عقارات / متر مربع

عبد الفتاح الجبالي : بيان الحكومة والعقد الإجتماعي الجديد

عبد الفتاح الجبالي :
بيان الحكومة والعقد الإجتماعي الجديد

 

أشرنا في المقال السابق إلى أن الفلسفة الإقتصادية الجديدة كما جاءت في بيان الحكومة تقوم على أساس “التنمية الإحتوائية الشاملة” بديلة عن “سياسة التساقط من أعلى” والتي ثبت فشلها فى معظم الجوانب المهمة وأدت إلى اتساع الفجوة وعدم المساواة وتراجع التنمية.

 

لذلك فإن جعل النمو أكثر احتواء لشرائح المجتمع يجعله أكثر استدامة. وهو ما يطرح العديد من الأسئلة عن دور الحكومة في الإقتصاد وهل من الممكن أن يكون المجتمع أكثر عدالة وانصافا دون التضحية بالحرية الإقتصادية؟.

 

ان هذه التساؤلات لم تعد مطروحة على الساحة المصرية فحسب، بل مطروحة أيضا على الساحة الدولية الأمر الذي دفع بعض خبراء صندوق النقد الدولي للقول “إننا نمر اليوم بحالة من التشوش الفكري، فلم نتنبأ بالأزمة المالية والأسوأ من ذلك اننا ربما نكون قد أسهمنا فيها كذلك الأحداث الإقتصادية الجارية حاليا، وذلك لأننا ركزنا على الكفاءة دون الجوانب الأخرى”.

 

وهو ما أكدته “كريستالينا جورجيفا” المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي في مقالها بالعدد الأخير من التمويل والتنمية مشيرة إلى أن العالم يتجه إلى عالم أكثر فقرا وأقل أمانا حيث يتسم بعدم العدالة وانعدام الإستقرار، إذ أن ثلاثة أرباع ثروة العالم فى أيدي عُشر سكانه، وهناك أكثر من 780 مليون نسمة يعانون من الجوع. لذلك ينتاب الكثيرين الشعور بأن الإقتصاد لا يحقق مصالحهم وهم ليسوا قلقين فحسب بل غاضبون أيضا مما يثير المخاوف من “عصر الغضب”.

 

ويرجع السبب فى ذلك إلى أن النموذج التنموي السائد قد بلغ مداه ولم يعد قادرا على تحقيق الإستقرار السعري واستيعاب المزيد من العمالة وتقديم الخدمات الإجتماعية بالجودة والإتاحة المناسبة. وليست لديه القدرة على التعامل مع تحديات التقدم التكنولوجي والتحولات الديموغرافية والتغييرات الإجتماعية والمناخية والتوترات السياسية،

 

وبالتالي يجب البحث عن نموذج جديد تتحدد فيه الأدوار بشكل سليم وهو ما يتطلب تحديدا واضحا لدور الحكومة والقطاع الخاص. فالهدف الأسمى هو أن يعمل الإقتصاد على أسس سليمة تهدف إلى تحقيق استقرار الأسعار وتعزيز العمل اللائق مع زيادة فرص العمل وتحقيق الإستقرار المالي مع ضمان مستوى للدين العام مستدام وآمن.

 

وبالتالي نحن نحتاج إلى سياسة اقتصادية مختلفة أكثر استدامة وعدالة وهو ما يتطلب التحول نحو عقد اجتماعي جديد يلبى احتياجات المواطنين ويضمن عدالة توزيع الفرص الاقتصادية لاسيما فى مجالات الصحة العامة والتعليم والإسكان وسوق العمل خاصة فيما يتعلق بالشباب والإناث ومحدودي الدخل.

 

وهو ما يتطلب تحديدا واضحا لدور الحكومة وليس تجريدها من مهامها. حيث أن دورها هو ضمان عدالة النفاذ إلى الفرص الإقتصادية ويسمح للجميع بإطلاق قدراتهم دون تمييز (بسبب العرق أو الجنس أو الوضع الإجتماعي) مع ضمان توجيه هذه القدرات نحو أهداف مشتركة متفق عليها فى إطار المصلحة العامة للمجتمع.

 

إذ أن تزايد الأفراد الذين لايستطيعون الحصول على الرعاية الصحية الجيدة والتعليم الجيد يتطلب تدخل الحكومة لإصلاح اختلالات السوق. وبالتالي فالبحث هنا عن الآليات الكفيلة بترشيد وتحسين أداء الحكومة، وليس مناقشة مدى أهمية وجودها فى النشاط الإقتصادي.

 

أى اننا نبحث عن الشكل الأمثل لتدخل الحكومة. وعلى الرغم من صدور وثيقة ملكية الدولة التي حاولت رسم الخطوط العريضة لهذه المسألة إلا انها تظل قاصرة عن الرؤية الشاملة لهذه المسالة وتحديد الأولويات المجتمعية.

 

ويقع العائق الكبير على السياسة المالية بإعتبارها القادرة على إحداث العدالة والكفاءة الانتاجية فى نفس الوقت. لذلك أصبحت وما ينجم عنها من آثار والتكلفة الإجتماعية لها، ومن يتحمل الأعباء وتكاليف الإصلاح، محورا لصراع فكرى واجتماعي وسياسي كبير وذلك لكونها تؤثر على كل مناحي الحياة الإقتصادية والإجتماعية والسياسية.

 

ومن الخطأ الجسيم القول إن اعتبارات العدالة الإجتماعية تتعارض مع ضرورات الكفاءة الإقتصادية، وهي المقولة التي اعتمد عليها البعض لتبرير سوء الأداء الإقتصادي وهدر الإمكانات واتخذوها ستارا لضعف الإنتاجية وعدم المبالاة بتخفيض تكلفة الإنتاج وتحقيق الرشادة الإقتصادية.

 

فالأصل أن تتم كل العمليات الإنتاجية على أسس اقتصادية سليمة تعكس التكلفة الحقيقية وأن تتحمل الخزانة العامة فرق السعر عند البيع للمستهلك إذا ما أرادت الحكومة دعم هذه المنتجات.

 

ومن الخطأ أيضا النظر إلى الحماية الإجتماعية على أنها غير قابلة للاستمرار أو مضرة للتنمية الإقتصادية، وكلها أمور غير صحيحة. فالهدف الأساسي للسياسات المالية هو الحفاظ على مستويات معيشة الأفراد وتحديدا محدودي الدخل والفقراء جنبا إلى جنب مع الحفاظ على القدرة التنافسية للمشروعات الإنتاجية وضمان الإستخدام الأمثل للموارد.

 

وهنا تجد السياسة المالية نفسها أمام تحد هو كيف يمكن دعم الإقتصاد وتحقيق الإستقرار المالي وتعزيز الإستدامة المالية فى ظل ندرة الموارد وعجز الموازنة وارتفاع الدين العام.

 

ولمواجهة هذه التحديات يصبح من الضروري العمل على توسيع الحيز المالي للدولة عن طريق تنويع مصادر الإيرادات العامة من الهيئات الإقتصادية والشركات العامة وغيرهما، مع العمل على توسيع القاعدة الضريبية عن طريق تعزيز العدالة الإجتماعية وتقوية الإدارة الضريبية ومحاربة التهرب والتجنب الضريبي،

 

وإعادة توجيه الإنفاق العام لتعزيز الإنفاق الإستثماري والإجتماعي خاصة على مجالات الصحة والتعليم، مع ضرورة إصلاح نظام التأمينات الإجتماعية ودعم شبكات الحماية الإجتماعية وتوسيع نطاق شمولها.

 

وعلى الجانب الآخر يجب تعزيز وتنمية امكانات القطاع الخاص المنتج ليصبح أكثر ديناميكية وقدرة على المنافسة شريطة أن يعمل وفقا لقواعد وضوابط السوق وفى إطار مؤسسي يمنع الإحتكارات ويحمى المنافسة ويعزز قواعد الدخول والخروج من الأسواق.

 

وكلها أمور تتطلب تفعيل دور الأجهزة الرقابية وتفعيل وانفاذ القانون فكما قال روسو فى كتابه العقد الإجتماعي: فإن الرقابة تتحقق إذا كانت للقانون قوة فإذا ضاعت هذه القوة فكل شيء ميئوس منه وما من شيء شرعي يحتفظ بقوته عندما لا تبقى للقانون قوة.

 

فلا شك أن توفير مناخ مناسب للاستثمار الجاد يستند في الأساس على زيادة قدرة المستثمرين على تقدير العوائد والمخاطر الإقتصادية المتوقعة، لذا فإن ضمان اتساق السياسات الإقتصادية، والتأكيد على مبدأ الشفافية. وبالمزج بين المساندة والرقابة الفعالة من مؤسسات الدولة.

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا