الارشيف / عقارات / متر مربع

مصطفى عبيد : بعض ما يحمد لثوار يوليو..

مصطفى عبيد
بعض ما يحمد لثوار يوليو..
[email protected]

لا ظلام دائم، ولا ضياء مطلق. ومهما كانت مواقفنا الشخصية، فإن الضمير الإنساني لأي باحث يشاغبه، ويلومه، ويدفعه كل يوم لمراجعة أفكاره، ومايتصوره من مسلمات أو أحكام نهائية.

أكتب ذلك، ويعرفني مَن يعرفني بأنني أحد ألد أعداء ثورة يوليو 1952. لم أعش صعودها وانحدارها، لكنني استقرأت من التاريخ ما شكل قناعتي بأن الثورة أجهضت مشروعا حضاريا نهضويا، ربما كان أبرز دلائله أسماء من عينة طه حسين، أحمد أمين، سلامة موسى، نجيب محفوظ، توفيق الحكيم، محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، ومصطفى مشرفه.

 

فكل هؤلاء نتاج فترة ما قبل يوليو، عندما كانت السلطات موزعة، والآراء متعددة، والأفكار متحررة، ولم يكن هناك توجيه سلطوي، أو توظيف للفكر لخدمة فرد الزعيم. وكما قال نجيب محفوظ يوما فإن أسوأ ما انتهجته ثورة يوليو ورسّخته في ، هو ميراثا من الديكتاتورية العتيدة، ما جعل أجيالا تالية على يوليو 1952 تظن أن الأصل في مصر هو حكم الفرد.

 

رغم ذلك، فإن روح الانصاف تدفعني لتقديم شهادة بشأن هذه الديكتاتورية المكرسة من نظام يوليو، وخلاصتها أن الديكتاتورية المصرية كانت نموذجا فذا في الديكتاتوريات المعروفة في العالم من حيث درجة السماحة والميل للعفو واستبعاد الحلول الدموية. وأقول برضا : يُحسب لثوار يوليو – وأنا خصمهم – عزوفهم التام عن تصفية خصومهم السياسيين جسديا، وقد كانوا يستطيعون.

 

كان المثال أمام شبان يوليو واضحا وصريحا، ولابد أنهم قرأوا جميعا ما حدث يوم 18 يوليو 1917. ففيه وبعد عام من الثورة البلشفية ضد نظام عتيد في روسيا أيقظ حراس سريون في سجن بسيبيريا القيصر الأخير نيقولا رومانوف من نومه، واقتادوه هو وزوجته وابنه وبناته الأربع إلى قبو مهجور، ثُم جاء الحراس وأطلقوا عليهم جميعا الرصاص ليقتلوهم بدم بارد.

 

لكن ضباط يوليو رفضوا اعدام الملك فاروق، ثُم رفضوا فيما بعد اعدام الزعماء السياسيين، بل رفض بعضهم ومنهم جمال عبد الناصر نفسه محاكمة مصطفى النحاس نفسه، رغم أنه يمثل خصما محتملا لزعامته الشعبية العظيمة، وكان رأيه أنه رجل صالح ومن يأتي عليه لا يكسب أبدا.

 

صحيح أن هناك حالات اعدام جرت لمتظاهرين أو خصوم مثل اعدام خميس والبقري في أغسطس 52، واعدام عبد القادر عودة ومحمد فرغلي في 54، لكنها كانت حالات محدودة جدا، وارتبطت بحوادث معينة، وفي ظني فإنها إذا قيست بتحول سياسي وتاريخي كبير فإنها تمثل حالات محدودة لا سمة عامة لنظام ديكتاتوري جديد.

 

لا ينسى تاريخ العراقيون مشهد صعود صدام حسين إلى السلطة في بلدهم، ويؤرخون له بما جرى في قاعة الخلد في يوليو سنة 1979. وقتها تنازل الرئيس أحمد حسن البكر عن السلطة لصدام بذريعة اعتلال صحته، وعارض بعض قادة حزب البعث، فجمعهم صدام جميعا في القاعة، وجلس منتفخا، وأعلن عن المؤامرة، وطلب من كل من يسمع اسمه الخروج ليتم القبض عليه.

 

ثم حكم على أكثر من سبعين قيادي بالاعدام، وأجبر رؤساء وأعضاء الحزب على التجمع في ساحة الاعدام، لينفذوا الحكم في رفاقهم.

كانت الديكتاتورية المصرية البازغة مع يوليو ناعمة، ولديها أرضية أخلاقية، وبعض التسامح، حتى أنها اعتمدت السجن والاقصاء والتشوية لخصومها في معظم الأحيان بدلا من القتل. صحيح أن الديكتاتورية لا يُمكن أن نرى منها أي خير، لكن مستوى الشر لديها كان أقل من مثيلاتها، اتساقا مع مسحة الطيبة السائدة في الشخصية المصرية عموما.

في بلدان كثيرة قريبة وبعيدة، كانت الديكتاتوريات دموية، عاتية، وسادية، وتعبث بأرواح البشر، وتفتك بكل مَن تشتم فيه روح معارضة، بينما أنعم الله علينا بديكتاتورية تحمل قدرا من الطيبة. وهذا بلا شك بعض ما يُحمد لثوار يوليو.
والله أعلم
مصطفى عبيد

ملحوظة: مضمون هذا الخبر تم كتابته بواسطة متر مربع ولا يعبر عن وجهة نظر مصر اليوم وانما تم نقله بمحتواه كما هو من متر مربع ونحن غير مسئولين عن محتوى الخبر والعهدة علي المصدر السابق ذكرة.

قد تقرأ أيضا