عمادُها الأول الجدارة في الإنجاز. وكان من رموزها رفاعة الطهطاوي، الذي جاء من طهطا في الصعيد، وعلي مُبارك الذي أتى من دكرنس، قُرب المنصورة من أرياف الدلتا.

 

ولكن الذي لا تذكره الكُتب المدرسية في مواد التاريخ، هو أن أولئك العائدون من أوروبا إلى أرض الكنانة بشّروا وشجّعوا فنوناً جديدة لم تكن معروفة لجمهرة المصريين إلى منتصف القرن التاسع عشر. منها أجناس أدبية جديدة كالمسرح، والرواية، والقصة، والسينما بعد ذلك، مع عشرينيات القرن العشرين.

 

وربما كانت مصر سبّاقة في محيطها العربي والشرق أوسطي، لا بسبب أبنائها فقط من الموهوبين، ولكن أيضاً لأنها جذبت موهوبين من كل الأقطار والجنسيات والديانات. فمصر خلال القرن العشرين كانت مجتمعاً تعددياً بامتياز. ويكفي للتدليل على ذلك الدور المشهود الذي لعبه الشوام في تِلك النهضة. فالذين أسّسوا أهم صحيفة في مصر والشرق، وهي الأهرام،

 

كان الأخوان بشارة وسليم تقلا من ذوي الأصول اللبنانية – السورية. كذلك دار الهلال، أسّسها جورجي زيدان، ولعبت كلاً منهما دوراً مشهوداً في ثقافة الطبقة الوسطى المصرية الحديثة. أما في المسرح والسينما، فإن أسماء مثل جورج ودولت أبيض، وبشارة واكيم واستفان روستي، وأسمهان وفريد الأطرش قد تلألئت في السماء المصرية.

 

صحيح أن الجيل الأول من المُبدعين في هذه الفنون والآداب كانوا من أبناء الأقليات العِرقية التي وجدت في مصر وطناً مفتوحاً، وثقافة مُتسامحة. والأهم من ذلك جماهير تُحسن استقبال تِلك الفنون الإبداعية الجديدة.

 

وأصبح الطامحون والموهوبون، وحتى نصف الموهوبين يتطلعون إلى مصر، وطناً ومدرسة وسوقاً. ورغم حربين عالميتين، وحروب فلسطين، والثورات والانقلابات التي حدثت في المنطقة، إلا أن الفنون والآداب استمرت في الاذدهار والتواصل عبر خمسة أجيال، وأصبحت اللهجة العربية المصرية هي الأكثر فهماً وتقليداً، ومُحاكاة في عالم عربي ممتد من العِراق شرقاً على الحدود مع كل من إيران الفارسية شرقاً، وتركيا الطورانية شمالاً، إلى بُلدان على المحيط الأطلسي.

 

فإلى جانب جورج ودولت أبيض من لبنان وبلاد الشام، جاء عديد ممنْ سيصبحون نجوماً يُشار إليهم وإليهن بالبنان -مثل أبناء وأحفاد سُلطان باشا الأطرش، زعيم جبل لبنان، ومنهم أسمهان وفريد الأطرش، وعبد السلام النابلسي، وفايزة أحمد من ، صاحبة أجمل ما يسمعه العرب في عيد الأم، 21 مارس من كل عام.

 

ولم يقتصر الاحتضان المصري لنجوم التمثيل والغناء والطرب، بل شمل المؤسسين والمقاولين لتِلك الأنشطة الإبداعية -مثل ماري كوين وأسيا جبار.

 

وخلال الرُبع الأخير من القرن العشري، وبدايات القرن التالي، بدأ أبناء بُلدان المغرب العربي يفدون على مصر. وربما كان تأخيرهم النسبي في الظهور في المشهد الإبداعي المصري، هو لاستكمال تحررهم من السطوة الثقافية الفرنسية التي استمرت لأكثر من قرن من الزمان، من منتصف القرن التاسع عشر إلى منتصف القرن العشرين، وكانت البداية بالمطربة الجزائرية وردة، والتي تزامن الإعجاب والاحتفاء بها مع الثورة وحرب تحرير الأسطورية، من منتصف الخمسينيات إلى منتصف الستينيات.

 

وهكذا في خلطة فريدة بين مبادرات التحرر الوطني والإبداع الفني، كانت مصر راعية وخاضنة لزُعماء تِلك الحركات -من المغربي علال الفاسي، والجزائري أحمد بن بيلا، والتونسي الحبيب بورقيبة، ومكاتب حركاتهم في القاهرة، ونداءاتهم عبر الأثير من إذاعة صوت العرب.

 

ويقول عُلماء الاجتماع أن ذلك نمط مُتكرر عبر الثقافات والمجتمعات. ومفاده هو أن ينابيع الانتفاض والإبداع تكاد تكون واحدة ومتزامنة. من ذلك أن أروع الأعمال الإبداعية الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، والإيطالية، والأسبانية ظهرت قُبيل أو تزامنت مع انتفاضاتها الاجتماعية والسياسية الثورية ضد الأنظمة القديمة التي كانت مُهيمنة، استغلالاً واستبداداً، لشعوب تِلك المجتمعات.

وخُلاصة ذلك أن أرواح الانطلاق حينما تبدأ بعد طول احتباس، فإنها سرعان ما تصبح شاملة لكل جوانب الحياة.
وعلى الله قصد السبيل

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا